أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..














المزيد.....

تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 06:33
المحور: قضايا ثقافية
    


لم أجد، وأنا أعبر دهاليز الحوارات السياسية وأستمع إلى أصواتٍ تزدحم بالادعاء، قائدًا يليق بالعراق، ذلك الاسم الذي خرج من طينه الحرف الأول، وسُقيت من نهريه علوم العالم. كل ما وجدته وجوهًا تتبدل ولا تتطهر، وخطابات تتكاثر ولا تُثمر، وسكاكين تُشحذ في خاصرة وطنٍ ظنّوه غنيمة، والمنصب فيه بابًا للسرقة، والشعب جمهورًا للتصفيق على مآسٍ لم يخترعها إلا العجز حين يلبس ثوب البلاغة. هكذا صار الوطن مسرحًا، والجرح ديكورًا، والدم خبرًا عاجلًا يتبدل مع نشرة المساء.
في هذا المشهد، لم تكن القذارة حادثة عابرة، بل نظامًا، ولم يكن التشرذم طارئًا، بل عقيدة. السياسة هنا لم تعد فن الممكن، بل صناعة المستحيل الأخلاقي، حيث تُستباح اللغة، ويُداس المعنى، وتُغسل السرقة بماء الشعارات. وحين يتقدم الجهل إلى المنصة، تُقدّس العمامة بوصفها عقلًا بديلًا، ويُختصر الدين في رجلٍ واحد، زُرع في قلب الأمة ليُفرّقها، وما زال الناس يموتون من أجله كأنهم دمى بلا بوصلة، لا يرون أن الوطن أكبر من الجميع، وأن الدين طريقٌ إلى الله وتطهير للروح، لا أداة في يد شيطانٍ ملتحٍ يفتي ويقتل وفق مقاس مصلحته.
ما جرى ليس صدفة، بل مشروعٌ سياسي عالمي، تُغيّر فيه أسماء الأشياء كما تُغيّر الأقنعة. الإرهاب يتحول بحسب الحاجة، والمقاومة تُباع وتُشترى بحسب السوق، والوطن يُكمّم باسم الرؤية الصحيحة. تُختطف الكلمات من معناها، فتغدو الخيانة اجتهادًا، والنهب ضرورة، والدم مبررًا. وفي هذا الاضطراب، تُسحق الحقيقة تحت أقدام أيديولوجياتٍ تتقن الضجيج وتخشى الضوء.حين نقارن، لا لنمجد الماضي بل لنفهم الحاضر، تتكشف الفروق الفادحة. مقاومة عمر المختار لم تكن عرضًا عسكريًا، بل سلوكًا أخلاقيًا؛ مقاومات العرب في العراق والجزائر ومصر كانت تضحية بلا مِنّة، وإجادة للنفس قبل السلاح، ولم نقرأ يومًا فتوى تُكفّر المجتمع، ولا يدًا تقتل شبهةً لتصنع بطولة. وحتى فيتنام، في أنفاقٍ ضيقة كانت قبورًا مؤجلة، مات أصحابها جوعًا، عاشوا مع القمل والدود والثعابين، تقاسموا رزًا يابسًا وانتظروا العدو بلا ملل، لا ترف، لا ملاهٍ، ولا كاميرات تُلمّع الجراح. هناك كانت المقاومة صبرًا طويلًا، وصدقًا أقسى من الرصاص.أما اليوم، فقد وُلدت مقاومة ببدلاتٍ مكوية، تقاتل وهي تملك مفاتيح الملاهي، تسيطر على رؤوس الدولة ولا تعرف من تقاوم. مافيات مالٍ ترتدي لغة البنادق، تُتقن إدارة الصورة وتجهل معنى التضحية. أنفاق تُفتح للشعارات وتُغلق على الحقيقة، وشعب يموت جوعًا، فيما الوجوه الخارجة من تحت الأرض لم يمسّها الغبار. ليست المشكلة في السلاح، بل في المعنى حين يُفرغ، وفي الفكرة حين تتحول إلى متجر.
هذه المقاومة الحديثة لم تنبت من تربة الحرية، بل من أيديولوجيات المتأسلمين، حيث تُستعاد نظريات التكفير لتبرير السيطرة، ويُقتل المجتمع أكثر مما تُصاب عاهرة في ملهى بعيد. يُختصر الإيمان في قسوة، ويُستبدل العقل بالفتوى، وتُشنق الأسئلة باسم اليقين. هكذا تُختطف الروح من جسد الوطن، ويُعاد تعريف البطولة بوصفها قدرة على الاستحواذ لا استعدادًا للفداء.القيادة الناجحة، إن أردنا تعريفها خارج القواميس، ليست صوتًا أعلى ولا قبضة أشد، بل أخلاقٌ تمشي على قدمين، وقدرة على الإصغاء قبل الأمر، وشجاعة في حماية المعنى قبل حماية الكرسي. هي عقلٌ يرى أبعد من اللحظة، ويعرف أن السلطة اختبار، وأن الدولة ليست غنيمة، وأن الشعب ليس جمهورًا. القيادة هي أن تُنقذ الوطن من نفسك، لا أن تنقذ نفسك باسم الوطن.العقول حين تتوقف عن التفكير، لا تموت فجأة، بل تتخشب ببطء، تتعوّد الطاعة، وتكره السؤال، وتستعير يقينها من الآخرين. وحينها يصبح الاستبداد أسلوب حياة، ويغدو الفساد ثقافة، وتتحول الخسارة إلى قدر. إن استعادة العقل ليست ترفًا فكريًا، بل شرط نجاة، واستعادة الأخلاق ليست خطبة، بل سياسة يومية تبدأ من الاعتراف بأن الوطن ليس ساحة تصفية حسابات، ولا منصة أيديولوجيا، بل بيتٌ إن تهدم، لن ينجو أحد.ليس المطلوب أن نلعن الظلام، بل أن نسمّي الأشياء بأسمائها. السرقة سرقة، ولو تزيّت بالمقاومة. التكفير قتل، ولو استند إلى نصٍ مبتور. والقيادة خيانة حين تنسى أن التاريخ لا يرحم، وأن الشعوب قد تصبر طويلًا، لكنها لا تنسى. العراق، الذي علّم العالم الحرف، لا يستحق أن يُدار بالضجيج، ولا أن يُختصر في وجوهٍ عابرة. يستحق قيادة تُعيد للمعنى هيبته، وللوطن قدسيته، وللعقل حقه في السؤال. حينها فقط، يمكن أن تعود المقاومة اسمًا لما هي عليه: حماية الحياة، لا تجارة بالموت.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها


المزيد.....




- خريطة تحرك المسلح وأين الموقع المختار لتنفيذ إطلاق النار بجا ...
- حشود السياح تؤدي إلى فرض رسوم دخول على مزار رومانسي شهير في ...
- -انتقام خطير جداً-: ترامب يهدد داعش بعد مقتل 3 أمريكيين في ك ...
- بعد مقتل شخصين.. الشرطة الأميركية تبحث عن مطلق النار بجامعة ...
- غضب في يافا بعد اعتداء إسرائيليين على فلسطينية حامل وأطفالها ...
- مغردون: هل يعرقل هجوم تدمر التقارب السوري الأميركي؟
- نيجيريا تنفي صلتها بناقلة نفط احتجزتها القوات الأميركية
- حماس بذكرى انطلاقتها: نرفض الوصاية على غزة ونتمسك بحق المقاو ...
- غوتيريش يطالب بمحاسبة المسؤولين عن مقتل الجنود الأمميين بالس ...
- غارديان: من يقف وراء سياسة ترامب الخارجية المعادية لأوروبا؟ ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..