أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة














المزيد.....

الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشهد العراق اليوم واحدة من أغرب معاركه وأكثرها إثارة للسخرية والسخط معًا
معركة ليست ضد الفساد الذي ينهش الدولة، ولا ضد الفقر الذي يطحن الملايين، ولا ضد السلاح المنفلت الذي يحكم الشوارع…
بل معركة تُشنّ ضد أبسط حقوق الإنسان: الفرح
فمنذ سنوات، تتصاعد حملة ممنهجة يقودها رجال دين وجماعات اجتماعية تدور في فلكهم، تستهدف الموسيقى، والفن، والاحتفال، والابتسامة، واللحظة التي يحاول العراقي أن يختطفها من وسط الخراب
وتقدَّم هذه الحرب على أنها “حماية للأخلاق”، بينما حقيقتها أنها حماية لسلطة لا تستطيع البقاء في مجتمعٍ يعرف الفرح
الفقه الإسلامي قدّم قراءات مختلفة للموسيقى، بعضها يرفضها وبعضها يجيزها بشروط، لكن هذه التفسيرات لم تكن يومًا مشروع دولة، ولا برنامجًا لقمع المجتمع، ولا ذريعة لخنق حياة الناس
المشكلة ليست في النص الديني، بل في من استخدم النص ليحكم الناس بالتحريم والخوف، لا بالرحمة والعقل
وعلى المستوى الوصفي، يتّضح أن هذه الظاهرة لم تعد حوادث متفرّقة، بل نمطًا متكرّرًا ترسّخ في السنوات الأخيرة. اعتراضات كربلاء خلال بطولة غرب آسيا لكرة القدم، وضغوط إلغاء الفعاليات الفنية في البصرة وميسان والناصرية والنجف، وتهجّمات بغداد على الحفلات العامة، جميعها حلقات في سلسلة واحدة. وأبرز مثال هو حملة التهجّم التي رافقت حفل الفنان المصري محمد رمضان في بغداد؛ فالحفل أُقيم فعليًا وغنّى فيه، لكن ما بعد الحفل كشف عمق الأزمة. فقد تعرّض لحملة عنصرية شرسة وُصف خلالها بـ“الأسود المخنّث”، وهي لغة تكشف حجم العنف الرمزي الذي يُمارَس ضد الفن، وتكشف أيضًا عجز الدولة الكامل أمام خطاب تحريضي يتعارض مع أبسط مبادئ القانون وحقوق الإنسان
وفي مدينة السندباد الترفيهية، بلغ الأمر ذروته. فتهديدٌ مباشرٌ بالحرق بسبب حفلات موسيقية كان كافيًا لإلغاء كل الفعاليات. لا دولة، لا قانون، لا مساءلة. فقط تهديد يعلو فوق القانون، وسلطة ظلّ تفرض شروطها على الحياة العامة. وفي الجنوب، أُحرقت محال بيع الخمور، وأصبح الفرح فعلًا محفوفًا بالخطر، بينما يمرّ الفساد والمخدرات والجريمة مرورًا عابرًا من دون خطبة ولا احتجاج
إن الخوف من الموسيقى ليس خوفًا من “الحرام”، بل خوف من الحُرّية
الموسيقى تفتح نافذة لا يستطيع رجال الدين إغلاقها
الأغنية تكسر جدار الخوف الذي بُني على مدى عشرين عامًا
والفن يُعيد للإنسان إحساسه بذاته، ويعيد للمدينة معنى الحياة، وهذا وحده كافٍ لإزعاج كل سلطة تُبنى على الحزن والطاعة والحداد الدائم
لقد توسّع مفهوم “القداسة” حتى ابتلع العراق بأكمله. فإذا كانت كربلاء والنجف مدينتين مقدستين وفق المنظومة الدينية التقليدية، فإن الخطاب الحالي يسعى لجعل كل شبر من البلاد “منطقة حساسة”، وكل احتفال “تجاوزًا”، وكل تجمع شبابي “اعتداءً على القيم”. ولم تعد القداسة قيمة روحية، بل أداة سياسية لتجريم أي حياة لا تمرّ عبر البوابة الدينية
وما كان لهذه الحملة أن تتقدّم لولا وجود فئات اجتماعية تستسلم لهذا الخطاب. فهناك من يخشى الحرية لأنه لم يتعرّف عليها، وهناك من يكره الفرح لأنه فقد القدرة عليه، وهناك من يجد في التحريم راحة نفسية لأنه يعفيه من التفكير. وهؤلاء، مثل رجال الدين تمامًا، أصبحوا جزءًا من آلة إطفاء الحياة.
إن الحرب على الفرح ليست صدفة، بل جزء من مشروع لإعادة تشكيل الفضاء العام وفق نموذج يقوم على الخوف والرقابة والحزن.
بلد بلا موسيقى هو بلد يمكن السيطرة عليه بسهولة
بلد بلا ابتسامة هو بلد يمكن قيادته بالشعارات
بلد بلا فن هو بلد بلا مناعة ضد الظلام
لكن مهما بلغ التحريم، ومهما ارتفعت أصوات الوعظ، فإن ما لا يمكن مصادرته هو الحاجة العميقة للحياة.
قد يُهدَّد مسرح، وقد تُحرق مؤسسة، وقد يُمنع احتفال، لكنهم لا يستطيعون منع الناس من أن يسمعوا، ومن أن يغنّوا، ومن أن يضحكوا. لأن الموسيقى ليست عدوًا للإيمان، بل عدوًا للخوف. ولأن الفن لا يهزم الدين، بل يهزم القمع.
وفي النهاية، سيبقى الفرح هو المنتصر.
لأن الفرح — ببساطته — يهزم أعتى مشاريع الظلام



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...
- بين العشيرة والدولة: أزمة الهوية الوطنية في العراق المعاصر


المزيد.....




- إدارة ترامب تصنف الرئيس الفنزويلي مادورو كعضو في منظمة إرهاب ...
- الدوحة تحتفي بالموضة العربية..أبرز الإطلالات في حفل -فاشن تر ...
- أول تعليق من الكرملين على محادثات جنيف بشأن خطة ترامب للسلام ...
- وسط هدنة هشة.. غارات إسرائيلية تسقط ضحايا في غزة وتثير تساؤل ...
- مطابخ الطعام في غزة لا تزال تفتقر إلى المنتجات الأساسية برغم ...
- بوعلام صنصال: -سأعود إلى الجزائر و لو مرة-
- الامارات : أطول شخصية خيالية من مكعبات الليغو تدخل موسوعة -غ ...
- نيجيريا.. فرار 50 طالبا بمدرسة كاثوليكية من خاطفيهم وعودتهم ...
- خالد النبوي: كن مختلفا ولو بقيت وحيدا
- خطة -سلام- أميركية روسية ..ما الذي تبقى لأوكرانيا وأوروبا؟


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة