أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة














المزيد.....

الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 09:49
المحور: قضايا ثقافية
    


في الأزمنة التي يختلط فيها الغبار بالضوء، ويُقاس فيها الرأي بميزان الرضا لا بميزان الحقيقة، يصبح النقد جريمة، ويغدو الصمت فضيلة مُكافأ عليها. هكذا، وبلا مقدمات، وجدنا الفنان محمد صبحي واقفًا في قفص الاتهام، لا لأنه ارتكب خطيئة فنية، ولا لأنه مسّ مقدسًا سياسيًا، بل لأنه قال رأيه بصوت واضح في عمل فني حمل اسم “الست”، وتناول رمزًا بحجم أم كلثوم، تلك التي لم تكن يومًا مجرد صوت، بل ذاكرة أمة ووجدان تاريخ.محمد صبحي، لمن نسي أو تناسى، ليس عابرًا في سجل الفن المصري، ولا طارئًا على الوعي العربي. هو ابن المسرح الذي لم يعرف الخضوع، وتلميذ الفكرة التي لا تنحني، وصاحب مشروع فني ظل لعقود مشاكسًا للسلطة حينًا، وللسوق حينًا آخر، وللرداءة في كل حين. رجلٌ اختار أن يدفع ثمن مواقفه من رصيده الشخصي، لا من كرامته، فخسر أضواءً وربح احترامًا، وخسر فرصًا وربح تاريخًا.
حين انتقد محمد صبحي الفيلم، لم يكن يجلد أشخاصًا، ولم يعلن حربًا على دول، ولم يتطاول على رموز سياسية أو دينية، بل مارس أبسط حقوق الفنان والمثقف: أن يقول إن هذا العمل لا يليق بصورة رمز بحجم أم كلثوم. لكن في زمن الإعلام المُعلّب، يصبح الرأي الحر تهديدًا، ويغدو النقد الفني “تجاوزًا للحدود”، وتتحول الشاشات إلى ساحات تخويف، لا منصات حوار.ما الذي حدث؟ فجأة اشتغلت ماكينة الصراخ. خرج علينا إعلاميون لا نراهم إلا حيث تكون الرائحة أقوى من الفكرة، وحيث يكون الولاء أعلى من الموهبة، يوزعون الاتهامات كأنها بيانات رسمية، ويصنعون من الرأي الفني قضية أمن قومي. أحدهم يهاجم، والآخر يهدد، وكأن محمد صبحي قال ما لا يُقال، لا لأنه أخطأ، بل لأنه لم يستأذن.
المفارقة الساخرة أن الهجوم لم يكن دفاعًا عن الفن، ولا عن التاريخ، ولا حتى عن الجهة المنتجة، التي سارعت أصلًا إلى نفي علاقتها بالفيلم. الهجوم كان دفاعًا عن منطق أخطر: منطق إسكات الأصوات التي لا تُدار بالريموت، ولا تُشترى بالإقامة الفندقية. رسالة مبطنة تقول: انتقد كما نشاء، واصمت حيث نشاء، وإلا فالإعلام جاهز، والتهديد على الهواء.هنا، لا يعود السؤال عن فيلم، ولا عن أم كلثوم، بل عن معنى الفن نفسه. هل صار الفنان مطالبًا أن يصفق فقط؟ هل تحوّل النقد إلى جريمة، إذا صدر من قامة لا يمكن كسرها؟ أم أن المشكلة الحقيقية أن محمد صبحي ليس “ضعيفًا”، ولا “مبتدئًا”، ولا قابلًا للتطويع؟
في التاريخ، لم يكن محمد صبحي فنان تسلية، بل فنان موقف. وقف ضد الاستسهال، وضد تسليع الفن، وضد تحويل المسرح إلى نكتة عابرة. دافع عن العقل في زمن الضجيج، وعن القيم في زمن البيع بالجملة. ولذلك، لم يكن غريبًا أن يُهاجم اليوم، فالأشجار المثمرة وحدها تُرمى بالحجارة، والصقور وحدها تُزعج الذباب، لأنها تحلق عاليًا، حيث لا تصل الأجنحة الواهنة.الإعلام الذي يهاجم اليوم محمد صبحي ليس إعلامًا غيورًا على الفن، بل إعلام يخاف من الفن الحقيقي، لأن الفن الحقيقي يفضح، ويسأل، ويقلق. أما الإعلام المُدجّن، فيكره الأسئلة، ويعشق التعليمات، ويجد في التهديد لغة أكثر راحة من الحوار.محمد صبحي سيبقى، لأنه جزء من ذاكرة لا تُمحى، ومشروع لا يُختصر، وقيمة لا تُقاس بنسب المشاهدة. أما الذين يصرخون اليوم، فسيذوبون غدًا في أرشيف النسيان، لأن التاريخ لا يتذكر الضجيج، بل يتذكر من قال “لا” حين كان الصمت أكثر أمانًا.احترموا أنفسكم قبل أن تطلبوا من الآخرين أن “يلتزموا حدودهم”. فالفن بلا نقد زينة بلا روح، والإعلام بلا أخلاق مجرد ضوضاء، ومحاولة تكميم قامة بحجم محمد صبحي لن تصنع لكم مجدًا، بل ستضيف سطرًا جديدًا في سجل الرداءة.وفي النهاية، سيبقى الفرق واضحًا:الصقور تحلّق في السماء الصافية،
أما الذباب… فلا يعيش إلا حيث الجيف.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض
- بعيدُها
- سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-


المزيد.....




- لأول مرة منذ قرن.. رصد خبراء الحياة البرية حيوانًا نادرًا يش ...
- مقتل عدة أشخاص في هجوم مميت بسكين في تايوان.. شاهد ما حدث
- غزة.. 5 عصابات مسلحة على الأقل تتنافس لملء فراغ حماس.. ماذا ...
- الولايات المتحدة تنفذ ضربات على أكثر من 70 هدفاً في وسط سوري ...
- مباشر: محادثات جديدة بين أمريكيين وروس حول أوكرانيا وسط قصف ...
- خبراء روس يعلقون على أهم ما تضمنه خطاب بوتين السنوي
- السودان.. احتدام المعارك بكردفان وواشنطن تدعو لهدنة إنسانية ...
- إيران تعدم شخصا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
- 8 قتلى بصاروخ روسي في أوكرانيا وحديث أميركي عن تقدم بالسلام ...
- الجيش الأمريكي يشن غارات على أهداف لداعش في سوريا


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة