أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - وهم نزع السلاح في العراق (1/2)














المزيد.....

وهم نزع السلاح في العراق (1/2)


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 12:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ أشهر، يتردّد في الخطاب السياسي والإعلامي حديثٌ متصاعد عن “نزع سلاح الفصائل” في العراق، حتى بات يُقدَّم للرأي العام بوصفه قرارًا منتهيًا أو مسارًا لا رجعة فيه. تصريحات أمريكية مطمئنة، ومواقف حكومية عراقية حذرة، وتحليلات تلفزيونية توحي بأن الملف دخل مرحلته الأخيرة، وأن الفصائل باتت مستعدة للتنازل عن سلاحها تحت ضغط الواقع الإقليمي والدولي. غير أن هذا التصوير، عند إخضاعه للفحص السياسي الجاد، يبدو أقرب إلى وهم لغوي وإعلامي منه إلى حقيقة سيادية مكتملة الأركان.
الإشكال الأول في هذا الخطاب يكمن في الخلط المتعمّد أو الساذج بين مفاهيم مختلفة: القرار، والمحاولة، والتفاوض. فالقرار السيادي بنزع السلاح يفترض وجود دولة قادرة على الإكراه، وعلى فرض احتكار العنف المشروع، وعلى تطبيق القرار دون الحاجة إلى موافقة القوى المسلحة نفسها. أما ما يجري في العراق، فهو أقرب إلى محاولات تفاوضية مفتوحة، لم تصل إلى خواتيم واضحة، ولم تُحسم بشروط ملزمة لأي طرف، بل تُدار ضمن توازنات هشّة تراعي حسابات داخلية وإقليمية متشابكة.
في هذا السياق، يُقدَّم الحديث عن نزع السلاح كأنه ثمرة تفاهم بين واشنطن وبغداد من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى. لكن القراءة الدقيقة لمسار الأحداث تُظهر أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع الملف بوصفه مسألة سيادة عراقية خالصة، بل كجزء من إدارة مخاطر أوسع: حماية قواتها، تقليص التهديدات المباشرة، وضبط إيقاع النفوذ الإيراني دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. أما الحكومة العراقية، فهي تجد نفسها بين مطرقة الضغوط الخارجية وسندان التوازنات الداخلية، فتتحدث بلغة “تنظيم السلاح” و“حصره بيد الدولة” أكثر مما تتحدث بلغة النزع الفعلي.
هنا بالضبط يتكوّن الوهم. إذ يجري تسويق التفاوض بوصفه إنجازًا، وتأجيل الحسم بوصفه حكمة، والغموض بوصفه تقدّمًا. ويُطلب من الرأي العام أن يصدّق أن الملف في طريقه إلى الإغلاق، بينما لا توجد حتى الآن إجابة واضحة عن الأسئلة الجوهرية: من يملك القرار؟ ومن يفرضه؟ وعلى أي أساس قانوني وسياسي؟
إن خطورة هذا الوهم لا تكمن فقط في تضليل القارئ أو المشاهد، بل في إعادة إنتاج الأزمة بصيغة أقل صخبًا. فحين يُقدَّم غياب الصدام بوصفه نجاحًا، تتحوّل الدولة من فاعل سيادي إلى وسيط بين قوى مسلحة، وتتحوّل السيادة من مفهوم دستوري إلى نتيجة تفاوضية مؤقتة. وفي هذه الحالة، لا يعود نزع السلاح هدفًا، بل يصبح إدارةً للصراع وتأجيلًا لانفجاره.
يضاف إلى ذلك أن الخطاب الرسمي يتجاهل عمدًا الطبيعة المركّبة للفصائل المسلحة. فهي ليست مجرد مجموعات تحمل السلاح، بل شبكات نفوذ سياسية واقتصادية وأمنية، لها امتدادات داخل مؤسسات الدولة نفسها، ولها حضور انتخابي واجتماعي وإعلامي. ومن هنا، فإن الحديث عن “نزع السلاح” دون التطرّق إلى هذه البنية هو حديث مبتور، يركّز على الأداة ويتجاهل الفاعل.
كما أن تقديم الملف بوصفه “منتهيًا” يخدم أطرافًا متعددة في آن واحد. فهو يريح واشنطن التي تستطيع القول إنها حققت تقدّمًا، ويمنح الحكومة العراقية هامشًا لالتقاط الأنفاس، ويتيح لبعض القوى السياسية الادعاء بأنها تسير نحو الدولة. لكن في المقابل، لا يُلزم الفصائل بشيء واضح أو نهائي، ويترك لها مساحة واسعة لإعادة التموضع، بانتظار تغيّر المعادلات الإقليمية أو الداخلية.
الأخطر من ذلك أن هذا الوهم يفرغ مفهوم الدولة من مضمونه. فالدولة التي لا تعلن قرارها صراحة، ولا تملك أدوات فرضه، ولا تحدد الجهة التي تحتكر السلاح، ليست دولة في طور الاستعادة، بل دولة في حالة تعليق دائم. تعليق القرار، تعليق السيادة، وتعليق المساءلة.
لهذا، فإن السؤال الحقيقي ليس: هل هناك نية لنزع السلاح؟
بل: هل هناك قدرة على فرضه؟
طالما بقي هذا السؤال بلا إجابة، سيظل كل حديث عن نزع السلاح مجرّد سردية سياسية تُستخدم لامتصاص الضغوط، لا مسارًا سياديًا مكتملًا. وسيبقى الملف مفتوحًا، مهما تكررت التصريحات عن تقدّم المفاوضات أو قرب الحسم.
وهنا نصل إلى جوهر الإشكال الذي لا يمكن القفز فوقه:
إذا لم يكن هناك قرار مُلزِم،
وإذا لم تكن الدولة قادرة على فرض احتكار القوة،
فمن يملك الإكراه في العراق؟
هذا السؤال هو ما سيتناوله الجزء الثاني.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صومالي لاند في سياق النفاق البنيوي للنظام الدولي
- أوروبا تحت الضغط: من فشل الاندماج إلى تشديد القوانين على الد ...
- العراق ..... حين يصبح السؤال عن الحاكم بلا جدوى
- حين يستعيد العقل مكانته: تفكيك سلطة النص ومسارات النقد الدين ...
- من علي الوردي إلى قيس الخزعلي: حين يهاجم الوهمُ علمَ الاجتما ...
- العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهب ...
- عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله ...
- العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...


المزيد.....




- زيارة غير متوقعة لزيلينسكي إلى كندا قبل لقاء ترامب.. إليكم م ...
- عام على القبض على عبد الرحمن يوسف القرضاوي: عام من التواطؤ و ...
- لبنان 2025.. انتخابات وحكومة جديدة وسط تحديات سلاح حزب الله ...
- رئيس الصومال يحذّر إسرائيل من نقل صراعاتها بالشرق الأوسط إلى ...
- مغردون يتساءلون: ما الرابط بين دعوة غزال وتحركات جنرالات الأ ...
- ذا هيل: هذه المبادرات بصيص نور في ليل السودان الحالك
- مأساة الطفل عطا وغرق الخيام بغزة مشاهد تتصدر المنصات
- روسيا تجدد رفضها لاستقلال تايوان وتنتقد -النزعة العسكرية- لل ...
- ماذا يمكن أن تكسب إسرائيل من الاعتراف بأرض الصومال؟
- بمشاركة الدبيبة.. ليبيا تشيع رئيس الأركان محمد الحداد ورفاقه ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - وهم نزع السلاح في العراق (1/2)