في فرنسا ادانوا ساركوزي وفي البرازيل يحققون مع بولسونارو / دروس لقادم أيامنا في العراق


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7892 - 2024 / 2 / 19 - 22:50
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

الديمقراطية السائدة في البلدان المستقرة اليوم متباينة وبعيدة عن ان تكون مثالية، ويعتمد تباينها على تراكم واستقرار التجربة، وطبيعة توازن القوى داخل النظام السياسي في اللحظة المعينة. وفي البلدان التي تسود فيها الفوضى نتيجة لصراع مراكز القوى وضعف المؤسسات والسيادة الناقصة، كما هو الحال في بلدنا، تشكل الدروس المستخلصة من بعض التجارب معينا لمستقبل قد يبدو بعيدا. وهناك في هذا الشأن حالتان شهدتهما الفترة الاخيرة في كل من فرنسا والبرازيل، تستحقان التأمل والاستفادة من دروسهما.

القضاء الفرنسي يدين ساركوزي
في 13 شباط الحالي، خسر الرئيس الفرنسي الاسبق نيكولا ساركوزي في محاكمة أخرى. ويبدو أن القضاة لم يعودوا يصدقون أن هذا الرئيس اليميني الاسبق لا يعرف شيئا عن جرائم وزرائه السابقين وموظفيه ومديري حزبه، الذين أدينوا في السنوات الأخيرة. وقد فشل ساركوزي مرة أخرى في استئنافه، وهذه المرة بشأن التمويل غير القانوني لحملته الانتخابية في عام 2012، التي اراد من خلالها الاستمرار في منصبه لدورة ثانية. وعلى الرغم من أن القضاة خفضوا عقوبة سجنه المفروضة في الجلسة الأولى من سنة الى 6 أشهر، إلا أنه سيظل مدانا وصاحب سجل جنائي. وهذا هو السبب الرئيسي للجوئه إلى الاستئناف. وأكد محاميه فنسنت ديسري، أنه سيتوجه إلى محكمة النقض، وسيطلب بالطبع البراءة.
لقد تجاوز ساركوزي السقف المحدد قانونا لتمويل حملته الانتخابية بـ 22,5 مليون يورو، وأنفق أكثر من 20 مليون اخرى على 40 فعالية اضافية أصر على تنظيمها. وبدلا من ادخال المبلغ الاضافي في حسابات الحملة الانتخابية، سجله بفواتير مزيفة كنفقات لحزبه آنذاك. وسبق للقضاء الفرنسي ان ادان مسؤولي حملته الانتخابية بالسجن لمدة خمس سنوات، وفي جميع المرافعات السابقة ادعى ساركوزي عدم معرفته بأية تفاصيل تتعلق بملف القضية.
وفي هذه المرة ايضا منع الاستئناف المعلن للحكم دخول ساركوزي السجن مباشرة. وحتى لو خسر الدعوى أمام محكمة النقض، فذلك لن يعني دخوله السجن فعلا، نظرا الى أن السلطة القضائية «المستقلة سياسياً» تكون مترددة في إرسال رئيس دولة سابق إلى سجن عادي، وفي أسوأ الحالات، يبدو ان المدان سيواجه الإقامة الجبرية. وكان ساركوزي قد أدين من قبل محكمة الاستئناف في أيلول الفائت بالسجن ثلاث سنوات، إحداها في حبس مغلق، بتهمة الفساد السلبي ورشوة قاض أعلى، وإذا أدين أيضا بحكم نهائي، فرأفة به، سيقضي حكمه كإقامة جبرية في شقة فاخرة في باريس.
وليس من المستبعد ان يواجه ساركوزي تهمة التمويل غير الشرعي لحملته الانتخابية الاولى في عام 2007، والتي قيل ان الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي قد ساهم في دعمها بمبلغ 50 مليون يورو. وهناك في فرنسا شائعة متداولة مفادها أن الرغبة في إخفاء هذه الحقيقة كانت أحد أسباب سعادة ساركوزي بالغارات الجوية الغربية عام 2011، التي ساعدت في الإطاحة بالقذافي.
البرازيل: بولسونارو قد يواجه السجن
تحرز التحقيقات الجارية في البرازيل بشأن الاضرار التي لحقت بالمربع الحكومي في العاصمة برازيليا على ايدي انصار الرئيس اليميني المتطرف بولسونارو في الثامن من كانون الثاني 2023 تقدما ملحوظا. وقد لحقت بالعشرات من المتورطين في أعمال الشغب أحكام صارمة بالسجن. وتحت إشراف رئيس المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس، يقوم القضاء أيضًا بملاحقة المخططين والمحرضين.
في مركز العملية التي نفذتها الشرطة الاتحادية أيام رئاسة بولسنارو، والمعروفة بـ «زمن الحقيقة»، والتي مثلت مؤامرة ضد الديمقراطية وسيادة القانون، يقف الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، ومعاونوه. ويعزز الشكوك مرسوم جمهوري تم اكتشافه خلال التحقيق، وتمت صياغته لإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2022 وفرض حالة الطوارئ. ووفقا للنتائج الأخيرة، يقال إن بولسونارو قام شخصيا بمراجعة الوثيقة، التي نصت أيضا على اعتقال رئيس المحكمة العليا دي مورايس.
وقد تم بالفعل العثور على جزء من الخطة بعد وقت قصير من اقتحام مبنى الكونغرس، أثناء تفتيش شقة آخر وزير عدل في حكومة بولسونارو، أندرسون توريس. ويُشتبه أيضًا في أن توريس، باعتباره المسؤول عن امن المربع الحكومي، تجاهل تحذيرات جهاز المخابرات بشأن تمرد أنصار اليمين المتطرف.
وبعد الحصول على إذن القاضي دي مورايس وبموافقة مكتب المدعي العام، قامت الشرطة، في بداية شباط الحالي بتفتيش 33 عقاراً، بضمنها شقة بولسونارو في العاصمة برازيليا ومنزله البحري بالقرب من مدينة ريو. وتم القبض على العديد من المشتبه بهم: اثنان من المستشارين المقربين لبولسونارو والرائد رافائيل مارتينز، وهو عضو في القوات الخاصة، يقال إنه نسق مع مساعد الرئيس، المدعو ماورو سيد، لتمويل نقل أنصار اليمين المتطرف إلى العاصمة. وكان قد سبق اعتقاله في أيار الفائت، ثم أُطلق سراحه بكفالة. كما تم اعتقال فالديمار كوستا نيتو، رئيس الحزب الليبرالي الذي ينتمي إليه بولسونارو، لفترة قصيرة بسبب العثور على سلاح غير مسجل بحوزته.
وصادرت السلطات جواز سفر بولسونارو، كما مُنع بولسنارو نفسه من التواصل مع أشخاص آخرين يجري التحقيق معهم. فيما يجري التحقيق أيضا في اتهام الرئيس السابق والنواة الصلبة المحيطة به بتشكيل منظمة إجرامية آنذاك، تهدف الى إبقاء بولسونارو في السلطة بالقوة، على الرغم من هزيمته أمام الرئيس اليساري الحالي لولا دا سيلفا. ويمكن لساعة الحقيقة أن تؤدي إلى فقدان بولسانارو حقوقه السياسية مدى الحياة بالإضافة إلى السجن لفترة طويلة. ولهذا دعا أنصاره إلى تنظيم مظاهرة كبيرة في ساو باولو.