أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عماد الطيب - شيوخٌ تقتل النخوة














المزيد.....

شيوخٌ تقتل النخوة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 13:46
المحور: حقوق الانسان
    


في زمنٍ يُفترض أن يكون فيه إنقاذُ حياة إنسان قمّة الشرف، يظهر شيخٌ يطالب بفصلٍ من شباب لم يفعلوا سوى ما يمليه الضمير: إسعاف رجل صُعق بالكهرباء ونقله إلى المستشفى قبل أن يتوقّف قلبه. هكذا، بكل بساطة، يتحوّل الخير إلى تهمة، والإنسانية إلى جرم، والشهامة إلى مسؤولية قانونية وعشائرية! وكأننا أمام عالم مقلوب تُعاقَب فيه الفزعة، ويُحاكم الشرفاء لأنهم شرفاء.
أيُّ عرفٍ هذا الذي يحاسب المُسعِف؟ أي عقلٍ أعوج يرى في إنقاذ مصاب سبباً للفصل؟ إن ما جرى ليس خلافاً عشائرياً، بل انحراف أخلاقي يُهدد بنية المجتمع. إنه ضربٌ مباشر لكل قيمة دينية وإنسانية ووطنية تقول إن إنقاذ روحٍ واجب لا نقاش فيه، لا فضل فيه، ولا ثمن يُطالب به.
بهذا التصرف يزرع الشيخ خوفاً قاتلاً في قلوب الناس: خوفاً من الاقتراب من الجرحى، خوفاً من حمل المصابين، خوفاً من مدّ يد النجدة. وسرعان ما سيغدو المشهد مألوفاً: مصابون يتلوّون على الأرصفة والناس تحيط بهم خائفة من "الفصل" أكثر من خوفها من الموت ذاته. وهكذا، ليس الحادث وحده من يقتل، بل الرعب الذي صنعه شيخ يعتبر الفزعة مخالفة تستحق الجزاء.
الشيخ الذي يطالب بفصل من أسعف مصاب هو شريكٌ في كل روح ستُزهق لاحقاً بسبب تردد الآخرين. إنه قاتل بلا سلاح، يطعن النخوة دون أن يرفع يده، ويهدم الثقة بين الناس دون أن يطلق رصاصة واحدة. مثل هذه التصرفات تشوّه صورة العرف العشائري، وتجعله أداة لإرهاب المجتمع بدل أن يكون وسيلة لحلّ النزاعات. تجعل من الفصل نوعاً من الابتزاز، ومن الهيبة سلطة تُمارس ضد الضعفاء والشرفاء على حدّ سواء.
هنا، القانون يُهان، والإنسانية تُصفع، والضمير يُترك ينزف بصمت. الصمت على مثل هذه الأفعال مشاركة في الجريمة، والتبرير لها اعتداءٌ على آخر ما تبقى من قيمنا. المجتمع الذي يخاف أفراده من إنقاذ بعضهم يتحول ببطء إلى غابةٍ من المتفرجين، لا يمدّ أحدٌ فيها يده لأحد.
إن المسعف يجب أن يُكرّم لا أن يُهدَّد، وأن يُحاط بالتقدير لا بالفصل. ومن يطالب بمعاقبة من ينقذ روحاً، يسيء لعشيرته قبل أن يسيء لغيرها، ويهدم القيم التي يدّعي حمايتها. فالشرف لا يُقاس بالمال، ولا بالدم، ولا بالمطالبة بفصلٍ جاهز لأي سبب. الشرف الحقيقي يُقاس بقدرة الإنسان على حماية حياة الآخرين.
ما حدث ليس حادثة عابرة، بل ناقوس خطر يدقّ بأعلى صوته. مجتمعٌ يخاف فيه المرء أن يُساعد، يفقد تدريجياً إنسانيته، ويستيقظ ذات يوم ليجد أنّ الأرواح تُزهق على الأرصفة بينما العيون تكتفي بالمشاهدة. وما لم يُوضع حدّ لهذا الانحراف الآن، سنجد أنفسنا نعيش في بلدٍ يموت فيه الناس بسبب شيخٍ قرر أن يقتل النخوة… بلا سلاح.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح
- إعلانات ساذجة في زمن الفوضى الرقمية
- الكوكايين السلوكي: كيف نحمي جيلنا من الهاوية الرقمية؟-
- كل الغياب يعود الا انت
- دعينا نلتقي
- انتم الخراب الذي يمشي على قدمين
- رفض تاريخي آخر: لماذا تبتعد المرجعية عن لعبة الكراسي؟
- ماض لن يعود .. كوجه جميل غادره الضوء
- أحملك بقلبي وأدفنك بصمتي
- جمال الموت
- أجمل المحطات
- دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة
- جريح الثقة لا يُشفى
- لا تمنح الحقيقة كاملة .. انهم لن يفهموك !!
- بين الثائر والطاغي شعرة
- لقد كانت معركة عظيمة كلفتني قلبًا بأكمله
- ظل الآخر
- قلب مسافر عاشق
- رحيل في منتصف الطريق


المزيد.....




- دول الاتحاد الأوروبي تتفق على تشديد الإجراءات الخاصة بطالبي ...
- تحرير المعتقلين في سوريا: لحظة تاريخية بعد عقود من القمع
- الأونروا تدين مصادرة إسرائيل لممتلكاتها في القدس
- إسرائيل تنزل العلم الأممي من مقر الأونروا بالقدس الشرقية وتر ...
- عودة النازحين السوريين بعد عام على سقوط الأسد: الفرحة لا تُخ ...
- المجلس الوطني الفلسطيني يدين اقتحام الأونروا في القدس
- الأمم المتحدة توثق انتهاكات جنسية مروعة ضد النازحات السوداني ...
- ما تداعيات إنهاء العلاج المجاني على اللاجئين السوريين في ترك ...
- بن غفير يثير جدلا بدبوس مشنقة لدعم إعدام الأسرى الفلسطينيين ...
- إصابات واعتقالات في شجار عائلي بمحكمة بئر السبع


المزيد.....

- اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة وانعكاسا ... / محسن العربي
- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عماد الطيب - شيوخٌ تقتل النخوة