أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله والحوثيين














المزيد.....

عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله والحوثيين


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 09:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهد العراق خلال الأيام الأخيرة تطورًا لافتًا تمثّل في نشر قرار رسمي في جريدة الوقائع العراقية يقضي بإدراج حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله (الحوثيين) ضمن الكيانات الخاضعة لإجراءات تجميد الأموال وفق التزامات العراق الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال. وبالنظر إلى طبيعة هذه القرارات، التي تمر عبر سلسلة من الإجراءات القانونية قبل نشرها في الجريدة الرسمية، فقد بدا واضحًا أن مؤسسات الدولة كانت مهيأة لاتخاذ خطوة حساسة ذات أبعاد سياسية وإدارية واضحة
لكن هذا المشهد لم يدم طويلًا. فبعد ساعات فقط من نشر القرار، ظهرت وثيقة رسمية صادرة عن البنك المركزي العراقي – مكتب المحافظ، مؤرخة في 4/12/2025، تطلب إلغاء الفقرتين (18) و(19) من القرار المنشور في العدد (4848) من الوقائع العراقية، وهما الفقرتان اللتان تتضمنان اسمَي حزب الله والحوثيين. وتصف الوثيقة النشر بأنه “غير دقيق”، وتدعو الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى إصدار “بيان عاجل” لوسائل الإعلام بهذا الشأن
هذا الانتقال السريع من نشر القرار إلى التراجع عنه لا يبدو مجرد تصحيح إداري. فالقراءة المتأنية تكشف عن طبقات أعمق من الضغوط السياسية التي تحيط بعملية صناعة القرار في العراق. فإدراج حزب الله والحوثيين لا ينفصل عن موقع العراق ضمن شبكة العلاقات الإقليمية المعقّدة، ولا عن طبيعة النفوذ الذي تمارسه بعض القوى السياسية والفاعلين المسلّحين الذين يرون في هذه الجماعات امتدادًا لمحور سياسي وأمني أوسع. ولذلك، فإن نشر القرار ثم سحبه لا يعكس فقط اختلافًا إداريًا، بل يكشف عن احتكاك مباشر بين مؤسسات الدولة وبين مراكز قوة غير رسمية تمتلك القدرة على التأثير في مسار القرار الحكومي.
وتشير عدة معطيات إلى أن اعتراضات صادرة من فصائل مسلحة وشخصيات سياسية مرتبطة بمحور المقاومة كانت أحد أهم أسباب التراجع. فهذه القوى تعتبر إدراج حزب الله والحوثيين ضمن قوائم الإرهاب مساسًا مباشرًا بشرعية خطابها السياسي وبشبكة علاقتها الإقليمية. ومع امتلاك هذه الفصائل لنفوذ فعلي داخل الدولة وفي المشهد السياسي، يصبح تأثيرها على القرار الحكومي عاملًا حاسمًا، سواء عبر قنوات مباشرة أو عبر الضغط على حلفائها داخل مؤسسات الدولة. وهكذا، يبدو أن التراجع لم يكن تصحيحًا بقدر ما كان استجابة لضغط سياسي يفوق قدرة المؤسسات على مقاومته
وعلى المستوى المؤسسي، يثير هذا التراجع تساؤلات مهمة حول مكانة جريدة الوقائع العراقية باعتبارها السجل الرسمي للدولة. فالجريدة الرسمية ليست مساحة للنشر السريع أو القابل للتعديل الفوري، بل هي المرجع النهائي الذي تُبنى عليه القوانين والقرارات الملزمة. ولذلك، فإن نشر قرار سيادي في عدد رسمي ثم التراجع عنه خلال ساعات يضعف الثقة في انتظام عملية إصدار القرارات، ويفتح الباب أمام التشكيك في متانة البنية الإدارية للدولة وفي استقلالية المؤسسات القائمة على تنفيذ القانون
أما على مستوى صناعة القرار، فقد أظهرت الأزمة محدودية قدرة الدولة على تثبيت قرار سيادي عندما يتعارض مع مصالح مراكز نفوذ أخرى. فالقرار الأول كان يعكس استعدادًا إداريًا للتماهي مع المعايير الدولية، بينما شكّل التراجع عنه إشارة واضحة إلى أن الإرادة السياسية ليست موحدة بما يكفي لتحمل تبعات قرار حساس من هذا النوع. وهذا التناقض لا يعكس مجرد اختلاف داخل أجهزة الدولة، بل يشير إلى وجود خلل بنيوي يتمثل في تعدد مستويات القرار السياسي وتنافسها، ما يجعل أي قرار يمكن أن يكون عرضة للتراجع عند أول احتكاك مع القوى غير الرسمية
ولا تقتصر تداعيات الحدث على الداخل فقط، بل تمتد إلى صورة العراق أمام المجتمع الدولي. فالقرارات التي تتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب تخضع لمراقبة دقيقة من المؤسسات المالية والمنظمات الدولية. والتراجع السريع عن قرار منشور رسميًا قد يؤثر في تقييم العراق من حيث التزامه بالتشريعات الدولية، خصوصًا إذا بدا القرار غير مستقر أو خاضعًا لضغوط سياسية داخلية
إن ما حدث يشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الدولة العراقية على امتلاك قرار سيادي واضح. فالتراجع عن قرار منشور في الجريدة الرسمية لا يعني فقط ضعفًا في التنسيق أو خللًا إداريًا، بل يكشف عن هشاشة في البنية التي تُبنى عليها سياسات الدولة. فالدولة التي تخضع قراراتها لضغوط غير رسمية تفقد جزءًا من قدرتها على فرض القانون وعلى الحفاظ على اتساق سياساتها
وتبقى النتيجة المركزية لهذه الأزمة أن العراق لا يزال في مرحلة انتقالية صعبة تتطلب إعادة بناء منظومة القرار السياسي على أسس أكثر صلابة، بحيث تصبح قادرة على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تعزيز استقلال مؤسسات الدولة، وتحصين القرارات السيادية من التدخلات غير الرسمية، وإعادة تعريف العلاقة بين الحكومة ومراكز القوة داخل النظام السياسي
إن اختبار الدولة في هذه الأزمة لم يكن في قدرتها على إصدار قرار، بل في قدرتها على الحفاظ عليه. وما لم تتوفر بنية سياسية تمكّن الدولة من تثبيت قراراتها وعدم التراجع عنها تحت الضغط، ستظل السيادة المؤسسية معرضة للاهتزاز، وستبقى القرارات الحساسة قابلة للتراجع، وهو ما يوضح حجم التحديات التي ما يزال العراق يواجهها في مسيرته نحو دولة قادرة وفاعلة



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...
- بين العشيرة والدولة: أزمة الهوية الوطنية في العراق المعاصر


المزيد.....




- لحظة انهيار منازل وطرق في فيضانات إندونيسيا
- جنيفر لوبيز تتألق بتصميم -لبناني- في حفل بلوس أنجلوس
- رغم المخاوف.. الذكاء الاصطناعي يدخل أعمق ملفات الأميركيين
- النيجر.. حين يتحوّل اليورانيوم إلى إرث من النفايات السامة
- إيران ترد على ما ورد ببيان دول مجلس التعاون الخليجي حول الجز ...
- كيف قتل ياسر أبو شباب بغزة وما قالته حماس.. ماذا نعلم للآن؟ ...
- بسبب إيران.. مصدر أمريكي يكشف لـCNN انشاء سرب -درون- هجومي ب ...
- الفاشر.. المدينة التي طالما أحببتها
- قتلى بضربة أميركية جديدة ضد مهربي المخدرات بالمحيط الهادي
- تقرير: كوكب الأرض -لم يشهد- العدد الحالي من المليارديرات من ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله والحوثيين