أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - حين تعلم المكان أن يتهجى النور قصة قصيرة | الأدب الإنساني الروحي














المزيد.....

حين تعلم المكان أن يتهجى النور قصة قصيرة | الأدب الإنساني الروحي


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 16:45
المحور: الادب والفن
    


لم تكن كرمة بن سالم تظهر على الخرائط كما تظهر القرى الأخرى. من يبحث عنها بالمسافات يضل، ومن يقصدها بالقلب يصل. كانت أشبه بندبة من نور على جسد الأرض، أو بآية سقطت سهوا من السماء فاستقرت هناك، وبقيت تتلى بصمت.

في الصباحات الأولى، كان الصوت يسبق الضوء. ليس صوتا عاديا، بل نبرة رخية، تخرج من صدر مطمئن، تتسلل بين البيوت الطينية، وتوقظ في الجدران ذاكرة قديمة. كان القرآن يتلى، لا ليسمع، بل ليعيد ترتيب الأشياء: الهواء، والوقت، وقلوب الأطفال المتحلقين في حلقة صغيرة، بأعين أوسع من أعمارهم.

كان الشيخ حميد الغزواني يجلس بينهم كما يجلس الغصن في كف الشجرة. لا يعلو، ولا يتقدم، بل يفسح للنور أن يمر. إذا أخطأ طفل في حرف، لم يكن يصححه بلسانه فقط، بل بأنفاسه. كان يعرف أن الحروف لا تستقيم إلا إذا صلحت الطرق المؤدية إلى القلب. يقول لهم:
“اسمعوا الحرف قبل أن تنطقوه… فالقرآن يؤخذ بالإنصات قبل الحفظ.”

ولم يكن أحد يعلم، وهم يرددون خلفه، أن هذا الصوت نفسه كان يوما ما يجلس في حلقة أخرى، في مكان اسمه بني مرعاز. هناك، تحت سقف جامع يعرف معنى الصمت، كان السي عبد العالي الحمدوشي يزرع الحروف كما تزرع الأشجار: ببطء، وبصبر، وبمحبة لا تطلب مقابلا. لم يكن يخرج قراء فقط، بل كان يعد أوعية للنور. وكان حميد واحدا من أولئك الذين تعلموا أن القرآن ليس ما يحفظ، بل ما يحفظك.

قال له شيخه ذات مساء، وهو يناوله الكلمة كما تناول الأمانة:
“إذا حملت القرآن، فلا تجعله على لسانك وحده… اجعله طريقك.”
ومنذ ذلك اليوم، صار الطريق واضحا.

عاد حميد إلى كرمة بن سالم، لا عائدا، بل مرسلا. فتح زاوية صغيرة، لكنها اتسعت بالمعنى حتى صارت قرية بأكملها. الأطفال الذين دخلوا خائفين من الحروف، خرجوا مطمئنين إلى أسمائهم. تعلموا مخارج الأصوات، فاستقامت مخارج أرواحهم. وحين حان وقت المدرسة، كانوا يدخلونها وهم يحملون في صدورهم نظاما خفيا، لا يراه المعلمون، لكنه كان يحميهم من التشتت.

وكان هناك دائما رجل آخر، يقف في الخلف، لا يتقدم المشهد، لكنه يحفظ اتزانه: الحاج عبد الله الوكيلي. كان يعرف أن النور إذا لم يحرس خفت، وأن الزوايا لا تقوم على الأصوات العالية، بل على القلوب اليقظة. كان حضوره مثل الظل في الظهيرة: لا يرى، لكن غيابه يتعب المكان.

مرت الأعوام، وكبر الأطفال، وغادر بعضهم القرية. لكن شيئا منهم بقي. كلما ضاقت المدن، تذكروا ذلك الصوت الأول، وتلك الجلسة الدائرية، وذلك الحرف الذي تعلموه كما يتعلم الدعاء. كانوا يقولون لأنفسهم:
“هناك… في كرمة بن سالم… تركنا جزءا من قلوبنا.”

وهكذا، لم تعد القرية مجرد اسم. صارت سترا، وصارت ذاكرة، وصارت شاهدا على أن الأماكن، حين تسلم للقرآن، تتحول إلى كائنات حية.
أما النور، فظل يتنقل… من صدر إلى صدر… دون أن يضيع.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تعلم المكان أن يتهجى النور
- حين رقصت الأرض… واختلف العازفون
- “نجوت لأرى الفساد حيا”
- «الماء بريء… وأنا الغريق»
- حين يبصر القلب
- قصيدة نثرية: «حين يتكلم الحجر بلساني»
- سوق الدجاج في مولاي إدريس زرهون: مملكة الطائر السامي الذي لا ...
- «حين يختفي الساحر وتبقى القبعة: حكاية السياسة المغربية بين ا ...
- البنى التحتية وال«حلاوة» التنموية: قراءة سوسيولوجية في كهربا ...
- من ظلال التجربة إلى حكمة المسير: شهادة لمن يأتي بعدنا
- قصة تولد الآن في مولاي إدريس زرهون
- -مدينة الرحمة الإلكترونية: حين مات كلب وابتسمت الشاشات-
- أحجار في عيوننا: حين يشتعل الطين بين القرى
- مملكة المرايا المكسورة.. أو حين صار كل مغربي شناقا صغيرا
- “العلم الذي أجلس عليه الوطن”
- خبز مدعم بالورق... وأمة تطحن بالوعود!
- -جماعة وليلي – زرهون: إدارة تبحث عن موظفيها في برنامج «مختفو ...
- في بلاد المغرب... حيث تشتكي الأرض من أهلها والجن من قلة الفه ...
- حين يسائل الزمن ظله... وتذبل الخطب القديمة
- -أمة الأغبياء السعداء: حكاية تطور الغباء من خلل عصبي إلى أسل ...


المزيد.....




- بريجيت باردو .. فرنسا تفقد أيقونة سينمائية متفردة رغم الجدل ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، فماذا نعرف عنها؟ ...
- الجزيرة 360 تفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير بمهرجان في الس ...
- التعليم فوق الجميع.. خط الدفاع في مواجهة النزاعات وأزمة التم ...
- -ناشئة الشوق- للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التع ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية.. بريجيت باردو
- من جنيف إلى الرياض: السعودية ومؤسسة سيغ تطلقان مشروعًا فنيًا ...
- وفاة بريجيت باردو أيقونة السينما الفرنسية عن 91 عاما
- تضارب الروايات بشأن الضربات الأميركية في نيجيريا


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - حين تعلم المكان أن يتهجى النور قصة قصيرة | الأدب الإنساني الروحي