قراءة في الاحتجاجات المستمرة ضد النازيين الجدد في المانيا


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7872 - 2024 / 1 / 30 - 00:01
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة     

استمرت وتوسعت الاحتجاجات ضد صعود اليمين المتطرف والنازيين الجدد، وحزب البديل من أجل ألمانيا، باعتباره الذراع البرلماني لهذه القوى، خلال عطلة نهاية الأسبوع. وخرجت أكبر التظاهرات مرة أخرى في عواصم الولايات الاتحادية حيث تجمع السبت قرابة 100 ألف متظاهر في مدينة دوسلدورف. وفي هامبورغ، دعت حركة “جمعة من أجل المستقبل” إلى الاحتجاج الأحد الفائت تحت شعار “هامبورغ تقف معًا - من أجل التنوع والديمقراطية”. واستجاب للنداء قرابة 100 ألف ناشط. وتميزت تظاهرات الأسبوع الثاني هذا الأسبوع بنقل نشطاء المجتمع المدني الاحتجاج إلى العديد من البلدات الصغيرة. وكانت هناك المئات من المسيرات في جميع أنحاء البلاد.

استذكار جرائم النازية
وفي سياق الاحتجاجات يتم استذكار جرائم النازية. في 27 كانون الثاني مرت الذكرى التاسعة والسبعون لتحرير معسكر الإبادة في أوشفيتز. وفي فيتزينهاوزن، شمال ولاية هيسن، في الساحة الرئيسية، تم التذكير بأسماء الضحايا خلال الحكم النازي. وفي العديد من الأماكن كانت هناك دعوات إلى ألا يعيد التاريخ نفسه. قال عمدة دوسلدورف، ستيفان كيلر من الديمقراطي المسيحي، إنه في عام 1930 تم التقليل من المخاطر التي كانت تواجه أول ديمقراطية ألمانية. وحذر قائلا: “لا يجب أن يحدث هذا لنا مرة أخرى”. “إننا نصرخ بوجه المتطرفين: لن تشكلوا الأغلبية مرة أخرى”.

لقد انطلق الاحتجاج الجماهيري بعد الكشف عن اجتماع سري للمتطرفين اليمينيين في بوتسدام في نهاية نشرين الثاني الفائت، تناول خططا لطرد ملايين المهاجرين، بما في ذلك حملة الجنسية الألمانية. وقالت زعيمة الحزب ا الديمقراطي الاجتماعي، ساسكيا إسكين، إن هذه الخطط أدت إلى “رعب شديد” بين أوساط واسعة من السكان و”يبدو أن الحدث كان بمثابة صدمة إيقاظ للأغلبية الصامتة الكبيرة في بلدنا”.

أهمية الاحتجاجات
الاحتجاجات تمثل مؤشرا مهما للغاية يحمل رمزية كبيرة، خاصة في “عام الانتخابات الكبرى”: انتخابات البرلمان الأوربي، وانتخابات عدد من برلمانات الولايات في المانيا. لقد شكلت التعبئة على مستوى ألمانيا ضد التطرف اليميني، تفوقا لحركة الاحتجاج الديمقراطية على نفسها، واتسعت إلى ما هو أبعد من الشبكات المناهضة للفاشية وتحالفات المجتمع المدني المعروفة. وشارك فيها مواطنون ابتعدوا عن المشاركة في الشأن العام، بما في ذلك سكان القصبات الصغيرة، في شرق المانيا، حيث صعود اليمين المتطرف يمثل مشهدا فريدا.

لقد شكل الكشف عن الخطط العنصرية السرية، واهتمام الإعلام الواسع فيه، عاملا مهما في استنهاض وتجميع القوى، وتسليط الضوء على المواقف المناهضة للإنسانية والديمقراطية ــ والتي أصبحت الآن متاحة كأهداف سياسية ملموسة، واعادتها إلى الوعي العام مرة أخرى، ونشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل جعل الكثيرين يتلمسون خطر ما يحدث.

آفاق الحدث
من المهم جدا إيقاظ المترددين والهادئين للغاية. والاحتجاجات تمثل وجها واحدا من العملة. اما الوجه الثاني فهو التواصل مع الذين ابتعدوا بالفعل عن الثقافة الديمقراطية. وتبيان خطورة العيش في مجتمع يقوده اليمين المتطرف والنازيون الجدد. ومن الضروري فضح وعود حزب البديل من أجل ألمانيا الكاذبة، وهناك حاجة أيضاً إلى طرح سياسة حقيقية من مختلف الأحزاب الديمقراطية. ولا ينبغي لحزب البديل من أجل ألمانيا أن يكون بديلاً. والمعركة الجارية في جوهرها، معركة للدفاع عن الديمقراطية في إطارها العام، ولكنها تمثل فرصة لترسيخ القيم التقدمية، باعتبارها ضمانا لاستمرار الديمقراطية وتعميقها.

إن ساحات النقاش البناء مهمة للتماسك الاجتماعي. واليمين المتطرف يسعى لتحقيق الانقسام بشأن القيم المشتركة، ولهذا أطلق حزب البديل من أجل المانيا على جريدته اسم “الانفصال”: إنهم يريدون الانقسام، ويريدون تدمير هذا المجتمع وإقامة نظام مناهض للحداثة والحريات. والوسيلة الوحيدة للمواجهة هو الحوار الجدلي سوية بشأن المستقبل لاجتماعي، حول مضامين تمتد من العدالة الاجتماعية والبيئية، إلى نظام الملكية. ومن الضروري اجراء هذه المناقشات دون أي خوف التواصل مع أوسع الأوساط.

فرص تجاوز السائد
انطلاقا من أن الأزمات الراهنة هي جزء من الديمقراطية الليبرالية، وبعيدا عن التفاؤل الديمقراطي، من المناسب أيضاً، مناقشة ما مدى قدرة الأطر الليبرالية على احتواء المشاكل. لقد أصبحت التناقضات المتأصلة ونتائجها أكثر وضوحا. ويؤثر النظام غير المتكافئ هيكليا، الذي يتبنى أساليب مدمرة في الإنتاج والاستهلاك، بشكل متزايد على المجتمع ويثير أزمات سياسية وأزمات في الشرعية. وفي نهاية المطاف، يشعر الكثير من الناس أن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا النحو. وبالتالي فإن التحدي يكمن في مناقشة الرؤى والمفاهيم الفعالة مع بعضها البعض، ومواصلة دفع عملية التحول الديمقراطي في المجتمع. ومستقبلا ستزداد الأمور سوءا. ولمعالجة ثغرات البدائل، من الضروري تطوير أفكار أكثر تقدمية وديمقراطية في سياق مناقشة آفاق المستقبل.

وبالتالي فالاحتجاجات الديمقراطية لا تحافظ على الوضع الراهن فقط، بل تمثل فرصة لتجاوزه.