أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - عن اي شيء سيسجل التاريخ ؟














المزيد.....

عن اي شيء سيسجل التاريخ ؟


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


ليس من السهل أن يُقال هذا الكلام، ولا من المريح أن يُكتب، لكنه بات ضرورة أخلاقية وتاريخية. فالتاريخ لا يُكتب بالبيانات الرسمية ولا بالخطب المنمّقة ولا بصور الزعماء المعلّقة على الجدران، بل يُكتب بما يُترك في حياة الناس، بما يُزرع في الشوارع، وبما يُكسر في أرواح الأوطان. وأنتم، مهما حاولتم أن تصنعوا لأنفسكم صورة القادة والزعماء والأبطال، ستدخلون التاريخ لا بهذه الألقاب، بل كـلصوص وقتلة ومجرمين بحق وطن اسمه العراق.
التاريخ لا يخدع، ولا ينسى، ولا يرحم. قد يتأخر، قد يصمت، لكنه في النهاية يتكلم بوضوحٍ قاسٍ. سيحكي للأجيال القادمة ما فعلتموه بالعراق، لا كما تروونه أنتم، بل كما عاشه الناس: دولة منهوبة، مجتمع ممزق، قيم مكسورة، وكرامة مداسة. سيحكي عن بلد كان يمكن أن يكون نموذجاً للحياة، فحوّلتموه إلى مختبر للفشل، وساحة لتصفية الحسابات، وغنيمة مفتوحة للفساد.
أنتم لم تحكموا العراق، بل استهلكتموه. لم تقودوه، بل قُدتموه إلى الحافة ثم تركتموه يسقط. لم تبنوا دولة، بل فككتم ما تبقى منها، قطعة قطعة، مؤسسة بعد أخرى، حتى صار الخراب هو القاعدة، وأصبح الاستثناء هو ما يدهش الناس. حكمتم بعقلية الغنيمة لا بعقلية الدولة، وبمنطق الطائفة لا بمنطق الوطن، وبهاجس السلطة لا بهمّ الإنسان.
الهيبة التي تتحدثون عنها، والتي تحاولون فرضها بالقوة والسلاح والخطاب المتشنج، ليست هيبة الكبار. الهيبة الحقيقية تُبنى بالعدل، بالصدق، وبالقدرة على حماية الضعفاء قبل الأقوياء. أما أنتم، فصغار في الروح، لأنكم لم تحتملوا فكرة الوطن الجامع، وأقزام في الشخصية لأنكم لم تملكوا شجاعة التضحية بمصالحكم الضيقة من أجل مصلحة عامة. من يخاف من النقد، ويقمع الصوت الآخر، ويختبئ خلف الجدران والأسلحة، لا يمكن أن يكون كبيراً، مهما ارتفعت مناصبه.
لقد حكمتم باسم الشعب، لكنكم لم تسمعوا صوته. حكمتم باسم الدين، لكنكم شوّهتم قيمه. حكمتم باسم التاريخ، لكنكم أسأتم إليه. كنتم بارعين في إنتاج الأزمات، فاشلين في إنتاج الحلول. كل أزمة كانت فرصة جديدة لكم لمزيد من السيطرة، ومزيد من النهب، ومزيد من تبرير العجز. لم تكن الأخطاء عارضة، بل كانت نهجاً. ولم يكن الفساد استثناءً، بل كان نظاماً كاملاً له حراسه وقوانينه غير المكتوبة.
سيكتب التاريخ عن ملايين العراقيين الذين عاشوا الفقر في بلد غني، وعن شباب ضاعت أعمارهم بين البطالة والهجرة واليأس، وعن أمهات ينتظرن أبناءً لم يعودوا، وعن مدن أُهملت حتى نسيت أسماء شوارعها. سيكتب عن مدارس بلا مقاعد، ومستشفيات بلا دواء، ووظائف تُشترى وتُباع، وعدالة لا تصل إلا لمن يملك النفوذ. وسيضع أسماءكم في الهامش الأسود لهذه الصفحات، لا في صدرها المشرق.
لا تحاولوا الاحتماء بالزمن، ولا بالتحالفات، ولا بتبدل الوجوه. فالتاريخ لا يهتم بالأسماء بقدر ما يهتم بالأفعال. قد تتغير مواقعكم، وقد يسقط بعضكم وينجو بعضكم مؤقتاً، لكن الوصمة واحدة: خزي التفريط بوطن. ولن تنفعكم محاولات تلميع الصورة، ولا إعادة كتابة السردية، لأن الحقيقة أبسط وأقسى: العراق لم يكن أولوية لديكم، بل كان وسيلة.
إن أخطر ما فعلتموه ليس فقط سرقة المال العام أو إفساد السياسة، بل تطبيع الفشل في وعي الناس. جعلتم المواطن يعتاد الرداءة، ويشكك في أي أمل، ويخاف من أي تغيير. قتلتم الثقة، وهي أثمن ما تملكه الأوطان. وحين تُقتل الثقة، يصبح ترميم الدولة أصعب من بناءها من الصفر. هذا هو إرثكم الحقيقي، وهذا ما سيُدرّس للأجيال القادمة كنموذج لما لا يجب أن يكون.
وحين سيقف أبناؤنا وأحفادنا أمام هذا التاريخ، لن يسألوا عن خطاباتكم، بل سيسألون: لماذا ضاع بلد كامل؟ لماذا لم يكن هناك رجال دولة حقيقيون؟ لماذا سُمح للصغار أن يتحكموا بمصير الكبار؟ وعندها، لن تجدوا إجابة تبرر ما فعلتموه. فالأعذار تسقط أمام حجم الخراب، والتبريرات تتهاوى أمام دموع الناس.
لن تكون لكم هيبة الكبار، لأن الكبار يُقاسون بما يتركونه من أثر نافع، لا بما يراكمونه من سلطة. وستبقون، مهما طال الزمن، مثالاً على قيادة بلا رؤية، وسلطة بلا أخلاق، وحكم بلا وطن. هذا ليس شتماً، بل قراءة تحليلية لمسار كامل من الإخفاق، ومسؤولية تاريخية لا يمكن الهروب منها.
التاريخ قاسٍ، نعم، لكنه عادل في النهاية. وأنتم، بكل ما فعلتموه، اخترتم موقعكم فيه بأنفسكم. ليس كقادة، ولا كأبطال، بل كتحذير دائم للأجيال القادمة: هكذا يُدمَّر الوطن حين يُسلَّم للصغار.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في معنى الطبخة السياسية
- كيف خنتُ ضميري لأرفع وهماً ؟
- حضور باهت
- حين يصبح الهيام قدَرًا لا يُقاوَم
- كن صديقي
- تأملات في بؤس المشهد الثقافي
- كل الطرق تؤدي اليك
- قربكِ يؤذيني
- الوعي كألمٍ ناعم
- بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة
- تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً
- عدتِ متأخرة… فوجدتِ الخراب منظّماً
- عودة الشخص الآخر… عودة الحياة بطعم العتاب
- إمرأة من خيال
- همسة تصل… فتُزهر الروح
- الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف
- منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات المو ...
- الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب


المزيد.....




- فنان هندي يصنع تمثالًا لبابا نويل باستخدام 1.5 طنًا من التفا ...
- مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي
- وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما ...
- عرض فيلم وثائقي يكشف تفاصيل 11 يوما من معركة تحرير سوريا
- وفاة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- رحيل محمد بكري.. سينمائي حمل فلسطين إلى الشاشة وواجه الملاحق ...
- اللغة البرتغالية.. أداة لتنظيم الأداء الكروي في كأس أمم أفري ...
- بعد توقف قلبه أكثر من مرة.. وفاة الفنان المصري طارق الأمير ع ...
- نجوم يدعمون الممثل الأميركي تايلور تشيس بعد انتشار مقاطع فيد ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - عن اي شيء سيسجل التاريخ ؟