أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات














المزيد.....

الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 00:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتجه أنظار العراقيين نحو انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2025 في ظلّ مشهد سياسي مأزوم لم تتغيّر ملامحه منذ أكثر من عقد. فالمفوضية تعلن استعدادها، والمرشحون يملأون الشوارع بصورهم المكرّرة، والأحزاب القديمة تتجدد بأسماء جديدة، بينما يبقى المواطن بين خيارين لا ثالث لهما: المشاركة بدافع الحاجة أو المقاطعة بدافع اليأس.
المشكلة في هذه الانتخابات ليست في الموعد ولا في النظام الانتخابي فقط، بل في النوعية الثقافية والعلمية والفكرية للمرشحين الذين يتقدّمون لتمثيل الشعب. غالبية المرشحين اليوم لا يمتلكون خبرة إدارية أو فكرية حقيقية، ولا مشروعًا تنمويًا أو اقتصاديًا واضحًا. إنهم نتاج بيئة ترى في السياسة بابًا للوجاهة والمكاسب لا وسيلة للإصلاح. بعضهم لم يقرأ كتابًا في حياته، لكنه يتقن فن الظهور على الملصقات وصناعة الشعارات الجوفاء التي لا معنى لها.
تجوب صورهم المدن والقرى في فوضى بصرية خانقة: ملصقات تتكدّس فوق بعضها، وابتسامات مصطنعة تحت عبارات محفوظة: “نخدمكم بكل إخلاص”، “العراق أولًا”، “معكم من أجل التغيير”. المفارقة أن هذه الصور تكشف أكثر مما تُخفي؛ فهي تُبرز أزمة وعي جماعي تخلط بين الشكل والمضمون، وبين الوجوه المكرّرة والخطاب الفارغ.
ليست هناك خطط واضحة أو برامج اقتصادية أو اجتماعية واقعية. فحين يُسأل المرشح عن رؤيته للبطالة أو الفساد أو التعليم، تكون الإجابة عامة، فضفاضة، سطحية: “سنحارب الفساد”، “سنوفر فرص عمل”، “سندعم الشباب”. شعارات تُقال كل أربع سنوات، وتُنسى في اليوم التالي لإعلان النتائج.
في المقابل، تظهر ظاهرة شراء الأصوات هذه المرة بشكل أكثر وقاحة وعلنية. فبدل أن تُدار تحت الطاولة كما في الدورات السابقة، أصبحت تُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي بفخر وبدون خجل. مرشح يوزّع مبردات هواء، وآخر يقدّم سلالًا غذائية، وثالث يعلن على صفحته أنه “يخدم أبناء منطقته” بتوزيع مبالغ نقدية. وهكذا يتحوّل الناخب من مواطن إلى “زبون سياسي”، يتم استقطابه لا ببرامج الإصلاح، بل بمروحة أو كيس رز.
إنها الانتخابات التي يُشترى فيها الفقر ويُباع الضمير، في مشهد يختزل عطب الدولة والمجتمع معًا.
الأدهى من ذلك أن هذه الممارسات لم تعد تثير الاستنكار العام كما في الماضي؛ فقد تحوّل الأمر إلى سلوك عادي، بل إلى “فخر اجتماعي”. البعض يتباهى بأنه حصل على “هديته الانتخابية”، وآخر يفاخر بأنه “يعرف كيف يستفيد من كل مرشح”، وكأن الفساد صار جزءًا من الثقافة اليومية التي يُعاد إنتاجها جيلاً بعد جيل.
من هنا، تتكرّر الوعود الفارغة نفسها التي سمعها العراقيون في الدورات السابقة. الوجوه تغيّرت قليلًا، لكن الخطاب لم يتغيّر. والنتيجة واحدة: بعد كل انتخابات يعود المواطن إلى بيته مثقلًا بالخيبة، فيما يعود المرشح الفائز إلى مقعده محمّلًا بالامتيازات. وهكذا تستمر الدائرة المغلقة: فقر، وفساد، ووعود، ثم انتخابات جديدة تعيد تدوير الرداءة باسم الديمقراطية.
في المقابل، تتسع دائرة الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات بوصفها موقفًا احتجاجيًا لا عدمية سياسية. كثير من الشباب والطبقات الوسطى يرون أن المشاركة في عملية لا تملك ضمانات النزاهة ولا أفق الإصلاح هي مشاركة في إعادة إنتاج الفشل ذاته. وبين المقاطعين والمتحمّسين، يبقى السؤال مفتوحًا: هل التغيير في العراق ممكن عبر صناديق اقتراع تحرسها الميليشيات وتشتريها الأموال السياسية؟
لقد أثبتت التجربة العراقية منذ 2003 أن الديمقراطية الشكلية بلا وعي سياسي، وبلا ثقافة مدنية، تتحوّل إلى استبداد انتخابي مقنّع. فحين يصبح المرشح بلا فكر، والناخب بلا قناعة، والانتخاب بلا معنى، فإن الدولة كلها تفقد بوصلتها. ليست الأزمة في القانون أو في المفوضية وحدهما، بل في المستوى الثقافي والسياسي العام الذي لا يزال عاجزًا عن الفصل بين الولاء الشخصي والمصلحة العامة.
إن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من صناديق الاقتراع بل من العقل الذي يختار. ولا يُقاس وعي الشعوب بعدد الصور المعلّقة في الشوارع، بل بقدرتها على التمييز بين من يبيع الأوهام ومن يقدّم الحلول. لذلك تبقى انتخابات 2025 اختبارًا جديدًا للعراقيين: هل يريدون حقًا التغيير، أم يكتفون بتبديل الوجوه مع الإبقاء على الجوهر ذاته؟
الانتخابات المقبلة ليست سوى مرآة لمجتمعٍ يعيش ازدواجية بين الحلم بالديمقراطية والارتهان لثقافة الولاء والمال. فطالما ظل الوعي الجمعي أسير الحاجة، والمرشح أسير الزبائنية، سيبقى التغيير مؤجلًا.
إنها ليست أزمة صناديق بل أزمة عقول. وما لم يتحوّل الناخب من “مستفيد لحظي” إلى “مواطن واعٍ”، سيظل العراق ينتخب أزماته لا ممثليه.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...
- بين العشيرة والدولة: أزمة الهوية الوطنية في العراق المعاصر


المزيد.....




- بعد احتجاز الناقلة.. -تصعيد جديد- من إدارة ترامب ضد فنزويلا ...
- مسؤول في -إف بي آي- يتحدث عن أكبر تهديد داخلي لأميركا
- عراقجي يعتزم زيارة بيروت بعد امتناع وزير خارجية لبنان عن زيا ...
- ضمادة على يد ترامب.. كيف برّرها البيت الأبيض؟
- جيش جنوب السودان يحمي حقل هجليج واشتباكات في كردفان
- ترامب يحوّل مجلس الأمن إلى مزاد علني للبيع
- أشار إلى -سقوط صدام وهزيمة داعش-.. مبعوث ترامب يوجه -رسالة- ...
- الأمين العام للناتو يحذر: -روسيا قد تشن هجوماً على الحلف خلا ...
- غوتيريس: اجتماعات مرتقبة بين الجيش السوداني والدعم السريع في ...
- سرقة أكثر من 600 قطعة تعود لحقبة الإمبراطورية البريطانية من ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات