أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك الجبوري - العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهبي














المزيد.....

العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهبي


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 10:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُنظر عادةً إلى العنف الشيعي والعنف السني بوصفهما ظاهرتين متواجهتين جذريًا، وكأنهما نتاج انقسام مذهب صرف، أو استمرارية لصراعاتٍ تمتدّ من كربلاء إلى الفتنة الكبرى. لكن الاقتراب من الخطابات التي تحرّك الجماعات المسلحة الحديثة — من الفصائل الولائية في العراق ولبنان واليمن، إلى السلفية الجهادية في أفغانستان والصومال والشام — يكشف صورة مختلفة تمامًا
ثمة تشابه عميق في العقل السياسي المنتج للعنف، رغم التباعد المذهبي وتبادل الاتهامات والتكفير
الحركات الشيعية الولائية تبني مشروعها على مفهوم الولاية والانتظار المهدوي. الدولة الحديثة — بمؤسساتها ودساتيرها وحدودها — تُعدّ في نظرها كيانًا ناقصًا، لأنها تقوم دون إشراف “الولي الفقيه” الذي يُنظر إليه بوصفه نائب الإمام الغائب. والعالم قبل الظهور ليس عالمًا مكتملًا، بل ساحة صراع تتطلب وجود “قوة عقائدية” تحمل السلاح، لا بوصفه خيارًا سياسيًا، بل بصفته امتدادًا لدور تاريخي مقدّس. لذلك لا ترى هذه الفصائل نفسها ميليشيات، بل “قوة تمهيد” لترتيب العالم قبل الظهور. وهذا ما يجعلها فوق منطق الدولة، حتى عندما تعمل داخل مؤسساتها
على الجانب الآخر، ترتكز السلفية الجهادية على مفهوم الحاكمية والطائفة الناجية. الدولة الوطنية، في عيون هذه الجماعات، ليست فقط ناقصة، بل “جاهلية”، لأنها لا تحكم بما أنزل الله. ومن هنا يصبح الجهاد واجبًا دائمًا لإسقاط هذه الدولة وإقامة “الخلافة” التي تُعدّ الشكل الأسمى للحكم الإسلامي. الجماعة الجهادية لا تُعرّف نفسها كمكوّن من مكونات المجتمع، بل كممثل حصري للإسلام الصحيح، وبناءً عليه يصبح السلاح ضرورة وجودية، لا سياسية. وحين أعلنت “داعش” قيام الخلافة، كانت تنفّذ بالضبط هذا التصور: تجاوز الدولة الحديثة والعودة إلى نموذج متخيّل للدولة الأولى
ورغم أن الولائيين ينتظرون المهدي والجهاديين ينتظرون الخلافة، فإن الإطار الذهني الذي ينتج هذا العنف يكاد يكون واحدًا. يضع الطرفان سلطة أعلى من الدستور، وشرعية أعلى من شرعية الدولة، وجماعة أعلى من المجتمع. كلاهما يصنع “عدوًا داخليًا” يجب التخلص منه قبل العدو الخارجي: الولائي يرى الخطر في من يعارض الولاية، والجهادي يرى الخطر في من يعارض العقيدة أو الدولة الإسلامية المفترضة. كلاهما يرفض الحداثة السياسية، ويعيد تشكيل المجتمع وفق معيار ديني صارم، ويُفرغ مفهوم المواطنة من محتواه
التشابه لا يقف هنا، بل يمتد إلى فكرة الزمن السياسي. الحركات الولائية تعيش في “زمن الغيبة” حيث الحاضر ناقص والمستقبل الموعود يحمل الحقيقة. والحركات الجهادية تعيش في “زمن الاستعادة” حيث الماضي الراشدي هو المقياس والمستقبل هو إعادة إنتاجه. وفي كلا النموذجين، يتم نزع الشرعية عن الحاضر باعتباره زمنًا منحرفًا أو مبتورًا أو فاسدًا، وهو ما يفتح الباب أمام العنف بوصفه وسيلة لإعادة بناء العالم وفق تصور “أصلي” أو “مقدّس”
إن الأزمة ليست في المذهب بحد ذاته، بل في إعادة توظيف التراث الفقهي ضمن سياق سياسي حديث مضطرب، حيث تفشل الدولة الوطنية في فرض نفسها كمصدر وحيد للشرعية. ومع هذا الفشل، تظهر جماعات تعتقد أن لديها الحق — بل الواجب — في حلّ محلّ الدولة، أو تجاوزها، أو العمل فوقها. ولهذا يصبح العنف في كلا الحالتين أداة “تصحيح” وليست مجرد ردّ فعل.
وهنا تتضح المفارقة الكبرى
المتطرف الشيعي والمتطرف السني لا يشبهان مذاهبهما بقدر ما يشبهان بعضهما بعضًا
فمن يرفع راية المهدي في بغداد والنجف، ومن يرفع راية الخلافة في كابول، ينطلقان من بنية فكرية مشتركة: عقل يقسّم العالم إلى حق وباطل، مؤمن وكافر، طاهر ونجس، ويبحث عن “دولة مثالية” لا مكان فيها للمواطنة، ولا للمؤسسات، ولا للإنسان العادي الذي يريد فقط أن يعيش خارج هذه المعارك المقدّسة.
إن تفكيك العنف في العالم الإسلامي اليوم يقتضي مغادرة القراءة الطائفية السطحية. فالمشكلة ليست في اختلاف المذاهب، بل في اتفاق التطرف على نسف الدولة الحديثة واحتكار الحقيقة. العنف الولائي والعنف الجهادي ينتميان إلى مدرسة واحدة: مدرسة تجعل الجماعة أعلى من الوطن، والمقدّس أعلى من القانون، والغيب أعلى من الحياة. ولا سبيل لمواجهة هذا العنف إلا بإعادة بناء الدولة بوصفها المرجعية الوحيدة للقوة، والاعتراف بالمواطن قبل العقيدة، وبالقانون قبل الراية، وبالحاضر قبل وعود الماضي وأحلام المستقبل.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله ...
- العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...


المزيد.....




- دراسة: 154 رجل دين بألمانيا مارسوا عنفا أو اعتداء جنسيا منذ ...
- الشرع من المسجد الأموي: سنعيد بناء سوريا قوية من شرقها إلى غ ...
- ظهور الرئيس السوري في المسجد الأموي يعيد إحياء ذكرى تحرير دم ...
- استُقبل بـ-التكبيرات-.. تفاعل على لحظة دخول أحمد الشرع إلى ا ...
- احتفالات في سوريا بذكرى سقوط الأسد وتكبيرات في المساجد
- كشف عن هدية ولي العهد السعودي.. أحمد الشرع يظهر بـ-زي التحري ...
- تراجع الوجود المسيحي في العراق.. قرنٌ من الهزّات والنزوح وال ...
- نتنياهو يوجه بإخلاء بؤر استيطانية مع تعزيز الأمن لليهود وسط ...
- البرلمان يستجوب جان لوك ميلانشون بشأن شبهات تربط حزبه بالإخو ...
- علماء يحذرون: المسجد الأقصى يواجه أخطر المراحل في تاريخه


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك الجبوري - العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهبي