قوى اليسار وانتخابات البرلمان الأوربي المقبلة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7862 - 2024 / 1 / 20 - 21:15
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

بقلم: فالتر باير*

ترجمة: رشيد غويلب

كل الحملات الانتخابية التي شاركت فيها على المستوى الأوروبي كانت لها خصوصيتها. في عام 2014، أعطت مقاومة سياسات التقشف المفروضة على الجنوب الأوروبي أحزاب اليسار زخما، وانعكس ذلك في ارتفاع القوة التصويتية، وعدد المقاعد. ولاحظ المراقبون أن النمو تركز إلى حد كبير في الأحزاب الثلاثة التي تناضل ضد الترويكا (صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الأوربي، والمفوضية الأوربية – المترجم): سيريزا (اليونان)، بوديموس (إسبانيا)، وحزب الكتلة اليسارية (البرتغال)، في حين ظلت الأحزاب اليسارية في بلدان الاتحاد الأوربي الأخرى راكدة.
وبعد أن أجبرت الترويكا حزب اليسار اليوناني (سيريزا) على الاستسلام، أصبح من الواضح أن مقاومة التقشف كبرنامج كان أضيق من امكانية توجيه توازن القوى في أوروبا نحو اليسار. وكانت النتيجة خيبة أمل وتعمق الخلافات حول السياسة الأوروبية داخل اليسار. وفي انتخابات 2019، حصلت قوى اليسار على 39 مقعدًا فقط، بخسارة 13 مقعدا، ومنذ ذلك الحين شكلوا أصغر مجموعة في البرلمان الأوروبي.

عودة السياسة الطبقية
تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعديد من مواطني الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة بسبب الوباء والحرب في أوكرانيا. ويقول قرابة نصفهم إن دخلهم الشهري لا يغطي نفقاتهم. وبحسب الدراسات، فإن انتخابات 2024 ستتسم بالغموض والتشاؤم. وتتمحور مخاوف المواطنين حول ارتفاع تكاليف المعيشة (93 في المائة)، ومخاوف الفقر والإقصاء الاجتماعي (82 في المائة)، ومخاوف التغير المناخي (81 في المائة)، وخطر توسع الحرب في أوكرانيا (81 في المائة).
في النصف الأول من عام 2023، شهدت أوروبا احتجاجات اجتماعية واسعة النطاق: بلجيكا (ارتفاع تكاليف المعيشة)، المملكة المتحدة وإسبانيا (الرعاية الصحية)، اليونان (سوء السكك الحديدية)، البرتغال (التعليم)، جمهورية التشيك (ارتفاع الاسعار)، رومانيا (التعليم) وموجة الاحتجاجات التي استمرت في فرنسا لأشهر ضد تدهور نظام التقاعد الذي فرضه، في نهاية المطاف، إيمانويل ماكرون بعيدا عن الأغلبية البرلمانية (موظفا صلاحية إصدار المراسيم – المترجم)
وتنعكس النضالات الاجتماعية سياسيًا أيضًا. يدعم تسعة من كل عشرة مواطنين في الاتحاد الأوروبي فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا والبيانات الكبيرة فوق الوطنية، والعمل بنظام الحد الأدنى للأجور، ويدعم ثمانية من كل عشرة مواطنين تجارة عادلة على أساس حد أدنى من المعايير البيئية والاجتماعية، وكذلك أجور متساوية للرجل وللمرأة مقابل نفس العمل.
هناك فرصة لحزب اليسار الأوروبي والأحزاب الأعضاء فيه لتعزيز دورهم كممثلين سياسيين للطبقة العاملة المعاصرة، وهذا يعني تعبئة الرجال والنساء، بغض النظر عن العمر والانتماء العرقي والديني وبغض النظر عما إذا كانوا يعملون في قطاع الصناعة أو الخدمات أو القطاع العام، الذين يعملون بموجب عقود عمل دائمة أو غير مستقرة، الذين يعتمدون على بيع قوة عملهم. يتعلق الأمر بالأجور العادلة، والحماية من التضخم، وتخفيض ساعات العمل، والمساواة بين الجنسين، والحقوق والظروف المتساوية للعمال المهاجرين، والسلامة المهنية لعمال المنصات (عمال التسويق الالكتروني والتوصيل – المترجم)، والضمان الاجتماعي، والإسكان الميسر، وأمن الطاقة الأساسي، وحرية الوصول إلى التعليم، والرعاية الصحية، ووسائل العيش، والاتصالات والنقل العام.
وفق استطلاعات الرأي تراجعت الريبة بالاتحاد الأوروبي على خلفية وباء كورونا، والحرب في اوكرانيا.. 6 من كل 10 مواطنين يقيمون العضوية في الاتحاد الأوروبي بشكل إيجابي، ويعتقد 72 في المائة أن بلادهم تستفيد منها.
وهذا يعبر أيضًا عن الآمال المتزايدة التي تتعارض مع البناء الليبرالي الجديد للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، استجاب الاتحاد الأوروبي لأزمات السنوات الأخيرة بإدخال تغييرات على سياساته. في آذار 2020، علقت المفوضية الأوروبية العمل بميثاق الاستقرار والنمو، وبالتالي وسعت مساحة تحرك الدول الأعضاء في تعاملها المالي مع أزمة كورونا. وتمت تعبئة موارد كبيرة لرقمنة الاقتصادات وجعلها صديقة للبيئة من خلال خطة إنعاش “جيل الاتحاد الأوربي القادم”، وتم تمويلها جزئيا من خلال عمليات الاقتراض الجماعية. وعلى الرغم من ذلك، فإن أي حديث عن زوال الليبرالية الجديدة سابق لأوانه. ولا يزال إطلاق الأموال للدول الأعضاء مرتبطاً بإجراءات الفصل الأوروبي، والتي تفرض الانضباط المالي، وفق “ ميثاق الاستقرار والنمو”، الذي يراد، وفق المتشددين إعادة تفعيله قريبا.
والسؤال الآن هو ما الذي تستطيع سياسة اليسار الأوروبي تحقيقه على مستوى الاتحاد الأوروبي، خارج حدود الدعم التضامني للنضالات التي تخاض داخل إطار الدول الوطنية منفردة.
إن توجه الحد الأدنى للأجور، والذي ينبغي توسيعه ليشمل “أجر الضمان الاساسي “، أو توجهات شفافية الأجور، الذي ينص على الأجر المتساوي مقابل العمل متساوي القيمة بين الرجال والنساء، هما مثالان راهنان، لعملية الجمع بين ضغط النضالات خارج البرلمان ومبادرات اليسار السياسية داخل البرلمان الأوروبي. ومع ذلك، لا يزال التنفيذ القانوني، في العديد من الحالات، على المستوى الوطني معلقًا، الأمر الذي يتطلب تعبئة نقابية جديدة.
يدعم حزب اليسار الأوربي مطالب اتحاد نقابات العمال الأوروبي لأنهاء سلطة سياسات التقشف وإقرار بروتوكول ملزم للتقدم الاجتماعي، يعطي الأولوية للحقوق الاجتماعية وحقوق العمل على حريات السوق الداخلية.
ويدعم الحزب اقتراح يولاندا دياز (زعيمة تحالف سومار اليساري ونائبة رئيس الوزراء الاسباني-المترجم) الداعي لقياس المؤشرات الاجتماعية على قدم المساواة مع اختلالات الاقتصاد الكلي خلال الفصل الأوروبي (التنسيق الاقتصادي بين الموازنة، التشغيل، وسياسة الاتحاد الأوربي الاجتماعية – المترجم).
الإصلاحات المستندة إلى معاهدة الاتحاد الاوربي الحالية على تغيًر ميزان القوى في مؤسسات الاتحاد الأوروبي وفي الدول الأعضاء لصالح العاملين بأجر. وهذا ما يناضل الحزب من أجله. إلا أنها لا تلغي الجوهر الاساسي لمعاهدة لشبونة، التي اكدت أن السوق الداخلية هي الأساس الذي يقوم عليه الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تبنت الاتجاه الليبرالي الجديد. ولتغيير هذا الاتجاه فإن الأمر يتطلب إبرام معاهدات جديدة للاتحاد الأوروبي تنص على التشغيل الكامل للعمالة، والضمان الاجتماعي، والمساواة بين الجنسين، وحماية البيئة، باعتبارها الأهداف الأساسية للاتحاد الأوروبي.

أجندة ايكولوجية جذرية
إن الأزمة الايكولوجية هي سياق موضوعي لكل السياسات، بما في ذلك السياسات اليسارية. إن المعرفة العلمية بحدود مرونة النظم الايكولوجية تتطلب زيادة الجهود وسرعة إعادة هيكلة أيكولوجية.
لقد اختار اليمين السياسي سياسة المناخ كأحد ميادين حربه الثقافية. ولم يتقرر بعد، امكانية انتصاره من عدمها. ولذلك، فإن إعادة الهيكلة الايكولوجية ينبغي ألا تنحصر في اهتمام الأقليات المستنيرة، بل يجب أن تدعمها الأغلبية المجتمعية. وتلعب هنا معايير الفئات الاجتماعية للجنس والطبقة أدوارا حاسمة: من ناحية، لأن ذوي الدخل المحدود والأقل والنساء هم الضحايا الرئيسيون للتدمير الايكولوجي؛ ومن ناحية أخرى، لأنه عند ملاحظة مسببي التلوث، يتبين أن العشرة الأغنى من سكان العالم مسؤول عن 50 بالمائة من الانبعاثات.
لا يمكن جعل، الانتباه إلى تأثيرات الحدود الايكولوجية على نمط حياة واستهلاك كل فرد، دائرة النقاش. ان إلزام أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض بالامتناع عن الاستهلاك، والتزام الصمت بشأن أرباح رأس المال والتسلح لا يؤدي إلى برنامج مستدام للتحول الايكولوجي.
إن الرأسمالية الخضراء تعبير متناقض. الرأسمالية الخضراء هي عندما يحقق مسببو التلوث من الصناعيين الرئيسيين، من خلال نظام مقايضة الانبعاثات الأوروبي، أرباحا مضاربة تبلغ عشرات المليارات من اليورو، في حين يتم تحميل جماهير السكان عبء إعادة الهيكلة الايكولوجية عبر التضخم وضرائب الاستهلاك.
تشكل الوظائف الخضراء، والتحويل الصناعي، وضمان دولة الرفاه، والإسكان الاجتماعي، وتوسيع الخدمات العامة، وضمان الطاقة الأساسية للأسر، الشروط المادية للانتقال العادل اجتماعيًا إلى اقتصاد رقمي ايكولوجي.
ان إعادة الهيكلة الايكولوجية هي جهد مجتمعي مشترك. وقد أظهر الخبراء أن الموارد المطلوبة لذلك ستستمر في تجاوز ميزانية الاتحاد الأوروبي عدة مرات، حتى بعد زيادتها بواسطة خطة بناء أجيال الاتحاد الأوربي القادمة.
وبالإضافة إلى ذلك، تتطلب الأزمة الايكولوجية حلولاً عالمية وعدالة اجتماعية في جميع انحاء العالم. لقد ذكّر المشاركون في قمة الأمازون في بيليم البرازيلية، بحق، الدول الصناعية الغنية بالتزامها بتخصيص 100 مليار دولار سنوياً لبلدان جنوب العالم لغرض حماية المناخ.
إن تعبئة الوسائل اللازمة لحماية المناخ لا يمكن تحقيقها بالاستعانة بالأدوات الكينزية بمفردها، بل إنها تتطلب تدخلات بنيوية وإعادة توزيع أساسية للموارد المجتمعية من التسلح إلى الايكولوجيا، ومن شمال العالم إلى جنوبه، ومن رأس المال الخاص إلى المجتمع.
يتطلب التحول الايكولوجي تخطيطا اقتصاديا كليا. وهنا يجب تحديد المصالح التي ستحظى بالأولوية. وهذا يعني صراعا اجتماعيا. ولهذا السبب فإن توسيع نطاق الديمقراطية لتشمل الاقتصاد أمر ضروري. تتضمن الديمقراطية الاقتصادية قضية الملكية في الشركات، على المستويين الوطني والأوروبي. ان الشركات التي تخدم المصلحة العامة مثل صناعة الأدوية، وتوفير مياه الشرب، وإنتاج وتوفير الطاقة، والنقل العام والوسائل الرقمية (مثل فيسبوك وتويتر) يجب أن تتحول إلى سلع مجتمعية عامة.
إن إعادة الهيكلة الايكولوجية تتطلب حوارا بين كافة القوى ذات النوايا الحسنة ومنافسة مفتوحة على الهيمنة. يروج اليسار لبرنامج ايكولوجي، على النقيض من الصفقة الخضراء التي أقرتها المفوضية الأوروبية ومعظم الأحزاب الخضراء، لا يَعِد بالتوفيق بين الرأسمالية والايكولوجيا، بل يهدف إلى تجاوز الرأسمالية. وهذا يعني استبدال نموذج النمو الرأسمالي باقتصاد يتمحور حول رعاية الناس وخلق مجتمع من أجل الصالح العام من خلال تجاوز الرأسمالية والنظام الأبوي.

“انتصارنا يعني السلام”
إن الصيغة الشائعة التي تعتبر أن السلام هو الهم الأعظم بالنسبة لليسار أصبحت الآن موضع اختبار بسبب الحرب في أوكرانيا.
أدان حزب اليسار الأوربي عدوان الاتحاد الروسي منذ اليوم الأول ودعا إلى حل سياسي للصراع الأساسي. وجرى حول هذه المسألة نقاش مثير للجدل. إن إحدى المناقشات المتعلقة بشرعية توفير “الأسلحة الدفاعية”، عفا عليها الزمن، لأن ذخائر اليورانيوم، والقنابل العنقودية، وطائرات اف-16، وصواريخ كروز لم تعد أسلحة دفاعية. بتوفيرها لهذه الأسلحة، أثبتت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أنهما مشاركان في الحرب وفق أجندتهما الخاصة. وهذا يطرح السؤال الأساسي حول موقف اليسار ليس فقط في روسيا من الأهداف الإمبريالية، بل أيضًا في الغرب، ويضع معيارًا جديدًا لإمكانيات المشاركة في حكومات دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية.
هناك وهم في الغرب بشأن القدرة على شن الحرب، والسير قدما في تعزيز التحول الاجتماعي والأيكولوجي. لكن تكاليف الحرب وحدها، والتي بلغت 150 مليار يورو حتى الآن، والتي سدد دافعو الضرائب في الاتحاد الأوروبي قرابة نصفها، تظهر العكس. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الحرب في انبعاث 120 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام واحد، أي ما يعادل الانبعاثات السنوية لدولة صناعية متوسطة الحجم مثل بلجيكا. وبالتالي فإن الإنهاء السريع للحرب يعد أيضًا ضروري لسياسة المناخ. في الوقت الذي تسعى فيه الأطراف المتحاربة إلى حسم الصراع في ميدان المعركة، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يدعم مبادرات سياسة السلام التي طرحها البابا، وجمهورية الصين الشعبية، والرئيس البرازيلي، ورؤساء الدول الأفريقية الستة.
أن “الحكمة” السياسية في الغرب تنحصر في توفير المزيد والمزيد من المعدات الحربية، تشكل مأساة للشعب الأوكراني وأوروبا. واستمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى دفع أوروبا إلى موقف لا رابح فيه: فإذا انتصرت روسيا، ستكون قيادتها أكثر جرأة للقيام بالمزيد من المغامرات في إطار إمبرياليتها القاسية والانتقامية؛ وإذا انتصرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فسيكونان قد حققا أحد أهدافهما الاستراتيجية في إطار مواجهتهما الجيوسياسية مع الصين.
وعليه فإن التوصل إلى إسكات الأسلحة عبر مفاوضات سياسية يصب في المصلحة الأوروبية، بل وقد يشكل خطوة أولى نحو إنشاء نظام أمني أوروبي جديد يحل محل النظام الذي دمره توسع حلف شمال الأطلسي والنزعة الانتقامية الروسية. وعلى اليسار عدم التماهي مع الظروف السائدة.
إن الطريق للوصول إلى هناك، يبدو طويلا وصعبا. ولا يزال من الممكن اتخاذ خطوات منفردة على طريق الانفراج العسكري، مثل العودة إلى المعاهدة المبرمة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في عام 1987 بشأن سحب الأسلحة النووية متوسطة المدى من أوروبا. وليس هناك أكثر وضوحًا من سباق التسلح النووي الوشيك بين القوى الكبرى على الأراضي الأوروبية، ودول الاتحاد الأوروبي ليست مستقلة في اتخاذ القرارات المتعلقة بأمنها.
في عام 2016، أعلن المجلس الأوروبي الحكم الذاتي الاستراتيجي لأوروبا هدفا له، وفي الوقت نفسه، أفرغ هذا الإعلان من محتواه، عندما ربط السياسة الأمنية الأوروبية بحلف شمال الأطلسي. وبخضوع الاتحاد الأوروبي للمسار الجيوسياسي المحفوف بالمخاطر لإدارة بايدن، فقد تم دفن فكرة تحديد المصالح الأوروبية ومتابعتها بشكل مستقل الآن. ومثلما لا مصلحة للشعوب الأوروبية في مواصلة الحرب في أوكرانيا، كذلك لا مصلحة لها في الانجرار إلى المواجهة بين الولايات المتحدة والصين. والعكس هو الصحيح: إذا كان الأوروبيون راغبين في تحديد سياستهم الأمنية، فيتعين عليهم فصلها عن حلف شمال الأطلسي.
ولا يستطيع اليسار أن يتبنى ببساطة شعار الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا، ولكي يكون الشعار منطقياً فلابد من ربطه بأجندة الاتحاد الأوروبي للسلام ونزع السلاح. ومن ملامح الاستقلال الاستراتيجي الجاد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية، والتي ستصبح ملزمة بموجب القانون الدولي في عام 2021. وبالتالي فإن سحب الأسلحة النووية الأميركية من أوروبا سيكون الخطوة المنطقية التالية على طريق هدف إخلاء أوروبا من الأسلحة النووية.

ملابس الفاشية الجديدة
إن التشاؤم الناجم عن الأزمات ليس هو المناخ الذي يزدهر فيه اليسار، بل إنه يدفع إلى التكيف مع الأمن والحماية في إطار المؤسسات القائمة. وكان هذا واضحاً في انتخابات السنوات الأخيرة، التي لم تكن إيجابية بالنسبة لليسار، باستثناءات (بلجيكا وأيرلندا وفرنسا والنمسا).
يبحث العديد من الأفراد الذين فقدوا الثقة في المؤسسات القائمة عن الحماية والأمن في الأحزاب اليمينية القومية والفاشية الجديدة. وإذا صحت التوقعات، فسوف يستمر اليمين المتطرف في توسيع نفوذه استناداً إلى مواقف الحكومات وزيادة عدد مقاعده في البرلمان الأوروبي.
لقد كان يُنظر إلى الأحزاب اليمينية القومية على أنها من بقايا الماضي أو استثناءً يخص بلدان أوروبا الشرقية.
في عام 2000، شكل حزب الشعب النمساوي (يميني محافظ) وحزب الحرية النمساوي (يميني متطرف) حكومة في النمسا، خضعت لعقوبات الاتحاد الأوروبي. لقد انهار الجدار الواقي، وتم تجاوز المحظور. وبلا شعور بالخجل، تتبنى الأحزاب المحافظة شعارات يمينية متطرفة وتشكل حكومات مع أحزاب يمينية متطرفة. وحتى وسائل الإعلام الليبرالية أصبحت الآن معجبة برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني (فاشية جديدة) وتشهد على قدرتها على التعلم والبراغماتية.
لم يصل اليمين المتطرف إلى عتبة السلطة، لولا تمتعه بالدعم المالي والإعلامي من قبل المجموعات المؤثرة في المؤسسة الرأسمالية. ويُظهِر دمج هذه الأحزاب في الحياة السياسية الطبيعية من قِبَل الأحزاب المحافظة، أن الأمر لا يتعلق فقط بثورة ثقافية يمينية جديدة، بل يتعلق بأشكال حكم استبدادية في التعامل مع الأزمات المجتمعية.
إن التحذير الذي أطلقه الماركسي والسياسي النمساوي أوتو باور، الذي كتب في عام 1936 أن “الاشتراكية الإصلاحية” لعبت دوراً في انتصار الفاشية ايضا، لأنها بدت للجماهير “كحزب نظام، وكمشارك ومستفيد من تلك الديمقراطية البرجوازية العاجزة عن حمايتهم من الفقر الذي سببته الأزمة الاقتصادية”، ان هذا يستحق اليوم الاهتمام أيضا.
وعلى اليسار ألا يتماهى مع الظروف السائدة. صحيح أنه يناضل في البرلمانات وأحيانا في الحكومات من أجل القيم الليبرالية ومن أجل توسيع الديمقراطية وحماية الأقليات وحقوق المرأة وحقوق الإنسان والتضامن العامي. ويحدث هذا في كثير من الأحيان في سياق مواجهة الأحزاب الاستبدادية المتزايدة في المؤسسة الليبرالية. لكن الديمقراطية السياسية لا تأتي بعد الديمقراطية الاجتماعية ولاقتصادية. وعلى عكس الليبراليين، لا يحصر اليسار النضال ضد اليمين المتطرف في مجال الثقافة والقيم السياسية. ويمكن هزيمته في الصراع الاجتماعي وفي النضال من أجل السلام، حيث يمكن أن ينمو التضامن على أساس المصالح المادية. وحقيقة أن العديد من الليبراليين (حتى في شكلهم الأخضر) واليسار في صراع، لا تقل صحة عن حقيقة مفادها أن عليهم تشكيل تحالفات مشتركة ضد اليمين المتطرف.
لم يصل اليسار بعد إلى مستوى المهمة. وفي العديد من البلدان منقسم سياسيا. ولا يمكن التغلب على الخلافات الاستراتيجية الأساسية في وقت قصير؛ الا ان هذه الخلافات تعيق العمل المشترك.
يمتلك حزب اليسار الاوربي إمكانية خاصة. باعتباره حزب أوربا لليسار الجذري، بإمكانه تنظيم حملة انتخابية على صعيد القارة، واشراك مرشح رئيسي في السباق الانتخابي. وفي اجتماعه العام في حزيران، قرر الحزب تقاسم هذه الفرصة مع قوى يسارية أخرى. وفي “دعوة للوحدة” اقترح حزب اليسار الأوربي أن تجري أحزاب اليسار حوارا حول حملة انتخابية مشتركة واختيار الشخصية الأنسب لقيادتها. وكأساس لهذا الحوار، سيطرح الحزب برنامجه الانتخابي للمناقشة.
صحيح أن اليسار يعيش في جدل الخطاب السياسي. ولكن في مواجهة الحرب والخطر الذي يشكله اليمين المتطرف، تعد الانقسامات والتقاطعات ترف لا يمكننا تحمله. اما إذا عملنا بشكل موحد، فيمكننا أن نحدث الفارق، ونحقق المرجو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- د. فالتر باير، اقتصادي، الرئيس الأسبق للحزب الشيوعي النمساوي (1994 – 2006)، الرئيس الحالي لحزب اليسار، ورئيس شبكة “تحول” للبحوث التابعة لحزب اليسار الأوربي لسنوات طويلة. والترجمة لمقالته المنشورة في 9 أيلول 2023 في موقع مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية.