عبء الديون الخارجية وأزمة بلدان الجنوب المقبلة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7906 - 2024 / 3 / 4 - 22:12
المحور: الادارة و الاقتصاد     

ا
تحدث البنك الدولي عن “أزمة المستقبل” في بلدان جنوب العالم، نتيجة لعبء الديون الخارجية “غير المحتملة”. وصعوبة تنفيذ سياسات اجتماعية. وعلى الرغم من اعتراف القوى المهيمنة عالميا بالمشكلة، لكنها لا تحرك ساكنا لحلحلتها.

وفقا لتقرير حديث للبنك الدولي حول الديون الخارجية العالمية، أنفقت “الدول النامية” “مبلغا قياسيا” قدره 443,5 مليار دولار لخدمة ديونها الخارجية العامة في عام 2022. وفي وقت مبكر من أيار 2023، حذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية من أزمة وشيكة في المنطقة، بسبب خدمة الديون المتزايدة بشكل مطرد، التي تقيد بشدة الاستثمارات الاجتماعية الضرورية.

واضطر 75 بلدا في جميع أنحاء العالم، صنفها البنك الدولي للتنمية باعتبارها بلدانا منخفضة الدخل بشكل استثنائي، إلى تخصيص “مبلغ غير مسبوق” بلغ 88,9 مليار دولار لخدمة الديون عموما. وتضاعفت مدفوعات الفائدة في هذه البلدان، خلال العقد الفائت أربع مرات وصلت في عام 2022 إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق (23,6 مليار دولار) “.

قبل انتشار الوباء، كان الخط البياني للديون الخارجية يرتفع بشكل حاد في جميع أنحاء العالم. وبعد الوباء، أصبح الوضع أسوأ. وبحسب التقرير، من المتوقع أن ترتفع التكلفة الإجمالية لخدمة الديون لأفقر 24 دولة بنسبة تصل إلى 39 في المائة في عامي 2023 -2024.

ويخشى البنك الدولي أن يقع المزيد والمزيد من البلدان في هذا المأزق، ويرى أن ارتفاع أسعار الفائدة هو أحد الأسباب. وتبتلع أقساط الفائدة حصة متزايدة الضخامة من صادرات البلدان ذات الدخل المنخفض. وفي السنوات الثلاث الفائتة وحدها، كان هناك 18 حالة تخلف عن السداد في عشرة من “البلدان النامية”. ويقول التقرير إن هذا أكثر مما كان عليه الحال في العقدين الفائتين.

واليوم، يعاني قرابة 60 في المائة من البلدان منخفضة الدخل من فرط المديونية أو معرضة بشدة لخطر المديونية المفرطة. ويؤدي ارتفاع قيمة الدولار الأميركي إلى تفاقم المشاكل الحادة ويجعل المدفوعات أكثر تكلفة بالنسبة لهذه البلدان.

إنديرميت جيل، كبير الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولي، يتحدث عن “ديون غير مسبوقة وأسعار فائدة مرتفعة”، “وضعت العديد من البلدان على طريق أزمة مستقبلية”. و” مع بقاء أسعار الفائدة مرتفعة، يتأثر المزيد من البلدان النامية وتواجه الاختيار الصعب بين سداد ديونها أو الاستثمار في الصحة العامة والتعليم والبنية التحتية. وهذا الوضع يتطلب تحركا سريعا”.

وتوصلت المؤسسات الاقتصادية الخاصة بأميركا اللاتينية، مثل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية وبنك التنمية للبلدان الأميركية، إلى تحليل مماثل مثير للقلق. ووفقاً لهذه المؤسسات، فإن أميركا اللاتينية تواجه خللاً في التوازن بين الأصول (الموجب) والالتزامات (السالب) والذي تفاقم على مدى العقود الخمسة الماضية، الأمر الذي يجعل ميزانياتها في وضع صعب.

يبين التقييم، الذي يأخذ بنظر الاعتبار البيانات منذ عام 1970، أن أصول الاقتصادات الكبرى في بلدان المنطقة وصلت إلى 75 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في عام 2020. لكن الديون بلغت 125 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

تستهلك خدمة الديون ومدفوعات الفائدة الكثير من الموارد وتحد من قدرة الحكومات على تخصيص الأموال للتعليم والاستثمارات الاجتماعية، وفقًا لدانيال تيتلمان، مدير التنمية الاقتصادية في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية. وتؤثر التكلفة المرتفعة للدين العام في أمريكا اللاتينية أيضًا على خطط “الاستثمارات لمكافحة تغير المناخ”، وفقًا لما ذكره تايتلمان.

وفقًا لـ “التقرير الاقتصادي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 2023”، فإن البلدان التي لديها أعلى دين عام في المنطقة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي هي: الأرجنتين (85.4 بالمائة)، البرازيل (73 بالمائة)، بنما (59.4 بالمائة). وكوستاريكا 58.2 في المائة) وكولومبيا (51.7 في المائة).

وفي الوقت نفسه، تعاني هذه البلدان من ارتفاع معدلات البطالة. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل 50 في المائة من عمال أمريكا اللاتينية في القطاع غير الرسمي. وقال تيتلمان إن ارتفاع مستويات الديون يجعل من الصعب على الحكومات اتخاذ إجراءات لخلق فرص عمل جيدة.

ويرى ممثلو منظمات دولية أخرى الأمر نفسه. ويشكو أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من أن الحكومات في الجنوب العالمي لا تستطيع دفع تكاليف المعلمين والأطباء والممرضات وحتى الأدوية للمراكز الصحية الريفية بسبب خدمة الديون الخارجية.

وقال شتاينر إنه بالنسبة للدول ذات الدخل المنخفض، فإن ارتفاع معدلات الفقر “مثيرة للقلق” وعبء الديون “لا يمكن تحمله”. وسقط قرابة 165 مليون انسان في براثن الفقر بين عامي 2020 – 2023.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن “نصف البشرية تعيش في بلدان تضطر إلى إنفاق المزيد على خدمة الديون أكثر من إنفاقها على الصحة والتعليم”.

ورغم أن المزيد والمزيد من الأصوات الدولية والمؤسسية تطالب بإعادة هيكلة الديون الخارجية للدول ذات الدخل المنخفض، فإن القوى المهيمنة لا تتحرك. في قمة مجموعة العشرين في تموز 2023، دعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أغنى دول العالم إلى التوقف عن تحصيل الديون الخارجية.

ورغم أن مجموعة العشرين أدركت أنه بدون اتخاذ تدابير اقتصادية وسياسية لصالح الفئات الأكثر ضعفا، فإن الفجوة بين الأغنياء والفقراء ستستمر في الاتساع، إلا أنها لم تتخذ قرارا بشأن أي تدابير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*-عن مقالة نشرت في 4 كانون الثاني 2024 في موقع امريكا اللاتينية الألماني