الوجود العسكري الغربي في بلدان الساحل االافريقية يقترب من نهايته / النيجر تنهي الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7938 - 2024 / 4 / 5 - 11:40
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

كان الانسحاب المتزامن لمالي وبوركينا فاسو والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في 28 كانون الثاني الفائت بمثابة ضربة خطيرة للنفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا. وجاء في البيان المشترك أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «أصبحت تحت تأثير القوى الأجنبية وخيانة مبادئها التأسيسية تشكل تهديدا لدولها الأعضاء وشعوبها».

دفاع مشترك
وبناء على اقتراح فرنسا، وبعد استيلاء الجيش على السلطة، استبعدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مؤقتا الدول الثلاث من عضويتها المكونة من 15 دولة في غرب أفريقيا، وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية وهددت بالتدخل العسكري. لكن العقوبات الصارمة والتهديد ضد الحكومة العسكرية في النيجر في عام 2023 كانت لها نتائج عكسية، وزادت من الاستياء تجاه المنظمة الإقليمية وقربت الدول الثلاث من بعضها البعض، ودفعتها إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك ضد غزو محتمل من قبل قوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

وتراهن الدول الثلاث على إنشاء قوة مشتركة قادرة على القضاء على العصابات الإرهابية الجهادية الناشطة في مناطق مختلفة من الدول الثلاث، مستفيدة من المساعدة التي تقدمها موسكو والعلاقات مع الولايات المتحدة، وإعادة تشكيل أوروبا بشكل جذري.

انتقال إلى معسكر المنافسين
لقد أدارت الحكومات العسكرية الثلاث ظهورها لفرنسا، القوة الاستعمارية، ووثقت العلاقات مع موسكو على مختلف المستويات، سواء في مالي أو بوركينا فاسو. بالإضافة إلى نشر مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر، التي دمجت بالجيش الروسي، وقعت بوركينا فاسو مذكرة تفاهم للشراكة في مجال الطاقة مع شركة روساتوم الروسية المملوكة للدولة للمساعدة في بناء محطة للطاقة النووية. وبدأت حكومة النيجر أيضًا تعاونًا عسكريًا مع روسيا، يسمح بوجود قوات روسية في البلاد في المستقبل ايضا. بعد الاستيلاء على السلطة في النيجر في 26 تموز 2023، تم طرد القوات الفرنسية من البلاد، وكذلك الغاء الموافقة على العملية العسكرية للاتحاد الأوروبي وعملية شرطة الاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل بالنيجر. وألغت النيجر الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بشأن قطع الطريق على طالبي اللجوء المتوجهين إلى أوربا.

الغاء الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة
وفي 16 آذار، أعلنت حكومة النيجر «إنهاء الاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن تمركز أفراد عسكريين وموظفين مدنيين تابعين لوزارة الدفاع الأمريكية على أراضي النيجر على الفور». وسيتم البدء بـ «المراسلات الدبلوماسية» الضرورية مع واشنطن. لقد تم «فرض اتفاقية الانتشار الموقعة في 6 تموز 2012 من جانب واحد» وان الاتفاقية «انتهكت جميع قواعد الدستور والديمقراطية» وبالتالي فهي «غير شرعية». وعليه ستتخلى الولايات المتحدة عن قاعدة الطائرات المسيرة في أغاديز والتي تضم قرابة 1100 جندي أمريكي، وتمثل قيادة قوات الولايات المتحدة في أفريقيا، والموقع الأكثر أهمية لمراقبة البنتاغون العسكرية للقارة الأفريقية. وهي قاعدة تستخدم «لمحاربة الإرهاب»، ولكن أيضًا لاستعراض القوة ضد روسيا والصين. وفي نفس يوم الاعلان، وقع نائب وزير الدفاع الروسي مجموعة مع الاتفاقات مع حكومة النيجر. وقال المتحدث باسم حكومة النيجر امادو عبد الرحمن: «تأسف النيجر لنية الوفد الأمريكي حرمان شعب النيجر صاحب السيادة من حق اختيار شركائه ونوع الشراكات التي يمكن أن تساعده حقًا في الحرب ضد الإرهاب». وأضاف أن «حكومة النيجر تدين بشدة الموقف المتعالي لرئيس الوفد الأمريكي تجاه حكومة وشعب النيجر، والذي صاحبه التهديد بالانتقام».

وعلقت وزارة الخارجية الأميركية بأن المفاوضات تضمنت «مناقشات صريحة حول مخاوفنا بشأن تطور الحكومة العسكرية». وأضافت: «عبر المسؤولون الأميركيون عن قلقهم بشأن التقارب المحتمل بين النيجر وروسيا وإيران».

الوجود العسكري الغربي يقترب من نهايته
بالانسحاب الأمريكي، انتهت أيضًا محاولات ألمانيا لترسيخ وجود عسكري في شمال غرب إفريقيا. منذ بداية عام 2013، بدأ التركيز في البداية على مالي. ثم استكملت برلين تدريجيًا وجود الجيش الألماني هناك بإقامة مركز جوي في عاصمة النيجر، نيامي، بالإضافة إلى إجراءات أخرى.

ومن الصعب تصور إمكانية الحفاظ على المركز الجوي الالماني، إذا اضطرت الولايات المتحدة إلى الانسحاب الكلي من النيجر، في وقت تعمل القوات الروسية على تطوير وجود جديد ومتنوع لها في البلاد.

وبإنهاء اتفاقية تواجد قوات الولايات المتحدة، فمن المرجح أن ينتهي الوجود العسكري الغربي في بلدان منطقة الساحل.

ان ما يجري في بلدان الساحل أدى حتى الآن إلى حراك سياسي وجماهيري، ربما يذكرنا بجوانب من تجارب عدد من البلدان العربية في سنوات خمسينيات وستينيات القرن العشرين، فهل نحن إزاء نسخة جديدة من التجارب السابقة، ومن حالة الانتقال من التعاون مع المعسكر الغربي إلى التعاون مع روسيا والصين وحلفاؤهما، هل سيكون نصيب هذه المحاولات في النجاح أكثر من سابقاتها؟ نحن إزاء أسئلة مفتوحة، دون ان ننسى ان روسيا اليوم، ليس الاتحاد السوفيتي السابق، وانما بلد يسعى للتمدد والهيمنة في إطار الهيمنة الرأسمالية، ولكن من موقع يختلف عن منافسه الغربي.