أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك الجبوري - كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة في لاهوت العنف الولائي















المزيد.....

كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة في لاهوت العنف الولائي


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 15:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يمثّل كتاب «الكفاح المسلّح في الإسلام» لكاظم الحائري أحد النصوص الأكثر وضوحًا في الكشف عن البنية الداخلية للخطاب الديني السياسي الشيعي بصيغته الولائية المعاصرة. فالكتاب لا يقدّم أطروحة فقهية محضة، بل يؤسّس لنظرية سياسية كاملة، يتداخل فيها الفقه والجهاد والدولة والولاية والانتظار المهدوي في منظومة واحدة متشابكة. والحائري، لا يكتب خارج إطار هذه المنظومة، بل يطوّر بعض جوانبها، ويشدّد على أخرى، ليقدّم صيغة “عقائدية مسلّحة” للخط السياسي الذي مهّد لاحقًا لظهور الفصائل الولائية في العراق.
ومن هنا فإن تحليل هذا الكتاب يستوجب ربطه بثلاث دوائر أساسية: الفقه السياسي التقليدي (الذمّي–الكافر)، نظرية ولاية الفقيه، والانتظار المهدوي. وهذا الفصل يسلّط الضوء على هذه الدوائر الثلاث، وكيف تتداخل فيما بينها لإنتاج لاهوت سياسي للعنف.
ينطلق الحائري من إعادة إنتاج للتقسيم الفقهي التقليدي للإنسان داخل الدولة الإسلامية. فالكتاب يعيد بعناية بناء تراتبية ثابتة: المسلم أولًا، ثم الذمّي، ثم الكافر غير المحارب، ثم الكافر المحارب، وصولًا إلى المرتد الذي يراه أخطر من الجميع. هذه ليست عودة إلى الفقه القديم بقدر ما هي محاولة لاستعادته ليكون إطارًا سياسيًا يُنظّم علاقة الدولة بالمجتمع. فالمسلم—في تصور الحائري—لا يكفي أن يكون مسلمًا؛ بل يجب أن يكون “موالٍ للولاية”، وإلا أصبح انتماؤه ناقصًا. والذمّي ليس مواطنًا، بل مقيمًا بشروط: يدفع الجزية، يلتزم بقوانين الدولة الإسلامية، ولا يُظهر ما “يضرّ بالإسلام”. أمّا الكافر، فتحدّد علاقته بالدولة من خلال القوة أو العهد: معاهَد يُحترم عهده، ومحارب يُقاتل. ويضع الحائري المرتد في قلب “التهديد الداخلي” الذي يستوجب الحزم.
هذه البنية تتجاوز الفقه إلى السياسة، لأن الحائري لا يتناول الذمة والكفر باعتبارهما مفاهيم تراثية، بل باعتبارهما أدوات تُعيد تنظيم المجتمع وفق معيار ديني، لا وفق المواطنة الحديثة. فالإنسان لا يُعرّف قانونيًا ولا وطنيًا، بل يُعرَّف عقائديًا، وتُمنح حقوقه أو تُقيَّد بناء على هذا التعريف.
على هذه الأرضية الفقهية يرسم الحائري تصوره للجهاد، وهو محور الكتاب الأساسي. فالجهاد ليس ردّة فعل ولا حالة دفاع اضطرارية، بل هو “وسيلة شرعية” لتغيير الأنظمة وإقامة الدولة الإسلامية. ويشدّد الحائري على أن الجهاد قد يكون هجوميًا (جهاد الطلب) شرط وجود “قيادة شرعية”، أي الفقيه الجامع للشرائط. ولا جهاد بدون إذن الولي، لأن الولي هو وحده القادر على تحديد العدو: من هو المحارب، ومن هو المسالم، ومن هو العدو الداخلي. وبذلك يتحوّل الجهاد من مفهوم فقهي إلى أداة سياسية في يد الفقيه، يُعيد بها تشكيل المجال السياسي والحدود الشرعية للمجتمع.
والنتيجة أن السلاح يتحوّل في مشروع الحائري إلى هوية سياسية، لا مجرد أداة. فالسلاح ليس حماية للدولة، بل حماية للعقيدة؛ وليس وظيفة وطنية، بل وظيفة ولائية؛ وليس قرارًا سياديًا للدولة الحديثة، بل تكليف شرعي يُمارَس خارج الدولة أو معها، لكنه لا يخضع لها. وهذه الفكرة بالذات شكّلت الأساس النظري الذي استفادت منه الفصائل الولائية في العراق لاحقًا.
هذا البناء النظري لا يمكن فهمه بمعزل عن الخميني. فعلى الرغم من اشتراك الرجلين في الأساس الفقهي وفي تبنّي ولاية الفقيه، فإن الخميني في «الحكومة الإسلامية» كان يسعى إلى بناء دولة كاملة بمؤسسات وقوانين وتعبئة ثورية، بينما ينصرف الحائري إلى تعزيز سلاح الجماعة العقائدية وتثبيت شرعيته. فالخميني جعل الفقيه رأس الدولة، بينما يجعل الحائري الفقيه قائد الجهاد. والنتيجة أن الخميني أسّس دولة مسلّحة، بينما أسّس الحائري رؤية للجماعة المسلّحة داخل الدولة.
ويظهر الفارق بينهما في مسألتين:
الأولى، أن الخميني يتعامل مع الكافر بوصفه “عدوًا سياسيًا” بالدرجة الأولى، خصوصًا القوى الغربية والأنظمة العلمانية، بينما يعيد الحائري إنتاج مفهوم الكافر والذمّي بصيغته الفقهية القديمة ويجعل منه جزءًا من تنظيم الداخل.
والثانية، أن الخميني بنى دولة تقوم على الولاية، بينما يضع الحائري السلاح فوق الدولة، ويربط شرعيته بالمهدي عبر النيابة العامة للفقيه.
هنا تبرز النقطة الجوهرية: العلاقة بين أفكار الحائري ونظرية الإمام المهدي. فالحائري لا يقدّم فقهًا تقليديًا فقط، بل يُؤطّر كل شيء داخل زمن الغيبة. الفقيه في نظره ليس مجرد عالم، بل نائبٌ عام للإمام، يمارس سلطته السياسية والقتالية وفق “وظيفة التمهيد للدولة المهدوية”. فالدولة الحقيقية ليست الدولة القائمة اليوم، بل الدولة التي سيقودها الإمام المهدي. وما نسميه الآن “الدولة الإسلامية” هو إدارة مؤقتة لزمن الانتظار.
وبناءً على ذلك، يصبح الجهاد—كما يشرحه الحائري—جزءًا من حركة التمهيد، وليس مجرد وظيفة دفاعية. والسلاح ليس دفاعًا عن حدود وطنية، بل حماية لمسار “الظهور”. والذمّي مقبول ضمن شروط لأنه يعيش داخل “دار الإسلام” خلال الغيبة، لكنه ليس شريكًا في الدولة النهائية. والكافر يُنظر إليه بحسب موقفه من “خط المهدي”، لا بحسب موقعه القانوني. أمّا المرتد فيُعتبر خطرًا لأنه يهدد البنية العقائدية التي يُفترض أن تنتظر الظهور.
بهذا المعنى، يربط الحائري بين الجهاد والولاية والمهدوية في سلسلة واحدة: الولي نائب المهدي، والجهاد قرار الولي، والسلاح أداة التمهيد. وهذا ما يفسّر تموضع الفصائل الولائية اليوم داخل العراق بوصفها “قوة عقائدية” خارج منطق الدولة الوطنية، لكنها داخل منطق الدولة المهدوية التي لم تأتِ بعد.
إن هذا التداخل بين الفقه والتراث المهدوي والولاية ينتج نموذجًا سياسيًا خاصًا: دولة لا تستند إلى المواطنة ولا إلى العقد الاجتماعي، بل إلى “شرعية الانتظار”. وفي هذا النموذج، تتحول مفاهيم الذمّي والكافر والجهاد إلى أدوات تنظيم للعالم قبل الظهور، ويصبح السلاح جزءًا من الهوية العقائدية للجماعة، وتصبح الدولة الحديثة مجرد إطار هش لا يحوز الشرعية النهائية.
وإذا كان الخميني قد حوّل الانتظار إلى ثورة ثم إلى دولة، فإن الحائري يذهب في اتجاه آخر: تحويل الانتظار إلى عقيدة قتالية تمهّد للظهور. ولهذا فإن فكر الحائري هو الأوضح في تمثيل “المهدوية المسلّحة”، التي تتجاوز الفقه التقليدي من جهة، وتتجاوز دولة الخميني من جهة أخرى، لتؤسّس لخطاب سياسي يرى في العالم معركة مفتوحة بين “حقٍّ ينتظر قائده” و“باطلٍ تُدار ضده حرب طويلة لا تنتهي إلا بالمهدي”



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...
- بين العشيرة والدولة: أزمة الهوية الوطنية في العراق المعاصر


المزيد.....




- الكنيسة الكاثوليكية: زيارة بابا الفاتيكان إلى مرفأ بيروت تشك ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من شرطة الاحتل ...
- بابا الفاتيكان: الطريق لتحقيق السلام في لبنان يبدأ بتجاوز ال ...
- 631 مستعمرا يقتحمون باحات المسجد الأقصى
- إعلام سوري: مقتل رجل دين بالسويداء بعد اعتقاله من قوات للهجر ...
- إعلام سوري: مقتل رجل دين بالسويداء بعد اعتقاله من قوات للهجر ...
- بابا الفاتيكان يختتم أولى جولاته الخارجية بصلاة يشارك فيها 1 ...
- الاحتلال يغلق المدخل الشمالي لمدينة سلفيت
- بابا الفاتيكان يزور موقع انفجار مرفأ بيروت في ختام زيارة إلى ...
- -مثلث خيانة الأمة-.. ضاحي خلفان يهاجم الإخوان المسلمين والحو ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك الجبوري - كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة في لاهوت العنف الولائي