أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عندما يرتدي القاضي خوذةً… وتصبح الدولة حاشيةً في بلاط السلاح.














المزيد.....

عندما يرتدي القاضي خوذةً… وتصبح الدولة حاشيةً في بلاط السلاح.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 11:27
المحور: قضايا ثقافية
    


ليس أخطر على الدولة من أن يختلط الميزان بالبندقية، ولا أكثر فداحة من أن يتحول القاضي من حارسٍ للنص إلى مفسّرٍ للنفوذ، ومن خادمٍ للدستور إلى وسيطٍ بين الدولة ومن يهددها. في تلك اللحظة لا تسقط القوانين دفعةً واحدة، بل تنزلق ببطء، كما تنزلق المدن حين تفقد بوصلتها، وحين يختلط صوت العدالة بأزيز الرصاص، فيصعب على المواطن أن يميز: أهذا حكم محكمة أم بيان فصيل؟..ما يجري في العراق ليس حدثًا عابرًا ولا زلّة لسان، بل بنية كاملة من التواطؤ الناعم، حيث تُصاغ اللغة بعناية كي لا تُغضب السلاح، وتُفسَّر النصوص كي لا تُربك النفوذ، ويُعاد تعريف القضاء ليصبح “ناصحًا” بدل أن يكون “حاكمًا”. ومنذ متى كان القضاء بيت مواعظ؟ ومنذ متى تُدار الدول بالنصيحة لا بالقانون؟ هذه ليست فلسفة حكم، بل حيلة لغوية لتبرير العجز، أو لتقنين الخضوع.الاعتراف العلني بمشاركة الميليشيات في الانتخابات، تحت ذريعة “الاستجابة للنصيحة”، ليس سقطة بروتوكولية، بل إقرار دستوري بانهيار شرط الحرية. فالانتخابات، في جوهرها الفلسفي قبل القانوني، عقدٌ بين المواطن والدولة، والعقد يبطل متى وُقّع تحت الإكراه. والسلاح المنفلت هو أعتى أشكال الإكراه، حتى وإن صمت، لأن حضوره وحده كافٍ لإفساد المعنى. لا يحتاج الرصاص أن يُطلق كي يكون فاسدًا، يكفي أن يُرى.وحين يشكر رأس القضاء قادة الفصائل بدل أن يُخضعهم، فهو لا يهادن واقعًا فحسب، بل يعيد إنتاجه، ويمنحه شرعية لفظية أخطر من أي مرسوم. هنا يتحول القضاء من سلطة مستقلة إلى مظلة سياسية، ومن ركنٍ في الدولة إلى جدارٍ يُعلّق عليه السلاح معاطفه، ليدخل السياسة نظيف الواجهة، ملوث الجوهر.
في هذا السياق، لا تبدو الدعوات الدولية إلى تطهير القضاء وإعادة هيكلته ضربًا من التدخل بقدر ما هي قراءة باردة لواقعٍ لم يعد يحتمل الزينة السيادية. فالدولة التي يسمح دستورها بتعدد البنادق، ثم تطلب من صندوق الاقتراع أن يكون نزيهًا، تشبه من يطلب من المرآة أن تجمّل الكسر. رفض الشخصيات المرتبطة بالنفوذ الإيراني، واستبعاد من تماهوا مع مشروع السلاح العابر للدولة، ليس عقوبة سياسية، بل شرطًا أوليًا لإعادة تعريف الدولة نفسها: من نحن؟ ومن يحكم؟ النص أم الفصيل؟..السياسة، في معناها الفلسفي، هي فن إدارة الاختلاف بلا عنف. وحين يدخل العنف إلى السياسة، تخرج السياسة من معناها وتتحول إلى غنيمة. لذلك فإن سقوط أحلام الترشح، وتبخر طموحات الوزارات، ورفض الأسماء الثقيلة، ليس حدثًا شخصيًا، بل علامة على نهاية مرحلة. مرحلة كان فيها النفوذ يُترجم سلطة، والسلاح يُعاد تدويره على هيئة “استحقاق انتخابي”.وفي الخلفية، تتحرك الجغرافيا ببرود قاتل. تقارير استخبارية، تداول سياسي–أمني، رسائل عربية وغربية، وملفات أهداف تُسلَّم لبغداد كما تُسلَّم وصية أخيرة. إسرائيل تراقب، إيران ترمم، وواشنطن تحسب الوقت. المنطقة لا تنتظر أحدًا، ومن لا يملك قراره يصبح ساحة قرار. وحين تتكدس الميليشيات في السياسة، تصبح الدولة هدفًا مشروعًا في حسابات الآخرين، لأن السيادة لم تعد صافية.
الحديث عن انتقال الفصائل إلى العمل السياسي دون حلّها ونزع سلاحها ليس سوى إعادة طلاء للبندقية. تغيير الزي لا يغيّر الوظيفة. والسلاح الذي لا يُحلّ قانونيًا، سيبقى حاضرًا فعليًا، حتى لو ارتدى ربطة عنق. الحشد، في صيغته الحالية، لم يعد إطارًا أمنيًا، بل أصبح الغلاف الرسمي لسلطة موازية، تتحرك داخل الدولة وتفرض شروطها عليها، ثم تطلب من الدولة أن تعترف بها شريكًا.
الفلسفة السياسية، منذ أفلاطون حتى هابرماس، تقول شيئًا واحدًا بصيغ متعددة: لا شرعية بلا احتكار للعنف المشروع. وما دون ذلك هو فوضى مقنّعة. لذلك فإن أي إصلاح لا يبدأ من القضاء، ولا يمر بنزع السلاح، ولا ينتهي باستقلال القرار، هو مجرد تمرين لغوي لإطالة عمر الأزمة.العراق اليوم يقف أمام مرآة قاسية. إما دولة بلا ميليشيات، أو ميليشيات بلا دولة. لا حل وسط بين النص والرصاص، ولا تسوية بين الدستور و”النصيحة”. فالعدالة التي تخاف، ليست عدالة، والسياسة التي تُدار تحت فوهة البندقية، ليست سياسة، والدولة التي تساوم على سيادتها، ستُطالب قريبًا بدفع الفاتورة مضاعفة.لا سياسة مع السلاح، لا انتخابات حرة في ظل الميليشيات، ولا قضاء يُنقذ دولةً وهو يرتدي خوذة. هذه ليست شعارات، بل بديهيات. ومن لا يفهم البديهيات، لن يفهم التاريخ حين يمرّ عليه… ولن يرحمه حين يكتب فصله الأخير.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيطاليا… حين تتكلّم الحضارة لغة الشعر
- الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة
- حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض
- بعيدُها
- سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج


المزيد.....




- صندوق مفاجأة دمية -لابوبو- يبرز أيضا ضمن صيحات هدايا عيد الم ...
- ضاحي خلفان يكشف عن 3 أسباب لفشل الوحدة العربية ونجاحها في ال ...
- كيف يؤثر التأمل علي دماغك ويحمي صحتك النفسية؟
- جرائم إبستين ـ اختفاء وثائق وملفات يهز وزارة العدل الأمريكية ...
- شرطة تايوان تنفي الدوافع الإرهابية عن هجوم مترو تايبيه
- قصة -الملثم خالد- الشاب الذي كان -مفتاح النصر- لحلب
- 10 قتلى بنيران مسيرة استهدفت سوقا بولاية شمال دارفور
- مقتل 3 بقصف إسرائيلي شرقي مدينة غزة.. واقتحامات في الضفة
- البرادعي: صراعات عالمنا العربي كانت بين الأنظمة والآن الكارث ...
- خارجية سوريا تعقب ببيان عن جهود محاربة داعش وتعزي ضحايا الهج ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عندما يرتدي القاضي خوذةً… وتصبح الدولة حاشيةً في بلاط السلاح.