أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عذابُلتي حين تعلّمتُ أن أكتب على شواهد الموت.














المزيد.....

عذابُلتي حين تعلّمتُ أن أكتب على شواهد الموت.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 19:19
المحور: قضايا ثقافية
    


وُلدتُ بلا درعٍ سوى جلدي، وبلا سلاحٍ سوى السؤال، كانت قريتي أول كتابٍ قرأني قبل أن أقرأه، وأول جرحٍ علّمني أن الطفولة ليست وعدًا دائمًا بالفرح، بل امتحانًا مبكرًا للقسوة، هناك حيث كان النهار يتعلّم الشراسة من الليل، وحيث كانت الضحكة تُدفن سريعًا كي لا تثير غيرة الحزن، عرفتُ عذابُلتي للمرة الأولى حين أدركتُ أن البراءة تُعاقَب لأنها لا تُجيد الكذب، وأن الفقر ليس نقصًا في الخبز بل فائضًا في الإهانات، كنتُ طفلًا أعدّ النجوم لأتأكد أن السماء لم تنسَنا، وكلما ازداد عددها قلّ نصيبنا من الرحمة، كبرتُ على صوت الأبواب وهي تُغلَق في وجهي قبل أن أمدّ يدي، وعلى حكايات رجالٍ يعودون من الحقول بأكتافٍ مثقلة وأحلامٍ مكسورة، وعلى أمهاتٍ يُدرّسن أبناءهن فنّ النجاة لا معنى الحياة، وحين قررتُ الرحيل لم أكن أهرب من القرية بل من القرية التي استوطنتني، حملتُ جروحي كما يحمل الفلاح منجله، لا ليحصد بل ليتكئ، وفي المدن اكتشفتُ أن الطعنات أكثر تهذيبًا لكنها أعمق، وأن الوجوه تبتسم وهي تُحصي خسارتك، صرتُ إعلاميًا لأن الحقيقة كانت يتيمة وتحتاج من يتبنّاها، وصرتُ شاعرًا لأن اللغة وحدها قادرة على تضميد ما لا يُرى، كتبتُ لأُبقي قلبي شاهدًا لا جثة، وقرأتُ الموت في وجوه الناس في بلدٍ يسكنه الموت كجارٍ دائم لا يدفع الإيجار، بلدٍ تعلّم الحرف ليوقّع بيانات النعي، ويعلّم الأطفال النشيد قبل أن يعلّمهم الأمان، نزحتُ كما ينزح المعنى من الجملة حين تتكاثر الأكاذيب، مهجّرًا لا لأن البيت تهدّم فقط بل لأن المعنى تهدّم أيضًا، كنتُ أسخر لأبقى حيًا، فالسخرية هنا إسعافٌ أوليّ للروح، وفلسفةُ الفقراء حين تُغلِق الفلسفات أبوابها، قلتُ للعالم إنني بخير وأنا أعدّ الثقوب في صدري، وقلتُ للحياة إنني أحبكِ وهي تختبر صدقيتها في جسدي، كل طعنةٍ علّمتني درسًا في البلاغة، وكل خسارةٍ زادتني فصاحةً في قول لا، تعلّمتُ أن البطولة ليست أن تنتصر بل أن تواصل الشهادة، وأن الكرامة ليست ثوبًا رسميًا بل ندبةً لا تُخفى، وفي المنفى الداخلي حيث الوطن حقيبةٌ ثقيلة، صادقتُ الظلال لأنها لا تخون، وكتبتُ لأن الكتابة وطنٌ مؤقت، وطنٌ من حبرٍ يقاوم الذبح، هنا أنا ابنُ القرية التي أنجبتني كي أكون دليلَ اتهام، والإعلامي الذي يوقّع الخبر بيده ويرجوه أن يكون أقل قسوة، والشاعر الذي يربّت على اللغة لتنام في حضنه، الساخِر الذي يعرف أن العالم مسرحٌ وأن الستارة لا تُسدل إلا على الضحايا، أعيش عذابُلتي لا كشكوى بل كمنهج، وأحوّل جروح الدنيا إلى علامات ترقيم في جملةٍ طويلة اسمها الحياة، جملةٌ بلا نقطةٍ أخيرة لأنني ما زلتُ أتنفّس، وما دام النفس قائمًا فالشهادة مستمرة، وما دام الموت يسكن هذا البلد فالحرف سيظل يقاوم، دفعةً واحدة، كما تعلّمتُ منذ الطفولة: إمّا أن تقول كل شيء، أو تُطعَن بصمت.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَرْخ
- أسطورة التقدّم: هل يتطوّر الإنسان أم تتطوّر أدوات السيطرة عل ...
- الجمجمة الأولى
- قَرِّبْ خُطاكَ
- عندما يرتدي القاضي خوذةً… وتصبح الدولة حاشيةً في بلاط السلاح ...
- إيطاليا… حين تتكلّم الحضارة لغة الشعر
- الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة
- حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض
- بعيدُها
- سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب


المزيد.....




- مصر.. نقل رفات أمير الشعراء أحمد شوقي يثير جدلًا واسعًا وسط ...
- البرهان يجري مباحثات حول السودان مع أردوغان في أنقرة
- دعونا رجلاً إلى منزلنا في عيد الميلاد، فبقي معنا لمدة 45 عام ...
- بعد كشف وثائق جديدة.. ناجية من جرائم إبستين تطالب بتقديم الأ ...
- زيلنسكي يواصل مباحثاته مع الأمريكيين بشأن خطة السلام المعدلة ...
- أردوغان والبرهان يبحثان قضايا التعاون الثنائي
- الأنمي الياباني.. كيف تحوّل من رسوم متحركة إلى ظاهرة ثقافية ...
- نفط فنزويلا.. من بوابة للتعاون مع واشنطن إلى مصدر للصراع
- مقتل 5 في تحطم مروحية على جبل كليمنجارو بتنزانيا
- دليل على القلق.. ناشطون يعلقون على تقرير بشأن الصواريخ النوو ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عذابُلتي حين تعلّمتُ أن أكتب على شواهد الموت.