أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير عبر الاقتراع















المزيد.....

العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير عبر الاقتراع


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 04:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهد العراق في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 دورة انتخابية جديدة بدت منذ لحظتها الأولى أقرب إلى إعادة إنتاج للنظام السياسي القائم منها إلى محاولة تغيير حقيقي. فعلى الرغم من الزخم الإعلامي الذي رافق التحضيرات، والحديث المتكرر عن الإصلاح والتجديد، فإن النتائج النهائية كشفت أن المشهد بقي أسيرًا لذات القوى التقليدية، بينما ظلّ الناخب في موقع المتفرّج الذي يتحرك بين الحاجة واليأس أكثر مما يتحرك بدافع الوعي السياسي. تكشف الحملات الانتخابية عن أزمة نخبوية عميقة تتجاوز مسألة القانون الانتخابي أو شكل الدوائر، فالمستوى الثقافي والعلمي والفكري لغالبية المرشحين بقي متواضعًا، بل هابطًا في كثير من الأحيان، حيث طغى الخطاب الشعبوي والوعود المستهلكة على أي رؤية سياسية أو اقتصادية جادة. وباستثناء قلّة محدودة، لم يقدم المرشحون برامج ملموسة أو مقاربات واقعية للتحديات التي يواجهها العراق في الاقتصاد والخدمات والطاقة والحوكمة والتعليم ومكافحة الفساد، وهكذا تحولت الانتخابات إلى ساحة لاختبار القدرة على الكلام أكثر من القدرة على العمل.
ولم تكن الدعاية الانتخابية أقل انكشافًا؛ إذ غطّت صور المرشحين الشوارع والساحات بطريقة فوضوية متداخلة وممزقة، بما يعكس خواءً رمزيًا يكاد يطغى على العملية السياسية برمتها. الابتسامات المصطنعة والشعارات المكررة مثل "خدمة المواطن" و"سنحارب الفساد" و"معكم من أجل التغيير" لم تحمل أي مضمون جديد، بل بدت امتدادًا ميكانيكيًا لدورات انتخابية سابقة لم تُحقق شيئًا مما وُعد به الناخبون. وتجلّت ظاهرة شراء الأصوات هذه المرة بصورة أكثر علنية من أي وقت مضى، فلم تعد الممارسات تجري في الخفاء، بل صارت تُوثَّق بالفيديو ويجري نشرها بفخر على وسائل التواصل الاجتماعي. مرشح يوزّع أجهزة تبريد، وآخر يقدّم سلالًا غذائية، وثالث يعلن "خدمة الناس" عبر منح مبالغ نقدية قبل يوم الاقتراع. لقد تحول المال السياسي إلى ممارسة اجتماعية طبيعية، وأصبح الناخب يُعامل بوصفه "زبونًا انتخابيًا" لا مواطنًا شريكًا في تقرير مصير بلده، بينما باتت هذه الأشكال من الفساد الانتخابي جزءًا من ثقافة سياسية ترسخت عبر الزمن.
أما نسبة المشاركة فقد شكّلت موضوعًا بحد ذاتها. إذ أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن المشاركة تجاوزت 55 في المئة، بينما تحدثت تقديرات إعلامية وحقوقية مستقلة عن نسبة أقرب إلى 41 في المئة. هذا التباين لا يعكس فقط اختلافًا في طرق القياس، بل يشير أيضًا إلى وجود كتلة واسعة من العراقيين غير الفاعلين في الحياة السياسية أو المقيمين خارج البلاد، ومع ذلك يُحتسبون ضمن السجل الانتخابي، مما يرفع النسبة الرسمية دون أن يعكس صورة المشاركة الواقعية في مراكز الاقتراع. وبذلك تبقى الأرقام الرسمية غير كافية لقياس الثقة الشعبية أو شرعية العملية الانتخابية بصورة دقيقة.
وفي سياق التيار الصدري، الذي أعلن رفضه للمشاركة ودعا إلى مقاطعة الانتخابات، فإن هذه الدعوة لم تكن شاملة ولا موحّدة داخل قواعده؛ فقد التزم جزء من الجمهور بالمقاطعة، بينما شارك آخرون في التصويت بدوافع خدمية أو قبلية أو اجتماعية. ورغم أن المقاطعة لم تُترجم إلى تأثير انتخابي مباشر أو إلى تغيير في موازين القوى، فإنها حملت دلالة رمزية تعكس انعدام الثقة الذي يشعر به جزء من الشارع الشيعي تجاه المنظومة السياسية القائمة، وإن لم تنتج بديلًا ملموسًا داخل البرلمان.
يمكن فهم نتائج الانتخابات وملامح الحكومة المقبلة من خلال تحليل بنية الإطار التنسيقي الذي يشكّل اليوم الثقل الأبرز داخل البيت السياسي الشيعي. فالإطار ليس كتلة واحدة متجانسة، بل هو تجمع لقوى مختلفة تتباين في أيديولوجياتها ومصالحها، لكنها تتفق في حماية موقعها داخل النظام السياسي. ويضم هذا التكتل ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وهو المكوّن الأكثر تنظيمًا وحضورًا في الدولة، إلى جانب منظمة بدر بقيادة هادي العامري التي تمثل القوة العسكرية–السياسية الأبرز داخل الإطار من خلال امتداداتها في الحشد الشعبي. كما يضم الإطار قوى منبثقة عن الفصائل الولائية مثل عصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي، وهي قوى تمتلك تأثيرًا سياسيًا وأمنيًا يفوق تمثيلها الانتخابي. وينضم إليه كذلك تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي، وهما يشكلان الجناح الأكثر اعتدالًا داخل التكتل، فضلًا عن عدد من النواب والشخصيات المستقلة القريبة منه. هذه التركيبة تجعل الإطار التنسيقي الطرف الأكثر قدرة على ترجيح رئيس الوزراء المقبل، لأن وزن كل مكوّن فيه لا يُقاس بعدد المقاعد فقط، بل بشبكة النفوذ والمؤسسات والأذرع العسكرية أو الإدارية التي يمتلكها. ومن هنا يمكن تفسير سبب بقاء محمد شياع السوداني المرشح الأقرب لولاية جديدة، فشخصيته التوافقية وعدم انخراطه في صراعات علنية داخل البيت الشيعي جعلا منه خيارًا مقبولًا لمعظم أطراف الإطار، ولا سيما أن بقاءه يضمن استمرار التوازنات الداخلية دون الدخول في مواجهة بين الكتل الكبرى.
أما النتائج العامة للانتخابات فقد أكدت استمرار ميزان القوة السياسي كما هو تقريبًا. فقد حلّ ائتلاف إعمار الوطن أولًا بنحو 85 إلى 90 مقعدًا، تلاه ائتلاف دولة القانون بحوالي 45 مقعدًا، ثم عاد التيار الصدري إلى المشهد عبر مرشحين غير مباشرين بنحو 35 إلى 40 مقعدًا، فيما حافظ التحالف السني على تمثيله التقليدي، وكذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني. وهذا التوزيع لا ينطوي على مفاجآت كبيرة، بل يمثل استمرارًا لتوازنات ما بعد 2003 التي تقوم على المحاصصة والتوافق لا على المنافسة السياسية الحقيقية.
إن قراءة انتخابات 2025 تكشف أن العملية السياسية في العراق أصبحت أشبه بدورة مغلقة تعيد إنتاج نفسها كل أربع سنوات، فالمرشح بلا مشروع، والناخب أسير الحاجة، والنظام السياسي غير قادر على تجديد أدواته. وما لم يتغيّر الوعي الانتخابي ويتحول المواطن من متلقٍّ للمنافع المؤقتة إلى فاعل سياسي يختار بناءً على برامج ومساءلة، فإن الانتخابات ستبقى مجرد آلية لشرعنة الوضع القائم لا وسيلة للتغيير. فالديمقراطية لا تُقاس بصناديق الاقتراع وحدها، بل بالعقل الذي يختار، والإرادة التي تدافع عن الاختيار، والبيئة التي تحترم نتيجته. وفي ظل غياب هذه الشروط، ستبقى نتائج الانتخابات—مهما تغيّرت وجوه الفائزين—مجرد طبعة جديدة لنظام لم يعد قادرًا على الخروج من أزمته البنيوية العميقة.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...
- بين العشيرة والدولة: أزمة الهوية الوطنية في العراق المعاصر


المزيد.....




- فرنسا تحيي الذكرى العاشرة لهجمات 13 نوفمبر في ظل خطر إرهابي ...
- - بي بي سي- تعتذر لترامب وتؤكد عدم وجود أساس قانوني لدعوى ال ...
- الجيش الأميركي يقدم خطة لترامب لضرب فنزويلا ويعلن عملية -الر ...
- غالبية أطفال غزة يُظهرون سلوكا عدوانيا بسبب الحرب
- كييف تتعرض لهجوم روسي -ضخم-
- أوكرانيا.. كييف تتعرض لهجوم -ضخم- وانفجارات بالمدينة
- يتحدى المسودة الأميركية.. روسيا تقترح مشروع قرار بشأن غزة
- واشنطن تحذر من -تبعات خطيرة- لعدم تبني خطة ترامب بشأن غزة
- بي بي سي تعتذر لترامب وترفض مطالبته بالتعويض
- زوجان بريطانيان يضربان عن الطعام احتجاجًا على استمرار احتجاز ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير عبر الاقتراع