أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة














المزيد.....

اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 10:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشكل الاتفاق الأخير بين إسرائيل وحماس لحظة سياسية بالغة الحساسية في تاريخ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ يكشف عن مفارقة عميقة بين واقعية القوة وحدود العدالة. فبينما يُقدَّم الاتفاق كإنجاز إنساني ودبلوماسي، يظل في جوهره محاولة لإعادة إنتاج ميزان القوى القديم، متجاهلًا جذور الأزمة في الاحتلال والانقسام. هذا المقال يسعى إلى قراءة سياسية متوازنة تُبرز كيف تحوّل “السلام” إلى أداة مؤقتة لتجميد المأساة، لا لمعالجتها.
منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، شكّل الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة وقطر ومصر بين إسرائيل وحماس نقطة تحوّل رمزية في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. إذ نجح هذا الاتفاق، من الناحية الإنسانية، في تحقيق خطوة محدودة تمثلت في الإفراج عن عدد من المختطفين وتخفيف جزئي للحصار، إلا أنه يظل، في جوهره، اتفاقًا هشًا لا يرقى إلى مستوى الحل السياسي الدائم، بل يعيد إنتاج معادلة القوة التي حكمت المنطقة منذ عقود.
إن هذا الاتفاق، وإن تم تقديمه كإنجاز دبلوماسي، لا يمكن قراءته بمعزل عن المنظور الأميركي الذي صاغ “صفقة القرن” في عهد الرئيس دونالد ترامب. فالرؤية ذاتها لا تزال حاضرة: تحويل القضية الفلسطينية من مسألة تحرّر وحقوق سياسية إلى ملف أمني–اقتصادي يمكن احتواؤه بإجراءات مؤقتة. وهكذا جاءت البنود المتعلقة بـ“نزع سلاح حماس” و“تشكيل حكومة فلسطينية موحّدة دون مشاركة الحركة” لتكشف عن الطابع غير الواقعي لهذه المقاربة، إذ لا يمكن لحماس أن تسلّم أسلحتها في ظل موازين القوى الحالية.
وقد بدا هذا الموقف واضحًا بعد خروج عناصر الحركة من الأنفاق عقب وقف إطلاق النار، حيث يعتزم مقاتلوها إعادة فرض هيمنتهم على قطاع غزة. وخلال الأيام الأخيرة، تضاعفت عمليات الإعدام الميداني، ونشرت حماس عبر قنواتها شريطًا يُظهر ثمانية رجال أُعدموا برصاصة في مؤخرة الرأس. وبينما تحاول الحكومات في شرم الشيخ رسم مستقبل للقطاع من دون حماس، كانت الحركة المسلّحة تقدّم إجاباتها على طريقتها: غزة لها وحدها.
جميع قادة حماس يؤكدون أن قضية نزع السلاح لم تُطرح أصلًا. فقد صرّح وليد الكيلاني، مسؤول الإعلام في الحركة، قائلًا:
“حينما عُرضت علينا هذه الاتفاقية، كانت تحتوي على عشرين بندًا. المقاومة وافقت على البنود المتعلقة بالأسرى وإدارة القطاع، لكنها لم تجب على البنود الخاصة بالسلاح وغيرها من القضايا، وتم تأجيلها للمرحلة الثانية. نحن متفقون بالإجماع أن المقاومة مستمرة ما دام هناك احتلال.”
هذا الموقف يعبّر بوضوح عن رفض بنيوي لأي مقاربة تسعى لنزع سلاح الحركة، حتى لو كان الثمن استمرار الحصار والمعاناة الإنسانية في القطاع. فالإنسان، بالنسبة لمجموعات عقائدية مسلّحة، ليس قيمة في ذاته، بل وسيلة في معركة تُقدَّم فيها “التضحية” بوصفها شرط الوجود.
من ناحية أخرى، لم يتطرّق الاتفاق مطلقًا إلى قضية الضفة الغربية أو التوسع الاستيطاني الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين، إذ تُركت هذه القضايا الجوهرية إلى “حوار مستقبلي” غامض. وهذه المقاربة، مهما بدت واقعية، تتجاهل أن أي تسوية تُفرض بالقوة أو تُبنى على استبعاد طرف أساسي من المعادلة الفلسطينية لن تؤدي إلى استقرار دائم، بل إلى جولة جديدة من العنف المؤجل.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال البعد الأخلاقي للصراع. فهجوم حماس في السابع من أكتوبر، وما تخلله من عمليات قتل وخطف للمدنيين، شكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وأسهم في تشويه صورة القضية الفلسطينية على المستوى العالمي. لكن الرد الإسرائيلي جاء بدوره كارثيًا، إذ تحوّلت غزة إلى مساحة دمار شامل، وتحول العقاب الجماعي إلى أداة سياسية ممنهجة، ما جعل إسرائيل تفقد ما تبقّى من “الشرعية الأخلاقية” التي طالما ادّعتها.
هكذا يبدو الاتفاق الأخير أقرب إلى محاولة لتبييض نتائج حرب غير عادلة منه إلى خطوة نحو سلام مستدام. فالأزمة ليست في غياب الوساطات أو العواصم الراعية، بل في غياب رؤية واقعية عادلة تعترف بحقوق الطرفين وتعيد الاعتبار للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. فكل اتفاق يستبعد العدالة السياسية وحق تقرير المصير، مهما حظي بدعم القوى الكبرى، سيبقى مجرد هدنة مؤقتة.
وفي النهاية، فإن التفاهم الأخير، رغم نجاحه المحدود في تحرير المختطفين وفتح بعض المعابر الإنسانية، يبقى أسير الرؤية التي أرساها ترامب: رؤية “السلام مقابل الصمت”، حيث تُمنح الحقوق بقدر ما يُقدَّم من تنازلات. وفي ظل استمرار هذا المنطق، ستظل القضية الفلسطينية معلّقة بين واقعية سياسية عرجاء وعدالة مؤجلة، تنتظر فاعلًا دوليًا يمتلك الشجاعة لإعادة تعريف السلام، لا بوصفه غيابًا للعنف، بل حضورًا للإنصاف والكرامة الإنسانية
إن قراءة هذا الاتفاق لا تنفصل عن إدراك التحولات العميقة في منطق الصراع ذاته؛ فحين تُختزل العدالة في معادلات أمنية، ويتحوّل الإنسان إلى تفصيل في لعبة القوة، يصبح “السلام” مجرّد هدنة سياسية مؤقتة لا أكثر.
تبقى العدالة، مهما تأخرت، شرطًا وحيدًا لأي سلامٍ حقيقي يضمن الكرامة والحق معًا.
د. مالك الجبوري
باحث في علم الاجتماع السياسي



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...
- بين العشيرة والدولة: أزمة الهوية الوطنية في العراق المعاصر


المزيد.....




- أهمية قطر وكواليس علاقة أميرها مع ترامب.. نظرة فاحصة وماذا ي ...
- تحذير أممي من خطر الألغام على سكان غزة وواشنطن تقول إن حماس ...
- ألهمت حياة الملايين ... رحيل -ماما إيراسموس- صوفيا كورادي
- الشِّجارُ الطُّلابيُّ في الجامعةِ الأردنيّةِ.
- نتانياهو يعلن عزمه الترشح مجددا لرئاسة الوزراء في الانتخابات ...
- المغرب: متظاهرون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين من حركة -جيل زد ...
- سي إن إن: مباحثات سرية لترتيب لقاء بين ترامب وزعيم كوريا الش ...
- الشيباني ينوي زيارة الصين ويستعرض دبلوماسية سوريا الجديدة
- 5 أشياء ينبغي معرفتها عن حاكم مدغشقر الجديد
- تقاسم -الكعكة- مع روسيا.. لماذا تعزز واشنطن أسطولها من كاسحا ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة