أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة














المزيد.....

ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 11:41
المحور: قضايا ثقافية
    


في البدء، لا تولد الكلمات كما يتصوّر القارئ. ليست طائرةً تنزل على الورق فوراً، ولا تهاجر كما الطيور في مواسمها. الكلمات الحقيقية تولد في الظلّ، في تلك البقعة التي لا يراها أحد، حتى الكاتب نفسه. هناك، داخل الغرفة السرّية للروح، يتشكّل النصّ خفيفًا مرتجفًا، كوميض يلمع ثم يخبو، كمن يخشى أن يوقظ العالم من نومه. وربما لذلك تبدو الكتابة مطاردةَ شبح: الاقتراب من صوت يبتعد، الركض وراء جملة تتشكّل ثم تتلاشى، كأنها تتدلّى من حافة الحلم ولا تريد السقوط.الكتابة الظلّية ليست نصوصًا ناقصة، بل نصوصٌ كاملة ترفض الخروج إلى العلن. هي القصائد التي تمرّ على نافذة العقل ثم تذوب، والروايات التي تكتمل نهاياتها في داخل الكاتب لكنها ترفض الحبر كأنّه قيد. في تلك اللحظة يدرك المبدع أنّ بعض النصوص خُلقت لتعيش في الرأس فقط؛ لترافقه، توقظه في الليل، تذكره بأنّ الروح أوسع من دفاتر، وأنّ ما يفلت من القلم يظلّ حاضرًا في الأعماق.وجمال هذه الكتابة أنّها حرة إلى حدّ التمرّد. لا نحو يضبطها، ولا وزن يقيدها، ولا قارئ ينتظرها. هي الأدب في صورته الأولى: الخام، اللامروّض. نسخة سريّة من الإبداع لا تُقاس بالجمل بل بالنبض، لا تبنى بالحروف بل بالهاجس. وكلّما حاول الكاتب القبض عليها، أفلتت منه كالماء. فبهاءها قائم على مرورها الخاطف، على كونها عابرة كمجرى الضوء عبر ستارة لا تستقرّ في الغرفة.أعرف، كما يعرف كل كاتب صادق مع نفسه، أنّ هناك قصائد أجمل مما كتبت، لكنها لم تُفتح له في لحظة التدوين. بقيت مختبئة في ظلّ ما، في طبقة من الوعي لا يصلها الضوء. وأعلم أنّ أعظم الروايات التي حلمت بها لم تتجسّد، لكنها هي التي منحت الروايات المنشورة ذلك الإشراق الغامض الذي لا تفسير له. فالنصوص المطبوعة ليست إلا ظلالًا للنصوص غير المكتوبة؛ ظلالٌ تقف على الورق بينما يقف الأصل في الداخل، في المكان الذي لا يدخله أحد.وهنا يكمن سرّ الشعور الأبدي بأنّ الكتابة لا تكتمل. ليس لأن الكاتب عاجز، بل لأن الجزء الأجمل منه يظلّ معلّقًا في الظلّ: الجزء الذي يتنفّس في العتمة، الذي يخاف الضوء، الذي يدرك أن ظهوره الكامل قد يقتل سحره. فالكتابة ليست ما ندوّنه فحسب، بل ما نضيّعه أيضًا. إنّ ما لا نكتبه هو الذي يخبرنا من نحن، أكثر من الصفحات التي نوقّعها وننشرها.الكتابة الظلّية إذن ليست غيابًا بل حضورٌ من نوع آخر. ليست نقصًا بل فائض معنى. إنها العالم الموازي الذي يمشي بجانب الكاتب كظله، يهمس له، يدفعه، يقوده نحو النصّ الذي يجب أن يُكتب. وما بين الضوء والعتمة، بين الحبر والروح، يولد الأدب الحقيقي: أدبٌ لا يُكتب لكنه يُنير كلّ ما يُكتب، أدبٌ يعرف طريقه إلى القلب قبل أن يعرف طريقه إلى الصفحة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-
- -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-


المزيد.....




- السودان.. الجنائية الدولية تصدر حكما على القيادي بـ-الجنجاوي ...
- المقاتلات الأميركية تقترب من فنزويلا.. ومادورو يشتكي مازحًا ...
- برلين تعزز حماية الصحفيين من الدعاوى التعسفية العابرة للحدود ...
- وكالة المغرب العربي للأنباء: مقتل 19 شخصا جراء انهيار بنايتي ...
- مقتل 12 شخصا بحريق في مبنى سكني جنوبي الصين
- كندا تطلق خطة بمليار دولار لاستقطاب كبار الباحثين
- تايلند وكمبوديا تجليان نصف مليون مدني بسبب الاشتباكات الحدود ...
- الأيوبي.. قصة دبلوماسي سوري عائد إلى دمشق بعد انشقاقه عن الأ ...
- رمزي صالح يكشف للجزيرة مفاجآت عن مسيرته في النادي الأهلي
- المعارضة الفنزويلية ماتشادو تغيب عن حفل تسلم جائزة نوبل للسل ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة