ردا على بيان الحكومة الألمانية بشأن الأزمة الأوكرانية/ حزب اليسار الألماني.. رؤية واقعية ومتوازنة لطبيعة الصراع


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 4401 - 2014 / 3 / 22 - 23:22
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

غريغور غيزي
ترجمة: رشيد غويلب
ردا على بيان الحكومة الألمانية الذي قدمته المستشارة انغلا ميركل قدم رئيس كتلة حزب اليسار في البرلمان الاتحادي غريغور غيزي قراءة الحزب الذي يقود المعارضة في الدورة البرلمانية الحالية،للازمة والبدائل التي يمكن اعتمادها لحلها، ولأهمية الكلمة، ولتناوله الصراع الجاري بين روسيا والبلدان الغربية في مجالات النفوذ والمصالح برؤية واقعية ومرنة ومتوازنة ، نقدم لقرائنا الاعزاء ترجمة نص الكلمة المنشور على موقع الزعيم اليساري:

السيد الرئيس، سيداتي وسادتي،
يريد بوتين حل مجمل الازمة في اوكرنيا عسكريا. ولم يستوعب بعد ان مشاكل الانسانية لا تحل بالجنود والبنادق، والعكس صحيح. ومشاكل روسيا لا تحل أيضا بهذه الطريقة. ان تفكيره وممارسته خاطئان، ونحن ندينهما بوضوح .
ولكنها ذات الذهنية التي كانت سابقا في الغرب: في يوغسلافيا وافغانستان والعراق وليبيا. وفي هذه المرة حلت المصالح المتضادة بين الولايات المتحدة وروسيا بديلا للصراع بين الانظمة. انتهت الحرب الباردة، ولكن تعارض المصالح المتضادة يمكن ان يقود الى اجواء مماثلة. الولايات المتحدة الامريكية تريد توسيع نفوذها، والدفاع عما هو قائم، وروسيا تريد المزيد من النفوذ والدفاع عن المتحقق، وبالنسبة لروسيا يمكن الاشارة الى جورجيا، سوريا، اوكرانيا.
وحتى عندما يدين المرء ممارسات بوتين، يجب عليه النظر الى الكيفية التي جرى فيها الصراع وتصاعد. وانا اقول لكم بوضوح: ان كل الاخطاء التي كان ممكنا ان يقوم بها الناتو والاتحاد الاوربي، قاما بها فعلا.

وسأبدأ مع غرباشوف في عام 1990 . لقد اقترح البيت الاوربي المشترك،وحل الناتو ومعاهدة وارشو، واعتماد مشروع «الامن المشترك» مع روسيا. ولكن الناتو رفض ذلك ، وقال: نعم لحل معاهدة وارشو، ولكن الناتو يجب ان يبقى. وتحول الناتو من حلف للدفاع الى حلف للتدخل.
الخطأ الثاني: واثناء قيام الوحدة الألمانية، تعهد وزير الخارجية الامريكي، ووزير خارجيتنا الاسبق ديترش غنشر، ووزراء خارجية آخرون، تعهدوا لغرباشوف، بعدم توسع الناتو شرقا. وقد تم نقض هذا التعهد، واليوم هناك توسع مستمر للناتو باتجاه روسيا.
ووصف وزير الدفاع الامريكي روبرت غيت العجالة بضم بلدان اوربا الشرقية الى الناتو، بالخطأ الكبير، ودعوة اوكرانيا الى الانضمام الى الناتو بـ الاستفزاز الصعب. وهذا ليس كلامي وانما تصريح لوزير الدفاع الامريكي الاسبق.
وبعدها جاء الخطأ الثالث:نصب الصواريخ في بولندا وتيشيكا. هنا قالت الحكومة الروسية ان هذا يهدد أمننا ونحن لا نرغب بذلك. ولكن الغرب اهمل الموقف الروسي وقام بنصب الصواريخ.
وفي هذه الاثناء قام الناتو في يوغسلافيا بخرق القانون الدولي مرات عديدة. وهذا ما اعترف به المستشار الالماني السابق شرودر. لم تقم صربيا بمهاجمة بلد آخر ولم يكن هناك قرار من مجلس الامن. وجرى القصف بمشاركة المانية للمرة الاولى منذ عام 1945 . وسمح لسكان كوسفو بالانفصال عن صربيا عبر استقتاء عام. لقد انتقدت بشدة حينها خرق القانون الدولي وقلت لكم: انكم تفتحون في الكوسوفو دوامة، فاذا سمح لهذا في الكوسووفو، يجب ان تسمحوا به في مناطق اخرى. وعنفتموني وقتذاك. ولم تأخذوا الامر بجدية، لانكم اعتقدتم، انكم ستصبحون المنتصرين في الحرب الباردة. وان كل المعايير السابقة لم تعد بالنسبة لكم نافذه. واقول لكم: لماذا لا يسمح باجراء استفتاء بشان قضية اقليم الباسك؟ حول بقاء الاقليم جزء من اسبانيا،اولا؟
وفي القضية الكتلونية لماذا لا يسمح باجراء استفتاء حول بقائها جزءا من اسبانيا؟ او لا. ومن الطبيعي ان يطرح هذا السؤال الآن سكان القرم. وبواسطة خرق القانون الدولي، يستطيع المرء بواسطة المعتاد انشاء قانون دولي جديد، وهذا ما تعلمونه جيدا. واصر على قناعني بان انفصال القرم يتعارض مع القانون الدولي، بالضبط كما كان انفصال الكوسوفو يتعارض ايضا مع القانون الدولي.
وكنت اعلم ان بوتين سيستند على مثال الكوسوفو وقد فعلها، والآن تقول السيدة المستشارة: ان الوضع مختلف تماما. - يمكن ان يكون كذلك، ولكن خرق القانون الدولي هوخرق للقانون الدولي.
وصرح السيد شتروك (وزير دفاع الماني سابق- المترجم) سابقا: يجب على المانيا ان تدافع عن امنها في منطقة الهندوكوش في افغانستان. والأن يصرح السيد بوتين: يجب على روسيا الدفاع عن امنها في القرم.ولم يكن لالمانيا في الهندوكوش اسطول بحري وكانت بعيدة عنها جدا. وعلى الرغم من ذلك اقول ان كلا التصريحين كانا وسيبقيان خطأ.
ولكن يبقى الآتي: عندما يتهم الكثيرون الذين خرقوا القانون الدولي روسيا بخرق القانون، سيفقد هذا الاتهام تأثيره ومصداقيته. وهذه هي الحقيقة التي تواجهنا.
وتحدث اوباما بالضبط على شاكلتك ، سيادة المستشاره، عن السيادة والحفاظ على وحدة الدول، ولكن هذين المبدأين جرى خرقهما في صربيا، في العراق، وفي ليبيا. الغرب يعتقد ان بامكانه خرق القانون الدولي، لان الحرب الباردة قد انتهت. لقد اهملتم المصالح الروسية والصينية بشكل فاضح. ولم تأخذوا روسيا في عهد يلسين، الذي كان في الغالب مخمورا، بجدية. ولكن الوضع قد تغير. وبشكل متاخر جدا تعودون الان الى الاستناد الى مبدأ القانون الدولي، الذي كان سائدا خلال الحرب الباردة، وانا أؤيد جدا ان يعود العمل به- على ان يلتزم به الجميع، اما عكس ذلك فلا يجوز.
وكانت هناك عمليات شد وجذب بين الاتحاد الاوربي وروسيا في اوكرانيا. الطرفان فكرا وتعاملا بنفس الطريقة. وقال رئيس المفوضية الاوربية بورسو: «اما اتفاق ضريبي مع روسيا، او معاهدة شراكة معنا! لم يقل «ألإثنان»، بل: اما- او!. وقال بوتين اما اتفاقية شراكة مع الاتحاد الاوربي او معنا»! الجانبان طرح بديلا، وفكرا وتعاملا بنفس المستوى. وكان هذا هو الخطأ المدمر للجانبين.
ولم يحاول اي وزير خارجية اوربي ان يتحدث مع الحكومة الروسية ، وأخذ مصالح امن روسيا المشروعة بنظر الاعتبار. وهذا ما جعل روسيا تعتقد ان هناك المزيدا من العلاقات الوثيقة بين الاتحاد الاوربي والناتو واوكرانيا. وأخذت تشعر دوما بأنها محاصرة. لقد وضع وزراء الاتحاد الاوربي والناتو تاريخ روسيا واوكرانيا جانبا. ولم بستوعبوا اهمية القرم بالنسبة الى روسيا. وان المجتمع الاوكراني منقسم بعمق، ولم يتم اخذ ذلك بنظر الاعتبار. وظهر هذا الانقسام العميق خلال الحرب العالمية الثانية، ويظهر اليوم ايضا. شرق اوكرانيا يميل الى روسيا. وغرب اوكرانيا يميل الى غرب اوربا. ولا توجد في الوقت الحاضر شخصية في اوكرانيا تستطيع تمثيل قسمي المجتمع. وهذه هي الحقيقة المحزنة. وهناك المجلس الاوربي ومنظمة الامن والتعاون المشترك في اوربا اللذان اهملا في الاونة الاخيرة من قبل السيدة المستشارة و السيد وزير الخارجية. وجرى تقليص التمويل لهذه المنظمات، لانكم تعتقدون بانها غير مهمة، ولكن هاتين المنظمتين هما الوحيدتان اللتان تضمان روسيا واوكرانيا معا. ولهذا يجب علينا تعزيزهما ودعمهما ماليا ، ولا يجوز الحديث عن حماقة استبعاد روسيا: فهذا هو الخطأ بعينه.
وجاء التصعيد الشديد في الميدان، وشهدنا قناصين وسقوط قتلى. وهناك الكثير من الشائعات. وفي مثل هذه الاوضاع تكثر الاكاذيب. ولهذا نفترح تشكيل لجنة عالمية لتقصي الحقائق. فلنا الحق وقبلنا الاكورانين في معرفة ما حدث هناك ومن بتحمل المسؤولية. ويسعدني دعم السيدة المستشارة لهذا المقترح.
لقد كان في الميدان الكثير من القوى الديمقراطية، ولكن كان هناك فاشيون ايضا. والغرب تعامل مع ذلك بشكل مباشر وغير مباشر. بعد ذلك وقع وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولونيا اتفاقا بين يانوكوفيتش والمعارضة. والآن يقول السيد شتاينماير ان يانوكوفيتش بهروبه قد اسقط الاتفاق وهذا خطأ، والحقيقة ان الناس في الميدان رفضوا بأكثريتهم الاتفاق.
وبعد الرفض غادر يانوكوفيتش كييف. ثم اجتمع البرلمان، وبحضور 72.28 في المائة، وقرر تنحيته، خلاف الدستور، الذي يشترط حضور 75 في المائة كحد ادنى في اتخاذ مثل هذه القرارات. وألان يقولون : طيب في حالة حدوث الثورة لا يستطيع المرء النظر للدستور بهذه الدقة. نسبة صغيرة اقل او اكثر ... يمكن للمرء ان يفعل هذا. ولكن بوتين يستند الآن الى ذلك ويقول: «لم تتوفر الاكثرية الدستورية المطلوبة للتنحية». و لهذا يعتمد على المراسلات التي يرسلها له يانوكوفيتش.
وما عدا ذلك خلال التصويت تواجد الكثير من المسلحين داخل القاعة. وهذه ممارسة غير ديمقراطية. وفي الاستفتاء الذي سيجري الأحد المقبل( جلسة البرلمان الالماني عقدت الخميس 13 .3 ) سيتواجد الكثير من الجنود المسلحين، وهذا لا علاقة له بالديمقراطية ايضا. ومن المثير للاهتمام قول السيدة المستشارة، ان استفتاء كهذا لا يجيزه الدستور الاوكراني. متى يصبح الدستور نافذ المفعول ومتى لا؟ عند تنحية الرئيس لا يطبق الدستور، وعند اجراء الاستفتاء في القرم، وفجأة يجب تطبيقه. وهنا يجب ان تعلنوا هل تقرون الدستور الاوكراني بالكامل، او تقرون فقط مواد محددة منه؟ فاذا كان ذلك مقبول لكم، فانا لا اعرف هذه الطريقة ولا احبها.
ثم شكلت حكومة جديد، وجرى الاعتراف الفوري بها من الرئيس اوباما، ومن الاتحاد الاوربي، ومن حكومة المانيا الاتحادية. سيده ميركل ! نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع ، ووزير الزراعة، ووزير البيئة، والمدعي العام في هذه الحكومة من الفاشيين. ورئيس الجمعية الوطنية كان عضوا مؤسسا في حزب الحرية الفاشي. الفاشيون يملكون مناصب هامة ويسيطرون على القطاع الامني. ولم يحدث ان ترك الفاشيون السلطة مرة طوعا بعد ان سيطرو على جزء منها. كان يجب على الحكومة الاتحادية ان تتوقف عند هذا الحد، على الاقل بسبب تجربتنا التاريخية.
وعندما شارك في الحكومة حيدر من حزب الحرية الفاشي في النمسا ، كان هناك تجميد للاتصالات وما شابه ذلك. ومع الفاشيين في اوكرانيا لا نفعل شيئا؟ يمتلك حزب الحرية الفاشي في اوكرانيا علاقات «بالحزب القومي الالماني» (ابرز احزاب النازية الجديدة في ألمانيا �-;- المترجم) واحزاب نازية اخرى في اوربا. ورئيس هذا حزب الحرية في اوكرانيا اولغ تايغنيبوك صرح بما نصه، ويجب عليكم سماع ما قال: «امتشقوا البنادق كافحوا صغار الخنازير الروس، والالمان، واليهود الخنازير والاعراق السيئة الاخرى»، (وأعاد غيزي الاقتباس مرة اخرى). وهناك اليوم مهاجمة لليهود وقوى اليسار، ولا تقولوا شيئا ضد ذلك؟ واود ان اقول لكم بوضوح. اجد ما يحدث يمثابة الفضيحة.
والآن تريدون اعلان عقوبات قاسية، اذا لم تكن هناك وسيلة اخرى كما تقولون. ولكنها سوف لا تؤثر على بوتين. وستزيد الأوضاع تصعيدا. وكان وزير الخارجية الاسبق هنري كيسنجر على حق عندما قال، العقوبات ليس تعبيرا عن وجود إستراتيجية، وانما عن غيابها. ونفس الشيء ينطبق على الطلعات الجوية على بولونيا وبلدان البلطيق. ما الهدف من وراء ذلك؟ وقمتم بحظر الحسابات المصرفية ليانوكوفيتش وانصاره، باعتبارها مالا عاما مسروقا، وسؤالي: الم تعلموا بذلك قبل الان ؟ والسؤال الثاني: لماذا حسابات هؤلاء؟ ماذا عن المليارات من ثروة الاولبغارشية التي تدعم القوى الاخرى؟ تسير الامور في الواقع بطريقة احادية الجانب.
ليس هناك سوى طريق الدبلوماسية؟
اولا: على الغرب الاعتراف بمصالح امن روسيا المشروعة في القرم، كما اعترف بها وزير الخارجية الاسبق هنرى كيسنجر. ويجب ايجاد وضع للقرم يمكن ان تقبله روسيا واوكرانيا ونحن ايضا. ويجب الالتزام امام روسيا بعدم ضم اوكرانيا لحلف الناتو.
ثانيا:النظر الى اوكرانيا باعتبارها جسرا بين الاتحاد الاوربي وروسيا.
ثالثا: يجب البدء في اوكرانيا بعملية للتفاهم والمصالحة بين الشرق والغرب، ربما عبر نظام فيدرالي، او كونفدرالي، وربما باعتماد رئيسين للجمهورية.
وما اتهم به الاتحاد الاوربي والناتو هو عدم البحث حتى اليوم عن، وايجاد علاقة مع روسيا. وهذا ما يجب ان بتغيير الآن بشكل اساسي. ولا وجود لامن في اوربا بدون او ضد روسيا، بل مع روسيا. وعندما يتم تجاوز الازمة في يوم ما، يمكن ان تكون الفائدة احترام القانون الدولي من قبل الجميع.
ــــــــــــــــــــــــ
* هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر حزب اليسار الالماني في الاحداث الجارية الان في اوكرانيا، والتطور الحاصل في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي بعد الاستفتاء الذي وافق فيه مواطنو الجمهورية بنسبة عالية على الانضمام الى روسيا الاتحادية.