أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - مرآة الغبار














المزيد.....

مرآة الغبار


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 13:39
المحور: قضايا ثقافية
    


يُقال لنا إن الشمس ما زالت في كبد السماء، وإن الظل مجرد وهم عابر، لكن من يقف طويلاً في الساحة يرى أن الضوء نفسه صار مُتعبًا، وأن المرايا التي عُلِّقت لتجميل المشهد لم تعد تعكس إلا الغبار. حين تُرفع الكلمات إلى مرتبة القداسة، لا لتُنقذ الإنسان بل لتُغلق الأسئلة، تتحول اللغة إلى ستار حرير يخفي تصدعات الجدار. وحين يُطلب من الناس أن يروا الفردوس في أرضٍ تتكاثر فيها الشقوق، يصبح الصمت فضيلة قسرية، ويغدو التأويل حرفة للبقاء.في هذه البلاد، لا تُقاس الأشياء بأسمائها بل بقدرتها على الاختفاء. تُقاس العدالة بمرونتها، والنظام بقدرته على الانثناء، والوعود بطول بقائها معلّقة. تتكدس الأرقام في الذاكرة مثل حجارة على صدر النهر، لا تُقال كي لا تُجرح الآذان، ولا تُنسى لأن الماء يتعثر بها كل صباح. هناك وفرة لا تصل إلى الموائد، وغنى لا يلمس الأيدي، ومياه تمر بين ضفتين ولا تجد طريقها إلى الكأس. المدن تُشيَّد في الخطابات، وتنهار في الواقع بصمتٍ هندسيٍّ دقيق.تتحرك العناوين الكبيرة كالسحب، تُمطر شعارات ثم تمضي، فيما الأرض تزداد عطشًا. يتبدل معنى العمل حتى يصير انتظارًا، ويتبدل معنى الأمان حتى يصير ذكرى، ويتبدل معنى القانون حتى يصير حكاية تُروى للأطفال قبل النوم. تُرفع لافتات الطهارة فوق طرقٍ موحلة، ويُشاد بالعفة في سوقٍ يُقايَض فيه كل شيء، وتُغنّى الأخلاق بنبرة عالية كي لا يُسمع صرير الفساد وهو يفتح أبوابه الواسعة.في الزوايا، تتكاثر بيوت بلا خرائط، وأحلام بلا عقود، وأجيال تتعلم المشي فوق أسلاك عارية. تُكتب قصص البطولة بحبر كثيف، ثم تُترك الصفحات بلا عناوين حين يصل الجرحى إلى آخر السطر. تُستدعى الذاكرة في مواسمها، وتُنسى في مواسم الحساب، وكأن الدم مؤقت، وكأن الأرامل والأيتام أرقام مؤجلة إلى إشعار آخر.المدينة التي تحرسها الكلمات الكبيرة لا تنام، لكنها لا تستيقظ أيضًا. يمر الأمان من الشوارع متخفّيًا، وتتحول الجريمة إلى همسٍ يومي، والفقر إلى لباسٍ اعتيادي، والنظافة إلى أمنية، والبناء إلى صورة مؤجلة. أما الجواز الذي يُفترض أن يكون جناحًا، فيصير ورقة ثقيلة لا تطير، تُذكّر صاحبها بأن الحدود أوسع من الحلم.وفي قلب المشهد، تتجاور العمائم والبدلات في حفلة مرايا، كلٌّ يرى نفسه مُصلحًا، وكلٌّ يتحدث باسم الغائبين، بينما الغائبون حاضرون في الطوابير، في المستشفيات، في المقابر الصغيرة التي لا تظهر في الصور الرسمية. يُقال إن السيادة محفوظة، فيما أكبر المفاتيح في يدٍ أخرى، وإن القرار وطني، فيما البوصلة تُضبط من خارج الخريطة.ليست المشكلة في الإيمان ولا في السياسة، بل في تحويلهما إلى مظلات لا تقي من المطر بل تُخفي السماء. ليست المشكلة في الفتوى ولا في الشعار، بل في المسافة بين القول والفعل حين تتسع حتى تبتلع المعنى. حين تُسلَّم القوة إلى الضعف الأخلاقي، ويُترك السلاح بلا ضمير، يصبح الأمن حكاية تُروى على هامش الأخبار.هذا ليس اتهامًا ولا بيانًا، بل قراءة في مرآة مكسورة. من أراد أن يرى الجنة، فليصلح المرآة أولًا، ومن أراد أن يُسكت الأسئلة، فليُجب عنها بدل أن يرفع الصوت. فالأوطان لا تُدار بالتحريم وحده ولا بالتصفيق، بل بالعدل الذي لا يختبئ، وبالعمل الذي لا يحتاج إلى تفسير، وبالإنسان حين يكون هو المرجع الأخير.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها


المزيد.....




- فيديو كيف استقبل ترامب رفات الجنديين المقتولين بكمين داعش في ...
- بعد تعهد ترامب بالانتقام لهجوم سوريا.. الجيش الأمريكي ينشر س ...
- سوريا.. أول تعليق رسمي على وقف مجلس الشيوخ قانون قيصر كاملا ...
- ما هي الخطوات الـ 4 لتجنب نوبات غضب الأطفال في عيد الميلاد؟ ...
- كأس العرب: طموح أردني بلقب أول، وسعي مغربي لمواصلة سجل الإنج ...
- 4 قتلى في ضربة أميركية على سفينة في الهادئ وفنزويلا تطلب اجت ...
- أديلسون تعيد جدل ولاية ترامب الثالثة بعرض تبرع سخي
- ترامب: أوقفت 8 حروب.. ولدينا أقوى جيش في العالم
- بعد إشادة زيلينسكي.. محادثات أميركية روسية بشأن أوكرانيا
- -أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل-.. هل تمهد للقاء بين نتنياهو ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - مرآة الغبار