أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - صورة واحدة تكشف صدق الحوارات














المزيد.....

صورة واحدة تكشف صدق الحوارات


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 07:02
المحور: الصحافة والاعلام
    


ثمة مفارقات لا تنقرض في المهنة، بل تتكرر حتى تكاد تتحول إلى فصل ثابت من فصول يوميات الصحفي. من بين تلك المفارقات ما يواجهه الصحفي بعد حوار طويل، عميق، مليء بالتفاصيل والبيانات والانفعالات، حين يطلب ـ بمنطق المهنة وضرورتها ـ التقاط صورة للمُحاوَر لاستكمال عناصر اللقاء. وهنا تنقلب الطاولة فجأة: الرجل الذي كان قبل دقائق يتحدث بثقة، ويفتح خزائن أسراره المهنية أو الشخصية، يتجمد، يتردد، ثم يرفع راية الرفض بحجة واحدة تتكرر: "أنا متواضع ولا أحب نشر صورتي." هذه المفارقة التي تواجهنا دائما أصبحت لاتشكل علامات استفهام وتعجب . سوى ابتسامةٌ تمرّ على وجه الصحفي، لا لشيء سوى أنّ المفارقة أكبر من أن تُصدَّق. فالمتواضع – في نظره – لا يجد غضاضة في الظهور عبر حديث مطوّل منشور على صفحات واسعة الانتشار، ولا يرى حرجًا في سرد إنجازاته، وتقديم نفسه للقراء بوصفه شاهداً وصاحب تجربة. ولكن الصورة… تلك القطعة البصرية التي تمنح الكلام حياة… هي التي تثير حساسيته.
الصحافة ـ مهما اختلفت مدارسها ـ لا تنكر قاعدة قديمة عمرها من عمر الصورة ذاتها: الصورة أصدقُ أنباءً من الحديث. هي ليست زينة تُعلَّق في هامش النص، ولا عنصراً ثانوياً يكمل الشكل العام، بل نافذة بصرية تمنح القارئ فرصة لرؤية الحقيقة بعينين لا بكلمات. الصورة تقول ما لا يقوله الكلام، وتكشف ما يحاول البعض إخفاءه أو تلميعه أو صياغته. الصورة تُظهر الملامح، التفاصيل، لغة الجسد، حتى تلك الظلال الصغيرة التي تتوارى خلف جدران البلاغة. وكما قيل لنا في دراستنا للصحافة ان الصورة تعادل الف كلمة .
الرافضون للتصوير بحجة التواضع ينسون ـ أو يتناسون ـ أنّ الصحافة ميدان يتطلب الشفافية. كيف يمكن للقارئ أن يمنح ثقته لشخص يتحاشى أن يظهر بوجهه؟ وكيف يمكن لحوار يحمل رأيًا أو موقفًا أو اتهامًا أو تصريحًا أن يُنشر بلا هوية بصرية لصاحبه؟ الظهور هنا ليس ترفًا، بل جزء من مسؤولية المشاركة في الفضاء العام.
في المشهد الصحفي، يُفترض أن يكون رفض الصورة استثناءً تحكمه أسباب منطقية: اعتبارات أمنية، مخاوف واقعية، أو ظروف خاصة. أما أن يتحول إلى مظهر تواضع يُتَذرَّع به في اللحظة الأخيرة، فهو يفتح باب الشك عند القارئ ويضعف من مصداقية المحتوى ذاته. فالقارئ يميل ـ بالفطرة ـ إلى ربط القول بالوجه، والحديث بمصدره.
الصحفي، في نهاية المطاف، لا يطلب الصورة ليتباهى بها، ولا ليحوّل الشخص إلى نجمة على غلاف، بل يطلبها ليكتمل النص، ليُحترم القارئ، وليُحترم العمل نفسه. فالمقال أو الحوار بلا صورة يشبه شهادة بلا توقيع، أو قرارًا بلا ختم.
قد لا يدرك البعض أن الامتناع عن الصورة يضعهم في موضع لا علاقة له بالتواضع، بل يضعهم في دائرةٍ أقرب إلى الحذر المبالغ فيه أو الخوف من مواجهة الرأي العام بملامح واضحة. وربما ينسى هؤلاء أن الحضور البصري ليس رفعًا للرأس فوق الآخرين، بل مجرد خطوة صغيرة في مسار الحقيقة التي نحاول جميعًا مقاربتها.

ولعل الطرفة الأكبر في هذه المفارقة أن الصحفي، الذي يقف في العادة خلف الكاميرا، يعرف سرّ تلك اللحظة: الصورة تقول الحقيقة، مهما حاول الكلام أن يلوّنها. ولأنها تقول الحقيقة، يخشاها البعض أكثر من أي سؤال في الحوار. لهذا كله، لا يكون الرد على الرافض سوى جملة واحدة، صادقة وحاسمة: الصورة ليست عدواً… إنها الشاهد الأكثر شفافية في غرفة الحوار.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل
- حين تمطر… يغرق الوطن في قطرة
- لستُ بخير
- مسافات الآمان
- شيوخٌ تقتل النخوة
- حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير
- الحرية في جناح عصفور
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح
- إعلانات ساذجة في زمن الفوضى الرقمية
- الكوكايين السلوكي: كيف نحمي جيلنا من الهاوية الرقمية؟-


المزيد.....




- رائحة غريبة.. تقود رجلًا الى إكتشاف ثعبان تحت غطاء محرك سيار ...
- العراق: إقالة مسؤولين عن إدراج حزب الله وجماعة الحوثي بقائمة ...
- اليانصيب الأمريكي يصنع المليونيرات: تعرف على أكبر 10 جوائز ع ...
- بيروت تستضيف موكب عيد الميلاد الملون رغم التوتر مع إسرائيل
- نازحو غزة يواجهون أمطارا غزيرة وطقسا باردا في خيام هشة
- الأردن في مواجهة المغرب للفوز بـ-عرش- كأس العرب 2025
- من هو الملياردير الأفريقي -السخي- الذي وزع مكافآت بأكثر من 2 ...
- الأردن في مواجهة المغرب للفوز بـ-عرش- كأس العرب 2025
- تبون يعفو عن المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث بعد سجنه بسبب ...
- الكرملين: روسيا تسعى لإنهاء الحرب وترفض الحلول المؤقتة


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - صورة واحدة تكشف صدق الحوارات