أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - الحرية في جناح عصفور














المزيد.....

الحرية في جناح عصفور


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 00:31
المحور: الادب والفن
    


يبدو أن ميزان الوعي عند بعض الكائنات قد تعطّل منذ زمن، أو ربما أن الطبيعة قررت أن تُهين ذكاء البشر بطريقة غير مباشرة، فوضعت الحرية في جناح عصفور وزنه بضعة غرامات، ووضعت العبودية في عقل إنسان يزن أربعة كيلوغرامات لكنه لا يستطيع حمل فكرة واحدة مستقيمة.
العصفور — ذلك الكائن الذي لا يعرف الفلسفة ولا العلوم السياسية ولا مختبرات السلوك — يفهم غريزياً أن القفص ليس منزلاً، وأن الطعام الذي يأتي بلا جهد هو طُعم ملوث بالرعب. يرفضه، يبتعد عنه، ويغامر بالفضاء المفتوح الذي تعصف به الرياح بحثاً عن لحظة تحليق حقيقية. أما بعض البشر، فحين تُقدَّم لهم "قفص فاخر" مطلي بطلاء الوطنية، ومملوء بفتات الرواتب، وجرعة من الخوف، يسكنونه طواعية، ويغلقون الباب خلفهم بإحكام ثم يكتبون على الجدران: الحياة آمنة هنا.
العصفور حين يشعر بالخطر يرتجف قليلاً ثم يطير… أما الإنسان "صاحب الدماغ الضخم" فيرتجف كثيراً ثم يزحف نحو مصدر الخطر طالباً الرضا. العصفور لا يوقّع عريضة يتوسل فيها بقاء السجّان، ولا يصفّق لقفصه كلما طُلي بلون جديد، ولا يختلط عليه الجوع بالكرامة. يعرف أن البقاء في السماء أقل إذلالاً من الانتظار في قفص "ذكي" مزوّد بمغذيات أوتوماتيكية.
الأكثر سخرية أن الإنسان، ذلك المخلوق الذي كتب المجلدات عن الحرية، يجلس اليوم في الصف النهائي من تطوره، يحمل دماغاً كبيراً لكنه مشغول بعمليات حسابية تافهة: كم أحتاج من الخنوع للبقاء؟ كم يجب أن أخفض رأسي كي لا يضربني أحد؟ كم من الكذب عليّ أن أبتلع كي أحافظ على وضعي؟ بينما العصفور، بصغر حجمه، لا يفكر إلا بجملة واحدة بسيطة: السماء أو لا شيء.
المفارقة المؤلمة أن الإنسان يتغنى بالحرية في خطبه، لكنه يرتعب من تطبيقها في حياته، والعصفور لم يخطب يوماً، ولم يلقي بياناً، لكنه يعيشها لحظة بلحظة. الإنسان قد يبيع حريته مقابل وظيفة لا تشبهه، أو مقابل خوف صنعه بنفسه، أو مقابل سلطة يريدها حتى لو داسته. في حين العصفور لو وضعت أمامه وليمة كاملة داخل قفص مفتوح، سيدخله متردداً، ثم يخرج منه بسرعة، لأنه يعرف أن الشبع لا يساوي ثمن الجناح.
الإنسان قد يقبل الذل لأن المجتمع طبع شرعيته في عظامه: "اصمت لتمضي"… "أطع لتعيش"… "اخشَ لتنجو". أما العصفور فيعرف أن الصمت موت، والطاعة فخ، والخوف قيد. ولذلك، حين يطير، يذكّر الإنسان أن المشكلة ليست في حجم الدماغ، بل في المساحة الوحيدة التي لا تكبر: مساحة الإرادة.
فلماذا يعجز صاحب الأربعة كيلوغرامات من الذكاء أن يتعلم درساً بسيطاً من مخلوق وزنه أقل من ورقة؟ لأن العقل الذي يُستخدم للانحناء يفقد قدرته على التحليق، ولأن الإنسان حين يقرر أن يكون عبداً، يصبح أثقل من أن يطير، وأخفّ من أن يُحسب.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح
- إعلانات ساذجة في زمن الفوضى الرقمية
- الكوكايين السلوكي: كيف نحمي جيلنا من الهاوية الرقمية؟-
- كل الغياب يعود الا انت
- دعينا نلتقي
- انتم الخراب الذي يمشي على قدمين
- رفض تاريخي آخر: لماذا تبتعد المرجعية عن لعبة الكراسي؟
- ماض لن يعود .. كوجه جميل غادره الضوء
- أحملك بقلبي وأدفنك بصمتي
- جمال الموت
- أجمل المحطات
- دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة
- جريح الثقة لا يُشفى
- لا تمنح الحقيقة كاملة .. انهم لن يفهموك !!
- بين الثائر والطاغي شعرة
- لقد كانت معركة عظيمة كلفتني قلبًا بأكمله
- ظل الآخر
- قلب مسافر عاشق
- رحيل في منتصف الطريق
- السيادة.. ليست علماً يرفرف ولا نشيداً يصدح


المزيد.....




- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...
- فنانون سوريون يحيون ذكرى التحرير الأولى برسائل مؤثرة على موا ...
- -تاريخ العطش- لزهير أبو شايب.. عزلة الكائن والظمأ الكوني
- 66 فنا وحرفة تتنافس على قوائم التراث الثقافي باليونسكو
- فنان من غزة يوثق معاناة النازحين بريشته داخل الخيام
- إلغاء حفلات مالك جندلي في ذكرى الثورة السورية: تساؤلات حول د ...
- أصوات من غزة.. يوميات الحرب وتجارب النار بأقلام كتابها
- ناج من الإبادة.. فنان فلسطيني يحكي بلوحاته مكابدة الألم في غ ...


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - الحرية في جناح عصفور