أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - صومالي لاند في سياق النفاق البنيوي للنظام الدولي














المزيد.....

صومالي لاند في سياق النفاق البنيوي للنظام الدولي


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 12:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يطفو اسم صومالي لاند إلى السطح اليوم لا لأن واقعها تغيّر، بل لأن البيئة الجيوسياسية حولها دخلت طورًا جديدًا من إعادة الفرز. ثلاثون عامًا من الاستقرار النسبي وبناء المؤسسات لم تكن كافية لانتزاع الاعتراف، لكن تداول خبر احتمال اعتراف إسرائيلي—صحيحًا كان أم مسرّبًا—أعاد طرح السؤال المؤجَّل: لماذا يُهمَّش كيان نجح في تحييد العنف، بينما يُعاد تأهيل فاعلين خرجوا من قلبه؟ هذا الظهور المفاجئ ليس شهادة على تحوّل داخلي بقدر ما هو علامة على أن الاعتراف، في النظام الدولي، لا يُمنح وفق معايير الأداء أو السلم الأهلي، بل وفق حسابات النفوذ.
تتجلّى هذه الحسابات بوضوح في مواقف دول إقليمية مؤثرة. فاعتراض مصر على أي مسار اعترافي محتمل لا يُقرأ في إطار أخلاقي أو قانوني بقدر ما يرتبط بأمن البحر الأحمر وقناة السويس ومنع سوابق قد تُعيد رسم خرائط السيطرة. المفارقة أن هذا الاعتراض يصدر عن دولة ترتبط بعلاقات رسمية مستقرة مع إسرائيل منذ عقود؛ ما يفضح أن الإشكال ليس في “الاعتراف” كفعل، بل في الجهة التي يُسمح لها به والجهة التي يُحرَّم عليها. أما تركيا، فتدير موقفًا أكثر التواءً: خطاب متقلّب، تعاون عملي، وحسابات نفوذ في القرن الإفريقي تجعل من صومالي لاند ملفًا يُقاس بتأثيره على شبكات المصالح لا بسجلّه الأمني أو السياسي. هنا تتحول “وحدة الدول” إلى أداة انتقائية، تُستحضر حين تخدم وتُهمَل حين تُربك.
وسط هذا الجدل، يُغفَل المعطى الأهم: الواقع الميداني. صومالي لاند ليست مشروعًا عسكريًا ولا كيانًا ميليشياويًا. إنها مساحة اجتماعية–سياسية نجحت، بموارد شحيحة ودون وصاية دولية، في بناء حدٍّ أدنى من الحكم المحلي، وتنظيم انتخابات، وحفظ الأمن الداخلي، ومنع تمدد التنظيمات الإرهابية. لم تُصدِّر العنف، ولم تتحول إلى منصة صراع بالوكالة، ولم تدخل اقتصاد الحرب. غير أن هذا “النجاح الصامت” انقلب إلى عبء، لأن النظام الدولي اعتاد إدارة الأزمات لا الاعتراف بحلول محلية تُضعف الحاجة إلى تدخله.
على الضفة الأخرى، يكشف المشهد السوري الوجه العاري للمعايير المزدوجة. إذ تُعاد صياغة السردية حول فاعلين خرجوا من رحم العنف المسلح، وعلى رأسهم أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي ارتبط اسمه بقيادة تنظيمات مصنّفة إرهابية وبسجلّ من الاقتتال والانتهاكات. ومع ذلك، تُفتح قنوات، وتُرسل إشارات، ويُتداول مفهوم “الواقعية” بوصفه مبررًا لإعادة التأهيل. لا يعود الماضي معيارًا، بل القدرة على “الضبط” وإدارة التوازنات. هكذا يصبح الإرهاب مرحلة سياسية قابلة لإعادة التدوير، بينما يُوصم الاستقرار المستقل بأنه إزعاج.
هذا التناقض ليس طارئًا، بل بنيوي. فالاعتراف الدولي ليس مكافأة على بناء الدولة، بل أداة لضبط المجال السياسي. تُكافَأ القدرة على التعطيل لأنها تولّد أوراق ضغط، ويُعاقَب السلم لأنه لا يقدّمها. في هذا المنطق، يُعاد تأهيل من قادوا العنف لأنهم “مفيدون” للتوازنات، بينما يُترك كيان مسالم خارج الشرعية لأنه يقدّم نموذجًا مقلقًا: نموذج يقول إن بناء الدولة ممكن من دون وصاية، وإن الأمن قد يتحقق من دون عسكرة المجتمع أو تدويله.
تزداد الصورة وضوحًا عند النظر إلى الجغرافيا. فموقع صومالي لاند على تخوم باب المندب لا يجعلها مرشحة للاعتراف بقدر ما يجعلها مرشحة للاستخدام. الدولة ذات السيادة تفاوض وتضع شروطًا؛ أما الكيان غير المعترف به فيُدار بالضغط والوعود المؤجلة. لذلك يُفضِّل النظام الدولي إبقاء الكيان في المنطقة الرمادية: نفوذ بلا التزام، تعاون بلا حماية، واستثمار بلا اعتراف.
أما الخطاب القانوني الذي تتبناه الأمم المتحدة فيبقى حارسًا للخرائط أكثر منه مدافعًا عن الشعوب. تُصان الدولة المعترف بها مهما بلغ فشلها، ويُهمَّش الكيان المستقر مهما تحسّن أداؤه. تتحول مفاهيم “حق تقرير المصير” و“مكافحة الإرهاب” إلى شعارات انتقائية: تُستدعى حين تخدم المصالح وتُهمَل حين تُربكها. النتيجة أن الشرعية تُمنح لمن يندمج في الإطار القائم، لا لمن ينجح خارجه.
في المحصلة، لا يطرح ملف صومالي لاند سؤالًا تقنيًا حول استحقاق الاعتراف، بل يفضح منطقًا عالميًا أعمق: لماذا يُكافَأ العنف حين يكون قابلًا للاستخدام، ويُعاقَب السلم حين يكون مستقلًا؟ لماذا تُفتح العواصم لمن قادوا ميليشيات قتلت وشرّدت واغتصبت، بينما يُترك مجتمع اختار بناء الدولة بعيدًا عن السلاح خارج التاريخ الرسمي؟ الجواب أن النظام الدولي لا يبحث عن العدالة بقدر ما يدير القوة. وفي هذا الإطار، يصبح الإرهاب موردًا سياسيًا قابلًا لإعادة التوظيف، بينما يصبح الاستقرار المستقل خطرًا على هندسة النفوذ.
قضية صومالي لاند، إذن، ليست هامشية. إنها مرآة تُظهر أن الشرعية في عالم اليوم لا تُقاس بالأخلاق ولا بالإنجاز، بل بالمنفعة. وبين دولة مسالمة حاربت الإرهاب بصمت، وفاعلين مسلحين أُعيد تقديمهم بوصفهم شركاء، يتكرّس النفاق البنيوي للنظام الدولي بوصفه قاعدة حكم لا استثناء.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوروبا تحت الضغط: من فشل الاندماج إلى تشديد القوانين على الد ...
- العراق ..... حين يصبح السؤال عن الحاكم بلا جدوى
- حين يستعيد العقل مكانته: تفكيك سلطة النص ومسارات النقد الدين ...
- من علي الوردي إلى قيس الخزعلي: حين يهاجم الوهمُ علمَ الاجتما ...
- العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهب ...
- عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله ...
- العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات


المزيد.....




- وقت الشاي.. ما القصة وراء هذا الطقس البريطاني الأصيل؟
- من الكواليس.. كيف يتم الاستعداد لإسقاط الكرة الشهيرة في ميدا ...
- روسيا تستبق لقاء زيلينسكي وترامب بهجوم واسع على كييف
- أم متهمة بقتل ابنتها بوحشية تدفع ببرائتها أمام القاضي.. شاهد ...
- خبير إتيكيت ألماني يشيد بميرتس: يجمع بين الصرامة وحسن التصرف ...
- مباشر: تونس ونيجيريا في كأس أمم أفريقيا
- التحالف بقيادة السعودية: سيتم التعامل مع أي تحركات عسكرية في ...
- الجيش الإسرائيلي يطلق عملية عسكرية في بلدة قباطية بالضفة الغ ...
- حين تكلمت الكرة عما عجزت عنه السياسة
- بفضل الذكاء الاصطناعي أصبح الصحفيون أكثر أهمية من أي وقت مضى ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - صومالي لاند في سياق النفاق البنيوي للنظام الدولي