أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج














المزيد.....

فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 00:21
المحور: قضايا ثقافية
    


في الأزمنة التي يُختَبر فيها صدقُ الروح قبل جمال الصوت، يبرز اسم الفنان الكبير سعدون جابر بوصفه واحدًا من ثوابت الوجدان العراقي، ذلك الصوت الذي وُلد في أحلك الفترات وأكثرها التباسًا ليمنح العراقيين نافذة ضوء على عالم كان يتداعى من حولهم، وليحمل في حنجرته ما يشبه طمأنينة الموج حين يهدأ وصلابة النخل حين يواجه الريح. لم يكن مجرّد مطرب، بل حالة وطنية كاملة، امتدادًا لعصرٍ كانت فيه الأغنية صوتًا للناس لا صوتًا عليهم، وكانت فيه الرموز تُبنى بالفعل لا بالضجيج، وبالصدق لا بالتصريحات العابرة. وفي زمنٍ صار فيه الخبر كالرصاصة، والإشاعة أقدر على اختطاف الحقيقة من حناجر أصحابها، وجد هذا الفنان نفسه أمام موجة تسقيط رخيصة لا تشبه تاريخه ولا تليق بمكانته، حين أُطلقت شائعة تكريمه بأرضٍ أو قطعةٍ حكومية، وكأن الوطن قد نسي أن هذا الرجل حمل اسمه إلى العالم يوم كانت البلاد تنزف، وأن صوته كان يحرس ذاكرة العراقيين في الحرب كما كان يواسيهم في السلم. والحقيقة التي ينبغي أن يعرفها الناس – لأن لا شيء أصدق من الكلمة حين تخرج من فم صاحبها – هي ما قاله الفنان سعدون جابر نفسه: «خمس دوانم اشتريتها عام ٧٩… زرعتها وصارت بستانًا جميلاً… جاءت الطرق والجسور تريد أن يمر جسر الغزّة عليها وتُصادَر… رفضتُ التعويض المادي وقدمتها للدولة مجانًا بلا مقابل… الدولة أكبرت موقفي وقررت منحي دونمًا واحدًا في مكان آخر… ثم صدر قرار مجلس الوزراء ببيع دونم واحد من القطعة المرقمة تقديرًا لمسيرتي الفنية… حدثت الضجة… وراحت الأرض… لكنني مرتاح لأن الأرض خُصصت لجسرٍ يخدم الناس.» هكذا ببساطة نكتشف أن القضية لم تكن “هبة” ولا “مكرمة”، بل موقفًا أخلاقيًا لرجل قدّم الأرض للدولة لا ليكسب، بل لأنه آمن أن مصلحة الناس أهم من امتلاك الدونمات، وأن كرامة الوطن أغلى من المساحات. وهذا الموقف وحده يكفي ليبيّن لأي منصف من هو سعدون جابر، ولماذا لا يمكن أن تليق به الإشاعات مهما علا صراخها. إن احترام الفنان ليس ترفًا، بل احترام للتاريخ الثقافي للعراق، فالفنانون الكبار هم ذاكرة وطنية لا تقل قداسة عن المبدعين الذين صنعوا وجدان هذا البلد. وسعدون جابر لم يكن يومًا بعيدًا عن العراق رغم غربته الطويلة في أمريكا، فقد ظل يحمله في صوته كما يحمل المسافر ماء دجلته في جيبه، ولم يتغيّر فيه شيء سوى حجم الحنين الذي ظلّ يقتات من روحه ويعيده دائمًا إلى وطنه الأول. نحن هنا أمام فنانٍ لا يشبه سواه، فنانٍ تشكّل في زمن الجمال الحقيقي، يوم كانت الأغنية تزرع معنى لا تُصنع في غرف الاستسهال، ويوم كان الفنان يُختبر بإنسانيته قبل صوته، وبموقفه قبل شهرته. فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما يُقال حقيقة، والضجيج لا يملك يومًا أن ينتصر على تاريخٍ من الضوء. لذلك، حين نتحدث عن سعدون جابر، فنحن نتحدث عن مدرسة وطنية لا تتكرر، عن أغنيةٍ حملت العراق إلى العالم لا لتتباهى به، بل لتقول إن في هذا البلد ما يستحق أن يُسمَع وما يستحق أن يُصان. ومن الظلم أن يُحاكم فنان بهذا الحجم بشائعة، أو يُختزل تاريخه كله في خبرٍ مبتور أو منشورٍ عابر. إن سعدون جابر هو امتدادٌ لجيلٍ كامل آمن بأن الفن رسالة، وبأن الانتماء هوية لا تتغيّر بتغيّر الأمكنة. واليوم، حين نعيد قراءة قصته مع تلك الأرض، نكتشف أننا أمام رجلٍ قدّم الأرض للدولة، وقدّم روحه للفن، وقدّم صوته للعراق. وما قدّمه يبقى أكبر من أي تشويه، وأعمق من أي ضجيج. إنه ببساطة: فنان في زمن الجمال… فنان لا يمكن أن يتكرر.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-
- -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-
- جريمة قتل الانتماء… حين ينجو الوطن ويُقتل المواطن
- -عندما يبدّل الناس وجوههم عند عتبة الباب-
- الإنسان الممسوح: حين تُلغى الذاكرة باسم الحماية
- نهاية الشعر وبداية الصمت
- صباحُكِ ريما... حينَ تبتسمُ الحياة
- نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة
- العراق... حين تنتخب الظلال نفسها
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد


المزيد.....




- FBI يقبض على رجل للتحقيق بشأن زرع قنابل أنبوبية قابلة للانفج ...
- اتهامات لوزارة الخارجية البريطانية بتعديل تقرير حذّر من إباد ...
- الواقع الافتراضي يهرب بأطفال غزة بعيدا عن أهوال الحرب
- تهم بالفساد تدفع وزيرة الخارجية السابقة للاتحاد الأوروبي للا ...
- يوروفيجن 2026: دول أوروبية تعلن مقاطعة المسابقة بعد قرار عدم ...
- الشباب الأميركي لا يحب أخبار السياسة وتجذبه قضايا الترفيه
- قطر تطلق مبادرة عاجلة لدعم ضحايا الفيضانات في سريلانكا وفيتن ...
- تركيا تستدعي ممثلي روسيا وأوكرانيا بشأن استهداف سفن بالبحر ا ...
- الأمير هاري يسخر من ترامب في برنامج تلفزيوني
- بعد صدور حكم بسجنه 12 عامًا.. السلطات التونسية تعتقل المعارض ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج