العودة الى سياسة المراسيم غير الديمقراطية/ فرنسا..كتل اليسار تتجه الى المحكمة الدستورية


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 5616 - 2017 / 8 / 21 - 23:04
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     


لم تنجح دعوات الحزب الشيوعي الفرنسي الى جمع قوى اليسار لخوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة في قائمة واحدة. واصطدمت قراءة الشيوعيين الواقعية لتوازن القوى في الساحة السياسية، برغبة جان لوك ميلينشون في احتواء قوى اليسار في اطار حركته"فرنسا الابية" من جهة، ومن جهة اخرى بتردد الجناح اليساري في الحزب الإشتراكي في التمرد على يمين الحزب، وبالحزبية الضيقة القائمة على امجاد اثبت الواقع انها موجودة في الأذهان فقط.
ويبدو ان مجريات الصراع في البرلمان الجديد فرضت على قوى اليسار منطق العمل المشترك. فهم يريدون اليوم ايقاف عربة الليبرالية الجديدة، والحد من جموح رئيس الجمهورية الجديد. وفي هذا السياق تتوجه كتلة حركة "فرنسا الأبية"، وكتلة الحزب الشيوعي، وكتلة الحزب الإشتراكي التي تطلق على نفسها الآن استحياءً "اليسار الجديد"، الى المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية)، لغرض تبيان مدى شرعية الآليات التي يعتمدها الرئيس ماكرون في تمرير حزمة اصلاح قوانين العمل الجديد، وهي الأشد قسوة من سابقتها، بواسطة تفويض حصل عليه الرئيس من الاكثرية اليمينية في السلطة التشريعية يتيح له تمرير هذه الحزمة بواسطة المراسيم الرئاسية، استنادا الى مادة هي الأكثر رجعية في الدستور الفرنسي، كما فعل سلفه الاشتراكي هولاند.
وترى كتل اليسار المعترضة ان صياغة التفويض البرلماني "لم تكن دقيقة"، فضلا عن ان ما جاء في مشروع "الإصلاح" بشأن تعويض العمال المفصولين قسرا غامض وقابل للتأويل. وبالإضافة إلى ذلك، تشير المذكرة في تناولها للاسباب الموجبة للاعتراض الى أن نص "قانون التمكين" والطريقة التي مرر بها في البرلمان، بحجة ضغط عامل الزمن، ودون مناقشة كافية، يتنافى مع العديد من المبادئ والحقوق الدستورية. وان العودة الى استخدم المراسيم الرئاسية يضعف الدور المركزي للبرلمان، خاصة مع عدم توفر الشروط الدستورية بالشكل الوارد في المادة 38 من الدستور، بشأن الدقة في تحديد اختصاصات المراسيم الرئاسية. وجاء في مذكرة المعترضين: " ان الصياغة الغامضة لقانون التفويض، توفر للحكومة فضاء واسعا لتغيير قانون العمل وفق رغباتها، ودون ضمانات للعاملين". وشدد رؤساء الكتل الثلاث على ان توجههم المشترك يمثل الإمكانية الوحيدة للمعارضة اليسارية في الاستعانة بالمحكمة الدستورية.
ويتطلب تقديم الاعتراض امام المحكمة الدستورية تواقيع 60 نائبا في البرلمان او في مجلس الشيوخ. وهذا امر متحقق، فعدد اعضاء كتلة "فرنسا الأبية" يبلغ 17 نائباً، وعدد نواب كتلة الحزب الشيوعي 16 نائبا، فيما بقي للحزب الاشتراكي بعد هزيمته القاسية 31 نائبا فقط، وهناك نائبان من كورسيكا أيدا الكتل اليسارية.
ويتألف المجلس الدستوري من تسعة أعضاء، يعين كل من رئيس الجمهورية، ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ ثلاثة منهم. ويتاح شهر للمجلس لاتخاذ قراره بشأن الاعتراض المقدم اليه. ويرى خبراء في القانون ان فرصة المذكرة ضئيلة لوقف المشروع الحكومي. ومن جانبه اعلن رئيس الوزراء ادوار فيليب انه سيقدم نصوص المرسوم الخاص بقانون اصلاح العمل الى الشركاء الاجتماعيين (النقابات والحركات الاجتماعية) فى 31 آب الحالي.
وترى المعارضةاليسارية في البرلمان وخارجه،والنقابات العمالية، ان النضال المؤثر ضد خطط"الاصلاح" المجحفة ستكون في المصانع والشوارع. ويقول النائب الشيوعي بيار داريفيل: ان "هذا الاصلاح اكثر تدميرا من الاصلاحات التي قام بها الرئيس هولاند ووزيرة عمله ميريام الكمري". واضاف " سوف يجري تمرير قوانين العمل على حساب العاملين، ولصالح تحقيق الربح لاصحاب الأسهم فقط. وستطلق العودة الى سياسة المراسيم يد الرئيس ماكرون في البدء بهجوم واسع معادٍ للحقوق الاجتماعية والديمقراطية".