أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - أوروبا تحت الضغط: من فشل الاندماج إلى تشديد القوانين على الدين والهجرة














المزيد.....

أوروبا تحت الضغط: من فشل الاندماج إلى تشديد القوانين على الدين والهجرة


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 17:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد مشهد المظاهرات التي تطالب بطرد المسلمين من الدول الأوروبية حدثًا هامشيًا أو ظاهرة معزولة يمكن تفسيرها باليمين المتطرف وحده. ما نشهده اليوم هو تحوّل عميق في المزاج العام الأوروبي، تحوّل تغذّيه وقائع متراكمة، وصدمات أمنية، وسلوكيات استفزازية لم تعد المجتمعات الغربية قادرة على تبريرها أو احتمالها باسم التسامح أو التعددية.
لقد قامت الفكرة الأوروبية الحديثة على حماية الحياة الفردية، وعلى جعل الفرح والاختلاف والطفولة قيمًا غير قابلة للمساومة. غير أن جزءًا من المهاجرين المسلمين دخل هذا الفضاء وهو يحمل تصورًا معاديًا لهذه القيم، يرى الفرح تهديدًا، والاختلاف انحلالًا، والمرأة والطفلة موضوع ضبط لا كائنَين حرَّين. هذا التصور، المتغذّي من قراءات دينية اختزالية، لم يكتفِ بالعيش في الهامش، بل سعى إلى فرض نفسه في الفضاء العام بالقوة الرمزية.
من هنا انفجر ملف الحجاب، لا بوصفه لباسًا دينيًا للبالغات، بل بوصفه أداة إخضاع تُفرَض على طفلات. عندما تُجبَر طفلة دون الرابعة عشرة على تغطية جسدها وشَعرها باسم “الفضيلة”، فإن المجتمع الأوروبي لا يرى حرية دينية، بل يرى عنفًا تربويًا ونزعًا للبراءة، واعتداءً على حق الطفلة في النموّ خارج وصاية أيديولوجية. لهذا جاء تشديد القوانين التي تمنع الحجاب في المدارس، بل وتمتد إلى الفضاء العام حين يتعلّق الأمر بقاصرات. لم يكن القرار كراهيةً للدين، بل دفاعًا صريحًا عن الطفل بوصفه خطًا أحمر.
وفي السياق نفسه، لم تعد المدرسة ساحة محايدة كما كانت. فبدل أن تكون فضاءً للتعلّم والمواطنة، تحوّلت – في حالات كثيرة – إلى ميدان صراع هويّاتي: اعتراض على المناهج، رفض دروس الفنون والرياضة، تشكيك بالعلوم، وضغط جماعي على إدارات المدارس. عند هذه النقطة، لم تعد الدولة ترى “تنوعًا ثقافيًا”، بل تقويضًا لمنظومة التعليم. فكان الردّ تشريعيًا صارمًا.
ولم تتوقف الأزمة عند الرموز. فالهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا – من قضية شارلي إيبدو إلى جريمة الدهس في نيس – أعادت تعريف المخاطر في الوعي الشعبي. لم تُقرأ بوصفها أفعال أفراد مختلين، بل بوصفها ثمرة خطاب ديني متشدد يعيش داخل المجتمع ويرفضه في آن واحد. ومع كل صدمة، تراجع خطاب “الاندماج”، وتقدّم خطاب “الحماية”.
هنا بدأ التحوّل الأخطر: سياسات الإبعاد الخارجي. لم تعد بعض الدول الأوروبية تكتفي بالترحيل إلى بلدان الأصل، بل اتجهت إلى إرسال المهاجرين – خاصة غير النظاميين – إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي، بعقود واتفاقات جديدة، بهدف كسر شبكات الهجرة وتقليص العبء الداخلي. هذا التحوّل لا يعكس قسوة عمياء بقدر ما يعكس قناعة سياسية مفادها أن فشل الاندماج لا يُعالج بالمزيد من التساهل، بل بإعادة رسم الحدود.
إن صعود هذه السياسات لا يمكن فصله عن شعور المواطن الأوروبي بأن دولته تراجعت طويلًا أمام ضغط “الخصوصية الدينية”، وأنها سمحت بتشكّل مجتمعات موازية داخل المجتمع الواحد. حين يشعر المواطن أن القانون يُنتَهك باسم الدين، وأن الطفولة تُستَخدم ساحة صراع أيديولوجي، وأن الأمن مُهدَّد باسم التسامح، فإنه لا ينتظر دروسًا أخلاقية؛ يطالب بالحسم.
والسؤال الحقيقي ليس: هل هذه القوانين عادلة؟ بل: من دفع الأمور إلى هذه النقطة؟ لماذا تُرك الخطاب المتشدد يتغلغل في العائلات والمدارس والجمعيات؟ لماذا صمت “المعتدلون” طويلًا، حتى صار صوت التطرّف هو الأعلى؟ ولماذا يُتوقَّع من الدولة أن تحمي القيم، بينما يُسمَح بتقويضها يوميًا باسم الحرية؟
لا أحد يربح في هذا المسار. أوروبا تخسر جزءًا من مثاليتها، والمسلمون المعتدلون يدفعون ثمن صمت لم يصنعوه، والديمقراطية تتصلّب تحت ضغط الخوف. لكن الحقيقة القاسية أن الدولة حين ترى الطفلة محجوبة قسرًا، والمدرسة مُحاصَرة أيديولوجيًا، والشارع مُستَفَزًّا دينيًا، لن تتردد في استخدام أقسى أدوات القانون.
أوروبا لا تخوض حربًا على الإسلام.
إنها تخوض معركة دفاع عن الطفولة، وعن المدرسة، وعن المجال العام.
وما لم يُواجَه هذا الخلل من الداخل، فإن المنع سيتّسع، والترحيل سيتسارع، ولن يعود السؤال: كيف نندمج؟
بل: من سيبقى… وبأي ثمن؟



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق ..... حين يصبح السؤال عن الحاكم بلا جدوى
- حين يستعيد العقل مكانته: تفكيك سلطة النص ومسارات النقد الدين ...
- من علي الوردي إلى قيس الخزعلي: حين يهاجم الوهمُ علمَ الاجتما ...
- العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهب ...
- عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله ...
- العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد


المزيد.....




- الصومال ردا على اعتراف إسرائيل بـ-صومالي لاند-: -لن نقبل أبد ...
- إصابة ثلاث نساء بجروح في عمليات طعن في مترو باريس وتوقيف مشت ...
- فنزويلا تُفرج عن 99 محتجزًا شاركوا في احتجاجات ضد إعادة انتخ ...
- إسرائيل تعترف بأرض الصومال.. وعاصفة رفض عربية تهدد التوازن ف ...
- كأس الأمم الأفريقية: التعادل السلبي يحسم مباراة زامبيا وجزر ...
- تركيا تعلن نجاح أول اختبار لطقم توجيه مجنح محلي الصنع
- إنقاذ نحو 400 مهاجر قبالة سواحل جزيرة يونانية
- 2025 في غزة.. شهداء ومجاعة ونزوح وانتظار الانفراجة
- عائلة أميركية تقاضي شركتي طيران بعد إصابتها ببقّ الفراش على ...
- محاولة تسميم بقرة في المغرب.. محاكمة مواطن بالسجن لمدة سنة م ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - أوروبا تحت الضغط: من فشل الاندماج إلى تشديد القوانين على الدين والهجرة