أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد الطيب - الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف














المزيد.....

الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 00:08
المحور: كتابات ساخرة
    


تقول النكتة الجديدة – المنسوبة إلى منظمة الصحة العالمية – إن مواليد الثمانينات صاروا من كبار السن. لا بيان رسمي، لا مؤتمر صحفي، مجرد جملة طائشة قُذفت في فضاء السوشيال ميديا، فالتقطها الناس بقلق وضحك في آن واحد. وإذا كان هذا صحيحًا، فماذا نحن أبناء الستينات؟ لا بد أننا ديناصورات تم شطب أسمائنا من السجل الإنساني، كائنات أثرية يُستحسن تصويرها قبل أن تنقرض، أو وضعها في متحف مع لافتة: «يرجى عدم الإزعاج… هذا كائن كان يحلم».
الفكرة وحدها كافية لتصيب المرء بصداع وجودي. كيف انتقلنا من “جيل المستقبل” إلى “جيل يحتاج مساعدة للجلوس” بهذه السرعة؟ كيف صار العمر شهادة مرضية، وصارت السنوات تهمة، وصار التقويم أداة قمع ناعمة؟ في زمننا هذا، لا تحتاج إلى عصا لتُضرب، يكفيك رقم يُلصق على جبينك.
مواليد الثمانينات – الذين ما زالوا يتذكرون دفاتر المدرسة ذات الرائحة الحبرية، ورسائل الحب المكتوبة بخط اليد – يُقال لهم الآن: تفضلوا إلى صف كبار السن. تخيل المشهد: شاب في منتصف الأربعينيات، يهرول خلف عمله، يسدد أقساطه، يربي أبناءه، ثم تأتيه صفعة تصنيفية باردة: “أنت كبير سن”. لا معاش، لا رعاية، فقط لقب ثقيل يوضع في الجيب مثل حجر.
أما نحن، مواليد الستينات، فلا ندخل في التصنيف أصلًا. نحن خارج الجدول، خارج الاهتمام، خارج الخريطة. نحن جيل عاش الانقلابات، والحروب، ونقص الخبز، وزيادة الشعارات. جيل تعلّم الحساب على الورق، والسياسة من الشارع، والحكمة من الخسارات. جيل لم يتقاعد من التعب، لكنه أُجبر على التقاعد من الحلم.
نحن الديناصورات فعلًا، لكن ليس كما يتخيلون. ديناصورات واعية، تحفظ تاريخ الأرض قبل أن تتحول إلى شاشة لمس. ديناصورات تتذكر زمنًا كانت فيه الكلمة وعدًا، والصداقة التزامًا، والخلاف وجهًا لوجه لا تعليقًا هاربًا. ديناصورات تعرف أن العمر ليس عدد الشموع، بل عدد المرات التي نهضت فيها بعد السقوط.
السخرية أن العالم يحتفل بالشباب بوصفه حالة بيولوجية، لا حالة فكرية. شابٌ بلا تجربة يُمنح المنصات، وشيخٌ مليء بالحكايات يُطلب منه الصمت. تُدار الدنيا بمنطق السرعة لا الحكمة، وبمنطق “الترند” لا المعنى. من لا يواكب يُرمى، ومن يتأمل يُتَّهم بالبطء.
ولو صدق هذا التصنيف العبثي، فعلينا أن نطالب بحقوقنا ككائنات مهددة بالانقراض. نطالب بمحميات فكرية، وبممرات آمنة لعبور الذاكرة، وبقوانين تمنع الصيد الجائر للخبرة. نطالب أن يُسمح لنا بسرد قصصنا دون أن يُقال لنا: “اختصر… الوقت لا يسمح”.
المضحك المبكي أن الإنسان صار يُقاس بعمره لا بما يضيفه. كأن السنوات وحدها هي الجريمة، وكأن النجاة من الزمن خطيئة. في هذا العالم، تُكافأ الخفة وتُعاقَب الجذور. من لا يغيّر جلده كل موسم يُتهم بالتحجر، ومن يثبت يُوصف بأنه لا يفهم العصر.
نحن لا نخاف من الشيخوخة، نخاف من التفاهة التي تريد أن تحكم باسم الشباب. لا نخاف من التجاعيد، نخاف من العقول الملساء التي لم تُجرَّب. وإذا كنا ديناصورات، فنحن تلك التي رفضت أن تتحول إلى لعبة بلا ذاكرة.
أما مواليد الثمانينات، فلا تحزنوا. أن تُصنَّفوا كبار سن مبكرًا يعني أنكم ما زلتم تملكون ما يخيف هذا العصر: ذاكرة، وقياسًا، ومقارنة. والعصر لا يحب من يقارنه، لأنه يفضح هشاشته.
وفي النهاية، سواء صنّفتنا منظمة ما أو لم تصنّف، الحقيقة أبسط وأكثر قسوة: العالم لا يشيخ بأعمارنا، بل يشيخ حين يتخلى عن حكمته. وإذا كان لا بد من انقراض، فليكن انقراض التفاهة… أما نحن، فسنظل نمشي ببطء، لكن بثقل المعنى.لو تمادت الصحة العالمية فستضع مواليد 2000 ضمن كبار السن قريبا .. انتظرونا .



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات المو ...
- الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل
- حين تمطر… يغرق الوطن في قطرة
- لستُ بخير
- مسافات الآمان
- شيوخٌ تقتل النخوة
- حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير
- الحرية في جناح عصفور


المزيد.....




- نجم مسلسل -General Hospital-.. رحيل الممثل أنتوني جيري عن عم ...
- تعليق ترامب على مقتل المخرج روب راينر يثير الغضب
- تجسد الشخصيات للمرة التانية على التوالي .. هل فيلم الست حقق ...
- صور مذهلة تكشف عن العوالم الخفية داخل الآلات الموسيقية
- الوقف السني يدين الشاعر علي نعيم: أي إساءة تُطال الصحابة تسه ...
- مقتل المخرج الأمريكي روب راينر وزوجته بلوس أنجلس واتهام الاب ...
- اعتقال ابن الممثل والمخرج الناقد لترامب روب راينر بتهمة قتل ...
- - سقوط الأفكار- يزجّ بشاعرة شابة إلى الساحة الأدبية الموصلية ...
- جامعة حلب تحتفل باليوم العالمي لعائلة اللغة التركية
- فيلم وثائقي فرنسي-ألماني يقدم قراءة نقدية حادة للواقع المصري ...


المزيد.....

- لو كانت الكرافات حمراء / د. خالد زغريت
- سهرة على كأس متة مع المهاتما غاندي وعنزته / د. خالد زغريت
- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد الطيب - الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف