أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة














المزيد.....

سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 22:03
المحور: قضايا ثقافية
    


ليس سعدون شفيق سعيد اسمًا يُقرأ، بل أفقًا يُسكن.ليس سيرة تُدوَّن، بل أثرًا يتسلل في الذاكرة كما يتسلل الضوء إلى شقوق الحجر، فيغيّره دون أن يكسّره. هو من أولئك الذين لا يمرّون في تاريخ الثقافة العراقية مرور العابرين، بل يتركون في الزمن ندبةً جميلة، تشبه تلك التي يتركها الحب الأول في القلب: موجعة، نبيلة، ولا تُشفى.سعدون شفيق هو ذاك البركان الذي لم يحتج يومًا إلى ضجيج كي يُثبت اشتعاله. كان يثور بالحرف، ويهدأ بالصورة، ويبتسم بالصوت، ويختفي حين يكثر التصفيق. آمن، منذ البدء، أن الإبداع الحقيقي لا يرفع صوته، لأن العمق لا يحتاج إلى صدى. لذلك كتب بصمت الشمس، وصوّر بعين الفيلسوف، ومثّل ببراءة من يعرف أن الفن ليس استعراضًا، بل مسؤولية أخلاقية تجاه الإنسان.في الإذاعة، لم يكن صوته مجرد ذبذبات على أثير، بل كان بيتًا دافئًا للروح. يدخل البيوت كما تدخل فيروز صباحاتنا: بلا استئذان، وبلا ادعاء، وبلا حاجة إلى تعريف. كانت كلماته تُطرّز الصحف كما يُطرّز الربيع أثواب الأرض، وكان عموده النقدي أشبه بمرآة لا تُجامل، لكنها لا تجرح، تقول الحقيقة كما هي، ثم تترك للقارئ شرف التفكير.أما في الصورة، فقد كان سعدون شفيق يحمل الكاميرا لا كآلة، بل كضمير. عدسته لم تكن تبحث عن الجمال السهل، بل عن المعنى المختبئ خلف التعب، عن الإنسان وهو يقف عاريًا أمام الحياة، بلا أقنعة. صوّر الفقر دون شفقة، والفرح دون ابتذال، والحزن دون دموع مصطنعة. كان يرى العالم كما هو، ثم يعيده إلينا أجمل، لأن الصدق في الفن أجمل أشكال الزينة.وفي الكتابة، كان عاشقًا لا يقبل الخيانة.
الحب لديه ليس نزوة لغوية، ولا نزهة عابرة بين القلوب. الحب قدسية، حدّ، موقف. لذلك ثار على الحب حين يتحول إلى سلعة، وحين يُغتصب الضوء باسم العاطفة، وحين تصبح الكلمات مثل “مغنية حي لا تطرب”. كان يرى أن الكلمة التي لا تخلص، لا تستحق أن تُقال، وأن العاطفة التي لا تحمي كرامتها، تسقط في البغاء الرمزي، مهما تزيّنت.سعدون شفيق هو ابن دجلة والفرات حين يتعانقان، لا ليصنعا نهرًا، بل لغة. لغة تعرف كيف تكون رقيقة دون ضعف، وقاسية دون قسوة، عميقة دون تعقيد. لذلك لم يكن غريبًا أن يتجاوز حضوره حدود الوطن، وأن تُقرأ كلماته في صحف العالم، وأن تُعرض صوره في معارض بعيدة، لأن الإنسان، حين يُكتب بصدق، يصبح لغة كونية.
ورغم كل هذا الامتداد، ظل متواضعًا كحكيم يعرف أن المعرفة لا تحتاج إلى استعراض. يكره الشاشات، لأنه يعرف أن بعض الأضواء تسرق من المعنى أكثر مما تضيف إليه. يفضّل أن يترك أثره في النص، في الصورة، في ذاكرة تلميذٍ ما زال يتعلّم، مثلي، كيف يكون الحرف شريفًا، وكيف يكون الإعلام أخلاقًا قبل أن يكون مهنة.اليوم، وأنا أكتب عنه، لا أكتب عن أستاذ فقط، بل عن مدرسة كاملة، عن رجل علّمني أن الإبداع موقف، وأن الكلمة مسؤولية، وأن الشهرة لا تعني شيئًا إن لم تكن خادمة للحقيقة. أكتب وأنا مؤمن أن بعض البشر خُلِقوا ليكونوا جسورًا، نعبرهم، ثم نظل ندعو لهم كلما وصلنا.
في ختام هذا النص، لا أملك إلا أن أتمنى لك، يا أستاذي، الشفاء العاجل، لا لأن الثقافة تخاف غيابك، فهي تعرف أنك باقٍ فيها، بل لأن العالم ما زال بحاجة إلى حكمتك، وإلى بركانك الصامت، وإلى شمسك التي لا تزيدها الكلمات مدحًا، لكنها تزداد إشراقًا كلما أحببناها أكثر.
دمتَ ضياء الحرف، وبركان الكلمة،
ودام أثرك حيًّا فينا… كما أردتَ له دائمًا أن يكون.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة


المزيد.....




- حادثة كارثية.. تسرب 10 أطنان من الخرز البلاستيكي الحيوي إلى ...
- -نؤيد نهج مادورو-.. موسكو تحذّر واشنطن من -خطأ فادح- في سياس ...
- لقطة حفل -كولد بلاي- التي أشعلت الجدل.. السيدة -الخائنة- تكس ...
- لماذا يبدو صوتنا في الرسائل المسجلة غريبا؟
- كيف تمنحك نصف ساعة قراءة نوما أعمق؟
- بعد هجوم تدمر.. هل تخشى واشنطن تكرار انسحاب أفغانستان؟
- خبير أميركي: ترامب يتجه نحو هزيمة قاسية في انتخابات 2026
- اليابان تجبر آبل على فتح متجر التطبيقات وتضرب إيراداته
- تسلح ألماني متصاعد وسط جدل مع واشنطن
- صحفي فلسطيني يكشف تفاصيل صادمة عن انتهاكات جنسية بسجون إسرائ ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة