أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عماد الطيب - الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب














المزيد.....

الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 00:38
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لم يعد الهاتف الذكي مجرد أداة اتصال، بل تحوّل عند جيلٍ كامل إلى عضوٍ إضافي في الجسد، يدٍ ثالثة لا تُفارق، حتى وإن تعارض وجودها مع العمل، أو الاحترام، أو أبسط قواعد الحياة. ما يحدث اليوم بين الشباب الصغير ليس شغفًا بالتكنولوجيا بقدر ما هو تبعية مرضية لجهازٍ يختصر العالم ويبتلعه في الوقت نفسه.
القصة التي تبدو عابرة ـ شاب يُفصل من عمله لأنه لم يستطع ترك هاتفه عن يده . ليست حادثة فردية، بل علامة إنذار حضاري. أن يختار شاب هاتفه على لقمة عيشه، على فرصة عمل حذّره صاحبها مرارًا، فهذا يعني أننا لا نواجه كسلًا ولا عنادًا، بل إدمانًا مكتمل الأركان. المفارقة الصادمة ليست في قرار صاحب العمل، بل في قرار الشاب: الطرد أهون من أن يفلت الهاتف من يده. وهذه طامة كبرى .
الهاتف لم يعد وسيلة، بل أصبح مرجعية نفسية ، واولوية قصوى . يمنح صاحبه شعورًا زائفًا بالأمان، بالانتماء، بالوجود. حين يمسكه يشعر أنه حاضر في العالم، وحين يُطلب منه تركه يشعر وكأنه يُنتزع من ذاته. هنا تتبدّى الكارثة: الهوية لم تعد تُبنى بالعمل أو المهارة أو الكرامة، بل بعدد الإشعارات والرسائل ومقاطع الفيديو.
الأخطر أن هذا السلوك يُبرَّر اجتماعيًا. لم يعد غريبًا أن ترى شابًا يعمل بيدٍ ويُحدّق في هاتفه بالأخرى، وكأن التركيز الكامل أصبح ترفًا قديمًا لا يليق بعصر السرعة. لم يعد يُنظر إلى الانتباه على أنه قيمة، بل كعائق أمام “المتعة الفورية”. العمل صار مقاطعة غير مرغوبة بين فيديو وآخر.
هذه الظاهرة لا تُدمّر علاقة الشاب بعمله فحسب، بل تُعيد تشكيل دماغه. الدراسات النفسية تتحدث عن تآكل القدرة على التركيز، عن ضعف الصبر، عن الحاجة الدائمة للتحفيز السريع. الشاب الذي لا يستطيع ترك هاتفه عشر دقائق لن يستطيع بناء مشروع، ولا تعلّم حرفة، ولا تحمّل مسؤولية أسرة. لأنه تربّى على اللذة السريعة، لا على المعنى البعيد.
والأكثر قسوة أن هذا الإدمان يُقدَّم على أنه “حرية شخصية”. لكن أي حرية تلك التي تجعلك عاجزًا عن ترك جهاز؟ الحرية الحقيقية أن تملك الشيء، لا أن يملكك. أن تستخدم الهاتف حين تريد، لا أن يستدعيك هو كل دقيقة. ما نراه اليوم ليس حرية، بل عبودية أنيقة بشاشة مضيئة.
حين يصبح الهاتف أغلى من العمل، وأهم من الكرامة، وأقرب من اليد نفسها، فنحن لا نخسر وظائف فقط، بل نخسر جيلاً كاملاً يُستبدل فيه الجهد بالإعجاب، والعرق بالإشعار، والحلم بمقطع قصير يُنسى بعد ثوانٍ.
القصة التي أثارتك بوصفك أبًا ليست شخصية، بل جماعية. إنها سؤال موجّه إلينا جميعًا: كيف نُربي أبناءنا على عالمٍ افتراضي دون أن نمنحهم أدوات النجاة في العالم الحقيقي؟ وكيف نلوم شابًا على إدمان صنعناه نحن، وباركته المدارس، وسكت عنه المجتمع؟ الهاتف ليس العدو، لكن تحويله إلى يدٍ لا تُفلت هو بداية خسارة كل الأيدي الأخرى: يد العمل، يد البناء، ويد المستقبل. في الختام اجدها عوائل سلكت سلوكا إيجابيا تجاه ابناءهم الصغار بمنعهم من الاقتراب من الهاتف مهما كانت التحديات لنجعل البعض الآخر من العوائل ان تتجه هذا المسلك التربوي .



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل
- حين تمطر… يغرق الوطن في قطرة
- لستُ بخير
- مسافات الآمان
- شيوخٌ تقتل النخوة
- حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير
- الحرية في جناح عصفور
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح
- إعلانات ساذجة في زمن الفوضى الرقمية
- الكوكايين السلوكي: كيف نحمي جيلنا من الهاوية الرقمية؟-
- كل الغياب يعود الا انت


المزيد.....




- مفاوضات السلام في أوكرانيا.. إليكم ما تم الاتفاق عليه والنقا ...
- روما تفتتح 2 محطة جديدة على خط مترو سي وتعرض آثار قديمة قرب ...
- بسبب -حق النقض- الإسرائيلي.. تركيا مستبعدة من مؤتمر قوة الاس ...
- خطأ إدراج حزب الله و-الحوثيين- على قوائم الإرهاب يطيح بمسؤول ...
- عاجل | البنتاغون: وزارة الخارجية وافقت على مبيعات عسكرية محت ...
- صحف عالمية: نتنياهو يشكل لجنة -للتستر- على تحقيقات 7 أكتوبر ...
- دول الجناح الشرقي لأوروبا تعتبر روسيا التهديد المباشر للأمن ...
- 337 أسرة سودانية وصلت كوستي بعد سيطرة الدعم السريع على هجليج ...
- أردوغان: غزة دُمّرت بقنابل تفوق هيروشيما 14 ضعفا
- -ما وراء الخبر- يسلط الضوء على تردي الأوضاع الإنسانية في قطا ...


المزيد.....

- كتاب : العولمة وآثارها على الوضع الدولي والعربي / غازي الصوراني
- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عماد الطيب - الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب