أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض














المزيد.....

حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 19:18
المحور: قضايا ثقافية
    


ليس أخطر ما يواجه العراق اليوم تهديدًا عسكريًا معلنًا، ولا إنذارًا صاخبًا تُطلقه المدافع من وراء البحار، بل هذا الصمت الثقيل الذي يُشبه صوت القانون حين يتحوّل إلى ميزان، وحين تُستبدل الدبابة بالفقرة، والاحتلال بالمحاسبة، والغزو بالملف المفتوح على طاولة العالم. هنا، في هذه اللحظة الرمادية من تاريخ الدولة، لم تعد الأرض هي موضع النزاع، بل السلطة نفسها، بوصفها سؤالًا أخلاقيًا قبل أن تكون كيانًا سياسيًا.العراق يقف اليوم عند مفترقٍ لا يُرى بالعين المجردة، لكنه محسوس في ارتجاف القرار، وفي تلعثم اللغة الرسمية، وفي ارتباك الخطاب السيادي الذي ما زال يلوّح براية النصر بينما الريح تهب من جهة القانون الدولي لا من فوهة البندقية. فالعالم لم يعد يحارب الدول لأنها دول، بل يُحاسبها لأنها فشلت في أن تكون دولًا. والسلطة التي لا تحتكر السلاح، لا تحتكر القرار، والقرار الذي لا يصدر من مركز واحد، يتحوّل إلى شظايا، وكل شظية تدّعي أنها الحقيقة.في هذا المشهد، تبدو السلطة العراقية كمن يحدّق في مرآة مشروخة؛ يرى فيها الدولة، ويرى فيها نقيضها في آنٍ واحد. دولة بحدود معترف بها، وسلطة تتقاسمها الأذرع. جيش يحمل اسم الوطن، وسلاح آخر يحمل أسماءً كثيرة، كلها تتحدث باسم الوطن ذاته. هنا لا تكون المشكلة في وجود السلاح بحد ذاته، بل في كونه صار لغة السياسة، ووسيلة التفاوض، وأداة فرض الوقائع، حتى بات القانون نفسه يحتاج إلى قوة ليُنفَّذ.الفلسفة السياسية تقول إن الدولة تبدأ حين ينتهي السلاح خارجها، وإن السيادة ليست شعارًا يُرفع، بل وظيفة تُمارس، وإن الشرعية لا تُستمد من التاريخ وحده، بل من القدرة على حماية الحاضر وصيانة المستقبل. وحين تفشل السلطة في حصر القوة، تتحوّل من حَكَم إلى طرف، ومن دولة إلى ساحة، ومن كيان إلى ملف. وعندها، لا يعود الخارج متهمًا بالتدخل بقدر ما يصبح الداخل متهمًا بالفشل.إن أخطر ما في اللحظة العراقية الراهنة أن السلطة ما زالت تتعامل مع التحولات العالمية بعقلية الأمس، فتقرأ النصوص القانونية بوصفها انتصارًا رمزيًا، وتغفل عن السياق الذي كُتبت فيه، وعن الأدوات التي تُفَعَّل بها. فالعالم اليوم لا يحتاج إلى إعلان حرب كي يُغيّر المعادلات، يكفيه أن يفتح نافذة محاسبة، وأن يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة وسلاحها، بين الحكومة ومسؤوليتها، بين الشرعية والفعل.العراق ليس مستهدفًا لأنه ضعيف، بل لأنه معلق بين صورتين: صورة الدولة التي تريد أن تكون، وصورة السلطة التي لم تحسم أمرها بعد. وفي هذا التعليق يكمن الخطر كله. فالدول التي لا تحسم خيارها، يحسمه الآخرون عنها، لا بدافع الهيمنة دائمًا، بل بدافع الخوف من الفوضى التي تتجاوز حدودها.وحين تتحوّل رواتب الدولة إلى ذاكرة مفتوحة للحروب القديمة، وحين يستمر الماضي في استنزاف الحاضر، يصبح السؤال أكثر إيلامًا: من يحكم الزمن في العراق؟ أهو الحاضر بإمكاناته، أم الماضي بتعويضاته، أم مستقبل مؤجل ينتظر دولة تُجيد الحساب قبل الخطابة؟ هنا تتجلى الأزمة لا كأزمة مال أو نفط أو تحالفات، بل كأزمة معنى. معنى الدولة، ومعنى السلطة، ومعنى أن تكون مسؤولًا أمام شعبك قبل أن تكون مسؤولًا أمام العالم.
السلطة التي لا ترى في القانون إلا تهديدًا، ستراه يومًا قدرًا. والسلطة التي لا تفهم أن السيادة تُبنى من الداخل، ستظل تشتكي من الخارج. فإما دولة تحكم السلاح وتعيده إلى وظيفته الأولى: حماية الوطن، أو سلطة يكتب عنها العالم بوصفها حالة انتقالية طويلة، لا تنتهي إلا حين يُعاد تعريف من يحكم ومن يُحاسَب.
العراق لا يحتاج إلى صراع جديد، بل إلى شجاعة هادئة تعترف بأن الدولة فكرة قبل أن تكون مؤسسات، وبأن السلطة امتحان أخلاقي قبل أن تكون موقعًا سياسيًا. ففي زمن المحاسبة الصامتة، لا تنجو الشعارات، ولا يحمي التاريخ من أسئلة الحاضر، ولا يبقى من السيادة إلا ما يُمارَس بالفعل، لا ما يُتغنّى به في الخطب.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعيدُها
- سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…


المزيد.....




- من الخرطوم إلى كاراكاس.. روبيو يعلن أولويات واشنطن الإقليمية ...
- اجتماع جديد للوسطاء بميامي.. روبيو: اتفاق غزة سيستغرق 3 سنوا ...
- أفضل أداة توليد صور بالذكاء الاصطناعي؟.. -واشنطن بوست- تجيب ...
- من هجليج للأبيض.. مدن مفصلية ترسم ملامح الصراع في كردفان
- محللون: تعقيدات تعرقل الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ...
- بهدوء وثبات.. إسرائيل تنهار من الداخل
- -كوشنر سيحضرها-.. مصدر يكشف لـCNN تفاصيل جديدة عن محادثات مي ...
- العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية بميانمار في يناي ...
- العقوبات على الجنائية الدولية.. هل تجهز واشنطن على القانون ا ...
- 3 شهداء وعدة مصابين في قصف مدفعي إسرائيلي على مبنى يؤوي نازح ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض