يساريون في الفاتيكان


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7874 - 2024 / 2 / 1 - 00:35
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

منذ عشر سنوات تقريبا، بدأ حوار بين الماركسيين والمسيحيين. وقد انطلقت الفكرة بلقاء في عام 2014 بين البابا فرنسيس وألكسيس تسيبراس، زعيم حزب سيريزا اليساري ورئيس وزراء اليونان الاسبق،

وممثل الحركة الشعبية الكاثوليكية «فوكولاري»، التي تضم رسميا أكثر من 150 ألف عضو في جميع أنحاء العالم في 182 دولة، وفالتر باير، الرئيس الحالي لحزب اليسار الأوروبي، والرئيس الاسبق للحزب الشيوعي النمساوي (1994 – 2006) رئيس منظمة تحويل الشبكة الأوروبية اليسارية لسنوات طويلة.

تمخض عن اللقاء مع البابا، وبناء على مقترح منه عن تأسيس شبكة «حوار» لتعزيز ودعم الحوار بين اصحاب الخلفيات العلمانية والدينية، وخصوصا بين الماركسيين والمسيحيين، بالتعاون مع الجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية الرسمية أو غير الرسمية، الهدف هو تطوير السلوك والاخلاق الاجتماعية، على اسس النقد الاجتماعي الماركسي والتعاليم الاجتماعية للكنيسة. وفي سنوات 2020/21، أنتج الحوار عبر سلسلة من الندوات وفعاليات «الجامعات الصيفية» التي ينظمها حزب اليسار الأوروبي، والمؤتمرات وثيقة كتبها البروفيسور بيني كاليباوت من جامعة صوفيا الإيطالية والفيلسوف والباحث الماركسي الالماني ميشائيل بري، واقرت في ملتقى في مدينة قادش الاسبانية.

وانطلاقا من تاريخ الخلافات الفكرية والسياسية العنيفة بين الكاثوليكية والماركسية، تم استكشاف أسس رؤية عالمية مشتركة. وفي 10 كانون الثاني 2024 تم تسليم الوثيقة، إلى جانب وثائق أخرى إلى البابا فرنسيس. تحاول الوثيقة الإجابة على السؤال «لماذا لم تتمكن هاتان «القوتان الاجتماعيتان» قبل مئتي عام من توحيد جهودهما ضد بؤس الملايين من الناس، الذي سببته الثورة الصناعية وتوحيد جهودهما في مواجهة انتصار الرأسمالية الجامحة في ذلك الوقت؟ ماذا يمكنهما أن يفعلا اليوم في ظل قواسم مشتركة جديدة؟ واختمت الوثيقة بالتالي: “يمكننا النجاة فقط، بالعمل من أجل اقتصاد للحياة؛ ومن اجل مجتمع الرعاية؛ ومن أجل سياسة تحول قائمة على التضامن؛ ومن اجل عالم فيه مكان لعوالم عدة؛ من أجل كرامة كل فرد في عالم غني بالموارد المشتركة ومن أجل العيش مع بعضنا البعض بسلام».

بدأ البابا كلمته في حفل الاستقبال الذي دام حوالي أربعين دقيقة في 10 كانون الثاني بالكلمات التالية: «يسرني أن أحييكم، يا ممثلي شبكة «حوار»، الذين التزموا لسنوات عديدة بالقضية المشتركة في حوار بين الاشتراكيين/الماركسيين والمسحيين بشكل جيد. ذات مرة، كتب كاتب أمريكي لاتيني، أن للناس عينين، واحدة من زجاج واخرى من لحم. يرون بالأولى ما ينظرون إليه؛ وبالأخرى ما يحلمون به. واليوم، نعيش في عالم منقسم بسبب الحرب والاستقطاب، نخاطر فيه بفقدان القدرة على الحلم. نحن الأرجنتينيين نقول: «لا تفقد قلبك». وهذه أيضا دعوتي لكم: لا تفقدوا قلوبكم، ولا تستسلموا، ولا تتوقفوا عن الحلم بعالم أفضل. انها هبة التصور والقدرة على الحلم، حيث يلتقي الذكاء والحدس والخبرة والذاكرة التاريخية، لتمكننا من الإبداع واغتنام الفرص وركوب المخاطر. كم مرة في السنوات التي مضت كانت هناك أحلام عظيمة بالحرية والمساواة والكرامة والأخوة، أحلام عكست حلم الله، وأنتجت اختراقات وتقدما».

وليس صدفة، أن يكون هذا البابا هو الأول «في سلسلة» بطرس الذي اختار اسم فرنسيس، لأن القديس فرنسيس الأسيزي (1181-1226) كان أكثر من أي شخصية أخرى في تاريخ الكنيسة اختار الدفاع عن مصالح الفقراء. المحرومين، المستبعدين. رحلته الأولى بصفته بابا الفاتيكان قادت لامبيدوسا للتعبير عن رعبه إزاء موت اللاجئين الجماعي، على الشواطئ الأوروبية في البحر الأبيض المتوسط. وفي الكنيسة الكاثوليكية، في عهد الأرجنتيني خورخي ماريو بيرجوليو، وهذا اسمه في شهادة الميلاد، والذي انتخب بابا في عام 2013، أصبح الربط بين الالتزام تجاه الفقراء والبيئة والسلام محور التعاليم الكاثوليكية. لقد أدان الرأسمالية، باعتبارها النظام الاقتصادي السائد بقسوة أشد من سابقيه: «هذا الاقتصاد مميت!» وفي الوقت نفسه، بدأت اشتراكية جديدة بالظهور تركز على مسائل التحول الاجتماعي البيئي، وتركز على نظام عالمي جديد مبني على فهم شامل وسليم لحقوق الإنسان.

وتؤشر لقاءات مثل تلك التي جرت في روما يوم 10 كانون الثاني، أن التحالفات الجديدة ممكنة وضرورية لصياغة رفض ملموس للتطورات الجارية في أوقات الحروب والمواجهات الآيديولوجية، والدمار البيئي، واستمرار الفقر. والعمل على بدائل قائمة على التضامن في الأوقات المظلمة التي نعيشها اليوم، والتي نحتاج فيها بشدة مثل هذه المبادرات الشجاعة، بعيدا عن قوى الظلام والعنف والفساد التي توظف معتقدات الناس لترسيخ سلطة الاستبداد

* نشرت لأول مرة في جريدة المدى العراقية في 29 كانون الثاني 2024