أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها














المزيد.....

المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 19:11
المحور: قضايا ثقافية
    


لم تكن حكاية لونا الشبل مجرد خبر عابر في شريط سياسي مضطرب، بل كانت أقرب إلى اختبار وجودي لمعنى السلطة حين تتجاوز الإنسان وتعيد صياغته على هيئة ظلّ خفيف يسير في بهو القصر. في السرد السوري الذي امتلأ بالوجوه العابرة، كانت لونا وجهًا أراد أن يبقى، وأن يفرض حضوره في ممرات لا يُسمع فيها سوى صدى القرارات. ومن هذا الصدى خرجت الحكاية التي انتهت بضربة واحدة على مؤخرة الرأس؛ ضربة لا تشبه مصائر البشر، ولا تشبه الحوادث كما روّجوا لها، بل تشبه فلسفة الأنظمة حين تُقرر أن صفحة ما قد امتدت أكثر مما يجب.
ولدت لونا في دمشق، المدينة التي تُنجب أبناءها مع وصايا الناجين. نشأت بين أمّ بعثية صارمة وأبٍ غادرته الروابط، فكبرت وهي تفهم باكرًا أن الانتماء ليس عقد دم، بل اختيار طريق. درست الفرنسية، وعملت في محلات صغيرة، ثم وجدت نفسها فجأة في قلب الشاشة: التلفزيون السوري، ثم الجزيرة، فالحروب الكبرى، فمحكمة صدام، فحرب لبنان… وكانت شهرتها تتضخم مع كل حدث كأنها تصعد السلم المعنوي للمنطقة بحيوية من يعرف أن الضوء لا ينتظر المترددين.
لكن الضوء الذي يلمع طويلاً يبدأ بتكوين ظلّ كثيف خلفه، ومع هذا الظل بدأت لونا رحلة أخرى، رحلة كشفت فيها عن وجه مختلف. تركت الجزيرة دون تبرير، لتعود إلى دمشق، وتُضع يدها في يد النظام الذي كانت تنتقده المحطات التي عملت فيها. وهنا تبدأ اللعبة الكبرى: الإعلامية اللامعة تتحول إلى مستشارة للرئاسة، ثم إلى صوتٍ لا ينازع في القصر، ثم إلى منافس خفيّ لسيدات السلطة، وفي مقدّمتهن أسماء الأسد.في العالم العربي، حين تدخل امرأة جميلة، ذكية، طموحة إلى مركز صناعة القرار، يحدث خلل في ميزان القوى، ليس لأنها امرأة، بل لأنها تُذكّر الجميع بأن النفوذ في الشرق ليس وراثة بل مهارة في الرقص على حبال الخطر. ولونا كانت تجيد الرقص. أطاحت بمنافسات، توسعت صلاحياتها، تدفقت الأموال نحوها، صارت وسيطة بين دول، وتخطّت حدود الدور المسموح به. ومع ازدياد الحظوة ازداد عدد العيون التي تراقبها من وراء ستائر القصر، عيونٌ تحمل شكوكًا، وتقرأ الطموح كخيانة، والثراء كدليل، والاقتراب من الملفات الإيرانية كعبور نحو القنبلة.ومثل كل كارثة تبدأ بغمزة، انطلقت الشرارة عندما هزَّت صواريخ إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق. كان الحدث بمثابة انفجار في غرفة مظلمة داخل النظام، انفجار جعل الجميع يبحثون عن «الجاسوس» الذي عرف التوقيت والمكان. وقد وجدوا الاسم جاهزًا: لونا. فهي الأقرب إلى الدائرة، والأكثر حضورًا في الاجتماعات، والأشد جرأة في التعبير عن كرهها لإيران، وهي صاحبة ثراء لا يناسب راتبها الجديد، وهي التي لا تُحب القفازات في العمل. فجأة تحوّلت من مستشارة محمية إلى هدف معلّق على جدار الاتهام.في السياسة السورية، الاتهام لا يحتاج إلى دليل؛ يكفي أن يتلاقى ضغط الإيراني مع حساسية أسماء الأسد مع ارتياب الأجهزة الأمنية، لكي يتحول الإنسان إلى «ملف». ومع الوقت صار الملف أكبر من صاحبه، وصار السؤال: هل كانت لونا جاسوسة لإسرائيل؟ أم لروسيا؟ أم ضحية حرب صلاحيات بين امرأتين داخل القصر؟ أم مجرّد ورقة أُحرقت لأنها أصبحت أثقل من أن تُحمَل؟..الفلسفة لا تبحث عن الجواب، بل عن طبيعة السؤال. والسؤال هنا: لماذا تُقتل امرأة تُمسك بخيوط الدولة ثم تُدفن كأنها لم تكن؟ ما هذه المعادلة التي تصنع الذروة ثم تمحوها؟
الجواب يكمن في طبيعة السلطة حين تتحوّل إلى كائن مستقلّ، كائن يعيش على الخوف ويُغذّي نفسه بالضحايا القريبين منه. وكلما اقتربت لونا من دائرة الضوء، اقتربت من منطقة محرّمة لا يخرج منها أحد سالمًا. كانت تحلم أن تكون السيدة الأولى حين أعلن عن مرض أسماء، وكانت تصرّح بذلك، علمًا أو ظنًا، إلى أصحاب ألسنة طويلة. وقد وصلت كلماتها أسرع مما توقعت إلى المرأة التي تتقن فن الانتقام الصامت.عندما ضُربت القنصلية الإيرانية، صار الاتهام سلاحًا في يد الجميع: سلاحًا يُسكت طموحها، يُرضي إيران، يُعيد التوازن لأسماء، ويفتح أمام بشار بابًا لينقذ نفسه من غضب الحلفاء. ومع هذا التقاطع في المصالح، صار موتها ضرورة سياسية لا جريمة شخصية. حتى طريقة الموت نفسها تحمل هذا الطابع: ضربة واحدة من خلف الرأس، ضربة لا تترك مجالاً للشك، ولا تحتاج إلى سيارة محطمة ولا إلى رواية طويلة. ضربة تنتمي إلى معجم المخابرات، لا إلى الطرقات.وصلت سيارات الأمن قبل الإسعاف، أُخذ الهاتف قبل الجثة، اختفى الشقيق، غاب الزوج، وانتهى المشهد كما تنتهي المسرحيات الرديئة: ستارة تُغلق دون أن يُقال من قتل البطلة أو لماذا. وفي الرابع من يوليو، أُعلن خبر وفاتها في سطرين فقط. كأن امرأة قضت عشرين عامًا في الواجهة لا تستحق أكثر من جملة عابرة.هل كانت جاسوسة؟ ربما. هل كانت طموحة أكثر مما يجب؟ بالتأكيد. هل كانت تعرف أن اللعب مع الأنظمة يشبه عبور حقل ألغام؟ نعم، وربما ظنّت أنها أذكى من الحقل ومن الألغام ومن الحراس. لكن الحقيقة أن النظام، أي نظام، لا يسمح لأحد أن يعرف أكثر مما ينبغي، ولا يسمح لأحد أن يكبر خارج قُطر دائرة الضوء.في النهاية، تبدو قصة لونا الشبل هي قصة السلطة حين تأكل أبناءها؛ قصة امرأة أرادت أن تصنع قدرها فصنع لها القدر قبرًا. قصة تُثبت أن أخطر موقع في الشرق ليس المعارضة، بل الاقتراب المفرط من العرش. وأن أجمل النساء، وأفصح الإعلاميات، وأذكى المستشارات… يمكن أن يتحوّلن في لحظة واحدة إلى «خطر يجب إزالته».
هكذا انتهت لونا: بين سيناريوهاتٍ تتصارع، واتهاماتٍ تتكاثر، وحقيقة ضائعة لم تُكتب بعد. لكنها تركت وراءها سؤالًا أكبر من موتها: ما قيمة الذكاء والطموح والجمال حين يتحول الإنسان إلى رقم في دفتر الأمن؟ وما معنى النفوذ في قصرٍ لا يعترف إلا بمن يبقى صامتًا خلف الستار؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-
- -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-
- جريمة قتل الانتماء… حين ينجو الوطن ويُقتل المواطن
- -عندما يبدّل الناس وجوههم عند عتبة الباب-


المزيد.....




- مقتل مراهق على يد ضابط يفتح الباب أمام تسوية قياسية في سان د ...
- تحذير ياباني من تسونامي بعد زلزال بقوة 7.6 درجة ريختر
- ماذا تعني -سيطرة- قوات الدعم السريع على منطقة هجليج النفطية؟ ...
- إيلون ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بـ-ألمانيا النازية-.. وبرو ...
- -مراكز عودة- وعقوبات صارمة.. دول الاتحاد الأوروبي توافق على ...
- تجدّد الاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا بعد أقل من شهرين على ا ...
- إيران تحاكم مواطنًا من حَمَلة الجنسية الأوروبية بتهمة -العما ...
- بعد عام على سقوط نظام الأسد.. مصاعب من نوع آخر تلاحق السوريي ...
- اليابان تصدر تحذيرا من تسونامي بعد زلزال قوي بقوة 7,6 درجات ...
- مباشر: الشرع يلقي كلمة في الذكرى الأولى لسقوط بشار الأسد


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها