أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مالك الجبوري - من علي الوردي إلى قيس الخزعلي: حين يهاجم الوهمُ علمَ الاجتماع














المزيد.....

من علي الوردي إلى قيس الخزعلي: حين يهاجم الوهمُ علمَ الاجتماع


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 02:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يصدر كتاب قيس الخزعلي «جدلية فرضيات الوردي وآرائه» في لحظة يعاد فيها توظيف الرموز الفكرية في العراق لسجالات الهوية والشرعية الثقافية. ويبدو واضحًا أن الكتاب لا يتوجه إلى إرث علي الوردي بوصفه مشروعًا سوسيولوجيًا مركّبًا، بل بوصفه خطابًا يجب إعادة تأويله من داخل مرجعية دينية–عقائدية محددة. ولهذا، فإن تقييم الكتاب لا ينفصل عن رؤية صاحبه للمعرفة وللمجتمع، وهي رؤية تنتمي إلى حقلٍ مختلف تمامًا عن الحقل الذي ينتمي إليه الوردي
يُلاحظ منذ الصفحات الأولى أن المؤلف ينقل نقاشه من مجال التحليل الاجتماعي إلى مساحة الوعظ العقدي. ففي أحد مقاطع الكتاب يقول الخزعلي
إن ما يطرحه الوردي حول ازدواجية الشخصية العراقية لا يمكن قبوله ما دام يتجاهل جذور الهوية الإيمانية التي شكّلت هذا المجتمع عبر القرون
هذا النوع من المقاطع يكشف أن القراءة تقوم على مسلّمات دينية مسبقة، تُقدَّم بوصفها مرجعًا أعلى من الأدوات السوسيولوجية التي استخدمها الوردي في دراساته. وهكذا تتحوّل فرضيات الوردي من كونها أدوات تفسيرية قابلة للنقد العلمي، إلى كونها موقفًا “قيميًا” يجب الرد عليه من موقع العقيدة
في موضع آخر، يرفض الخزعلي توصيف الوردي للمجتمع العراقي بوصفه ممزقًا بين قيم البداوة والحضارة، ويقول
إن الوردي يبخس حق المؤسسة الدينية التي كانت عبر التاريخ صمام أمان، ويتغافل عن الدور العقدي في حفظ التماسك الاجتماعي
هذا الاعتراض لا يقدّم معطيات جديدة، بل يكتفي بإحالة الظاهرة إلى “ثبات الهوية الدينية”، وهو تفسير يستعيض عن التحليل الاجتماعي بتأكيد هويّاتي لا يمكن قياسه ولا اختباره
وبهذا الأسلوب، يصبح نقد الوردي في الكتاب أقرب إلى محاكمةٍ أخلاقية منه إلى نقاش علمي. فعندما يقول المؤلف
إن وصف الوردي للمجتمع بأنه يميل إلى الرياء الاجتماعي يحمل إساءة ضمنية تتنافى مع قيم الإيمان والولاء
فهو لا يناقش فرضية الوردي بوصفها مقاربة اجتماعية، بل يعترض عليها لأنها “لا تنسجم مع الصورة المثالية للمجتمع”، وهو منطق لا يشكّل أساسًا للدرس الأكاديمي
تفتقر القراءة التي يقدمها الخزعلي إلى أدوات علم الاجتماع الحديث؛ فلا يُلاحظ أي استحضار للمقاربات التي يمكن أن تثري النقاش، مثل البنيوية عند بورديو، أو التفاعل الرمزي عند غوفمان، أو تحليل الظواهر الثقافية عند غيرتز. كما لا يظهر أي تواصل مع المدرسة السوسيولوجية التي ينتمي إليها الوردي نفسه، خصوصًا في تحليل الازدواجية القيمية والتناشز الاجتماعي والصراع بين البنى التقليدية والحديثة. والنتيجة أن الكتاب يقدّم اعتراضات معيارية، لكنه لا يبني نموذجًا تفسيريًا بديلًا
كما يتضح في بعض المقاطع أن المؤلف يحمّل المرجعية الدينية دورًا يتجاوز التفسير الاجتماعي إلى التزكية السياسية. ففي أحد المواضع يرد
إن القوى التي تمثل الامتداد الطبيعي لخط أهل البيت هي الأكثر قدرة على حماية المجتمع من الانقسامات التي تحدث عنها الوردي
هذا الربط بين “الولاء الديني” و“تماسك المجتمع” يكشف أن المقصد ليس نقد الوردي من داخل علم الاجتماع، بل استخدام نقده لتدعيم خطاب سياسي–هويّاتي معين
إن القيمة العلمية للكتاب محدودة لكونه لا يناقش الوردي من داخل الإطار السوسيولوجي، ولا يقدم نموذجًا بديلاً لدراسة المجتمع العراقي. لكنه يكتسب أهمية بوصفه وثيقة تبيّن كيف تحاول بعض القراءات العقائدية إعادة تديين المعرفة الاجتماعية وإخضاعها لمنطق الشرعية المذهبية. وهذا الاتجاه يعبّر عن صراع عميق على المرجعية الثقافية في العراق، بين مدرسة الوردي التي تنتمي إلى علم الاجتماع النقدي، وبين خطاب يسعى إلى إعادة تشكيل الوعي عبر سردية الولاء الديني.
يبقى علي الوردي، رغم اختلاف التقييمات حوله، صاحب مشروع علمي قائم على تحليل البنى الاجتماعية لا على تبريرها. أما كتاب الخزعلي، فإنه يدخل في حقل آخر تمامًا: حقل الدفاع العقائدي. ومن هنا، فإن “الجدلية” التي يطرحها الكتاب ليست جدلية علم الاجتماع، بل جدلية الهوية والدين والسياسة، وهي جدلية لا يمكن أن تكون بديلاً عن قراءة علمية رصينة لبنية المجتمع العراقي.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهب ...
- عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله ...
- العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي


المزيد.....




- أشار إلى -سقوط صدام وهزيمة داعش-.. مبعوث ترامب يوجه -رسالة- ...
- الأمين العام للناتو يحذر: -روسيا قد تشن هجوماً على الحلف خلا ...
- غوتيريس: اجتماعات مرتقبة بين الجيش السوداني والدعم السريع في ...
- سرقة أكثر من 600 قطعة تعود لحقبة الإمبراطورية البريطانية من ...
- إلباييس: ترامب لم يرحم قادة أوروبا ووصفهم بالضعفاء
- كوت ديفوار تسعى لنشر طائرات تجسس أميركية للتصدي لمسلحين
- بوتين يجدد دعمه لمادورو مع تصاعد التهديدات الأميركية لفنزويل ...
- أكثر من 12 مليون شخص في ميانمار يواجهون الجوع الحاد العام ال ...
- عدد سكان ألمانيا ينخفض نحو 10 ملايين بحلول 2070
- زيلينسكي يكشف مقترحا أميركيا بشأن دونيتسك ويدعو لاستفتاء


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مالك الجبوري - من علي الوردي إلى قيس الخزعلي: حين يهاجم الوهمُ علمَ الاجتماع