جرائم اإلبادة والقتل الجماعي ال تتقادم / بدء محاكمات الإبادة الجماعية ضد قائد سابق للجيش في غواتيمالا


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7930 - 2024 / 3 / 28 - 16:21
المحور: حقوق الانسان     

بدأت الاثنين الفائت جلسات محاكمات الابادة الجماعية في غواتيمالا، ضد مجموعة من المتهمين، أبرزهم قائد سابق للجيش. وقد شهدت عمليات التحقيق في عهد الحكومات السابقة عمليات اطالة وتسويف. وتأتي المحاكمات بعد معركة طويلة خاضها المدافعون عن الضحايا للمطالبة بتحقيق العدالة.

وأبرز المتهمين بممارسة الابادة الجماعية رئيس الأركان العامة للجيش الغواتيمالي السابق، مانويل بنديكتو لوكاس غارسيا، المتهم بارتكاب انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان في المذابح التي ارتكبت ضد السكان المدنيين خلال الحرب الأهلية (1960 - 1996) في منطقة إكسيل، التي يسكنها سكان البلاد الأصليون، في شمال غواتيمالا.

ولم يمثل امام المحكمة المتهمان الرئيسيان الآخران، رئيس جهاز استخبارات الجيش، مانويل أنطونيو كاليخاس إي كاليخاس، ورئيس إدارة العمليات، سيزار أوكتافيو نوغيرا أرغويتا، وذلك لوفاة الثاني في عام 2020. وإصابة الأول بالخرف و”تعليق” محاكمته، بموجب قرار المحكمة في 3 كانون الثاني الفائت.

واكد مكتب حقوق الإنسان في أبرشية الكنيسة الكاثوليكية صحة الاصابة بالمرض.

وتوفر الابرشية الدعم القانوني للمدعيين الثانويين.

وشغل غارسيا منصب رئيس أركان الجيش من آب 1981 إلى أذار 1982. وهو شقيق فرناندو روميو لوكاس غارسيا، الذي حكم غواتيمالا من عام 1978 إلى عام 1982. وتعتبر فترة ولايته وفترة ولاية خليفته إفراين ريوس مونت، الذي استولى على السلطة في 23 مارس 1982، من أكثر الفترات دموية خلال الحرب الأهلية التي استمرت 36 عامًا.

وتضمن بيان صحفي لمكتب حقوق الإنسان في أبرشية الكنيسة الكاثوليكية، وجمعية العدالة والمصالحة تفاصيل الأحداث التي وقعت في إكسيل وفي مقاطعات أخرى: لقد “قُتل ما لا يقل عن 1772 مواطنا معروفين بالأسماء”. بينهم “أطفال وكبار سن، رجالا ونساء بينهن حوامل في 32 مجزرة انتقائية وغيرها”. و”تم حرق وتدمير 23 قرية بالكامل، والحقول المزروعة والمنتجات الزراعية، بالإضافة الى القصف والاضطهاد، والطرد العنيف”. وأدى “المرض والجوع الناجمان عن عمليات الطرد الى وفاة مئات آخرين”.

بالإضافة إلى المذابح التي وقعت في شمال مقاطعة كيشي، أمر مانويل لوكاس غارسيا، أثناء مسؤولياته كقائد للجيش، أيضًا “بعمليات عسكرية” ضد “سكان المايا في مقاطعات إكسكان، وباجا فيراباز، وتشيمالتينانغو، وهويهويتينانغو”.

ويقول خوسيه سيلفيو، المتحدث باسم جمعية العدالة والمصالحة: أن “المحاكمة سبقها صراع طويل”.

ونظمت المجتمعات المحلية في إيكسيل نفسها في عامي 2000/2001 وقدمت أدلة على الجرائم. ويطالب المتضررون بـ”العدالة وليس الانتقام”.

بعد الحرب الأهلية، أصبح التعامل مع الجرائم صعباً. ذهب فرناندو لوكاس غارسيا إلى المنفى في فنزويلا في عام 1994، اي قبل وصول اليسار الى السلطة فيها. وفي عام 1999، فتحت المحكمة الوطنية الإسبانية تحقيقًا ضده بناءً على طلب ريغوبيرتا مينشو الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والتي فقدت العديد من أقاربها في الحرب الأهلية. ورفضت حينها المحكمة العليا في فنزويلا تسليمه.

وفي أيار 2018، حُكم على مانويل لوكاس غارسيا بالسجن لمدة 58 عاماً في بجرائم اخرى، شملت الاخفاء القسري والتعذيب والاعتداء الجنسي. ولم تشمل الأحكام الجرائم التي ارتكبت بحق سكان البلاد الاصليين التي تجري محاكماتها الآن. وقدم كاليخاس وضباط ن آخرون استئنافا وسُمح لهم بمغادرة المستشفى العسكري الذي كانوا محتجزين فيه حتى ذلك الحين في 9 حزيران 2023.

وتم البدء بإجراءات للمحاكمة الحالية، لأول مرة في 30 آب 2021، برئاسة القاضي ميغيل أنغيل غالفيز، الذي اشتهر في غواتيمالا بمحاكماته الجادة. واضطر غالفيز إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 2022، بسبب اتهامات وتهديدات ملفقة من دوائر يمينية متطرفة ضده وضد محامين آخرين.

ومن المرجح أن تكون المحاكمة الفرصة الأخيرة، التي تجري في غواتيمالا في عهد اول حكومة تقدمية، لإصدار حكم على أعلى المستويات ضد المتهمين بتنفيذ المذابح بحق السكان الأصليين في الثمانينات.

وسادت الحرب الأهلية والدكتاتوريات العسكرية في غواتيمالا في سنوات 1960 - 1996. قُتل خلالها قرابة 250 ألف شخص، 83 في المائة منهم من السكان الأصليين. وكانت فترة حكم ريوس مونت (آذار 1982 - 1983) بمثابة ذروة انتهاكات حقوق الإنسان: فقد تم ارتكاب قرابة 50 بالمائة من الفظائع، التي وصفتها لجنة الحقيقة التابعة للأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية، خلال تلك الأشهر السبعة عشر. وفي السنوات الأخيرة، تم استخراج العشرات من الجثث من مقابر جماعية، حيث تم اكتشاف مئات الرفات البشرية والتعرف عليها. إن ما يجري في غواتيمالا وقبلها في العديد من البلدان تؤكد جملة من الحقائق المهمة بالنسبة لضحايا القمع والقتل الجماعي، وبضمنها ما جرى بحق منتفضي تشرين 2019 في العراق، وابرزها عدم اليأس والإصرار على المطالبة بتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا. كذلك ان هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، فمهما طال الزمن واستفاد القتلة من التوازنات في لحظة تاريخية معينة، تبقى إمكانية القصاص منهم ممكنة جدا.