أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - حب يفيض على صدر يخشى الندى














المزيد.....

حب يفيض على صدر يخشى الندى


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 09:11
المحور: الادب والفن
    


أمضيتُ عُمري أمطِرُ مشاعرَ دافئة على روحٍ ظننتها أرضًا عطشى، فإذا بها تحملُ مظلّة لا تتبلّل، ولا تشعر، ولا تنبت فيها وردة واحدة من ذلك المطر الذي أرهق سُحب قلبي. كنتُ أُسرف بالعطاء كأنني غيمة خُلقت فقط لتجود، بينما كانت هي تمدّ فوق روحه قماشة باردة، تجفّف بها كل قطرة أحببت أن تُثمر فيها نورًا.
لم يخطر ببالي يومًا أن المشاعر حين تهطل لا تهدم المظلات، بل تنكسر هي. كُنتُ أظنّ أن الحبّ يذيب المسافات، ويكسر الحواجز، ويُسقط كل ما يحول بين القلب والقلب. لكنني كنتُ مخطئًا… فالمظلة التي تُرفع في وجه المطر ليست لحماية الجسد، بل لحجب الروح عن أي دفء، عن أي صدق، عن أي يد تريد أن تقترب.
كنتُ غيمةً جميلةً… لكنني كنتُ غيمةً ساذجة. ظننتُ أن هطولي عليها واجب، وأن سكب مشاعري فضيلة، وأن استمرار عطائي بطولة. نسيتُ أن البطولة ليست أن تُعطي لمن لا يريد، بل أن تحفظ قلبك ممّن يتقن فنّ الصدّ بأناقة، ويُتقن التظاهر بأنّ البلل يزعجه، وأن دفء المشاعر عبء لا يحتمله.
كم هو مُوجع أن تدرك متأخرًا أن كل الليالي التي قضيتها تسقيها كانت مجرد مشهد عبثي: أنت تسكب نبضك، وهي تفتح المظلّة أكثر. أنت تبلّل الكلمات لتزهر، وهي تحرص على أن تبقى أرضها يابسة، لأنّها ببساطة… لا تريد أن ينبت في داخلها شيء يُلزمها بشيء.
لقد كنتُ أمطر عليها شوقًا، وهي تمسح قطراتها عن كتفيها بلا اكتراث. كنتُ أكتب لها رسائل من قلب يرتجف، وهي تطويها كأنها أوراق بلّلتها السماء خطأً. كنتُ أقترب، وهي تبتعد بخطوة محسوبة، كمن يخشى أن يقع في فخّ الشعور.
والأقسى أنّني كنتُ ألوم نفسي كلّما رأيتها جافًة، صامتًة، منطفئًة. كنتُ أظنّ أن المشكلة في كمية المطر، أو في توقيته، أو في شدّة الهطول. لم يخطر لي أنّ المشكلة ليست في المطر… بل في المظلة. مظلّة صُنعت من البرود، ومن الحكمة الزائفة، ومن الخوف، ومن ذلك النوع القاسي من اللامبالاة الذي يقتل كل شيء من دون أن يرمي رصاصة واحدة.
اليوم فقط عرفتُ الحقيقة: أنك مهما سقيتَ قلبًا محميًا بمظلّة، فلن تُثمر كلمة، ولن تنبت لمسة، ولن تُشرق لحظة. مشاعرك ستتساقط عليها… ثم تنزلق عنها… ثم تضيع.
وأنا تعبتُ. تعبتُ أن أكون غيمة تبحث عن سماء لا تريد المطر. تعبتُ أن أكون قلبًا يركض خلف ظلّ، خلف فراغ، خلف شخص يُتقن فنّ حمل المظلة أكثر مما يتقن فنّ استقبال الحُب.
لقد فهمتُ أخيرًا: ليس كل مَن يبتسم لك يريدك. وليس كل مَن يراك سحابًا يطلب المطر. وبعض القلوب ليست أرضًا عطشى… بل صخورًا لا يخترقها شيء.
من اليوم لن أمطر على أحد لا يُنزل مظلّته. لن أهدر غيمي على أرض لا تنتظر الربيع. سأحفظ مطري لقلوبٍ تستقبلني بذراعين مفتوحتين، بلا مظلات، بلا هرب، بلا تحصّن. سأهطل فقط على مَن يفهم أن المطر نعمة… لا إزعاجًا. وإن كان عليّ أن أصدِم نفسي بالحقيقة، فسأفعل: أحيانًا لا ينهينا الآخرون… نحن الذين نُهلك أنفسنا حين نصرّ على السقوط فوق من لا يريد البلل.
وها أنا… طويتُ غيمي، ورفعتُ رأسي للسماء، واكتشفتُ أنني لم أُخلق لأمطر على من يحمل مظلّة… بل لأهطل على من ينتظرني.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل
- حين تمطر… يغرق الوطن في قطرة
- لستُ بخير
- مسافات الآمان
- شيوخٌ تقتل النخوة
- حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير
- الحرية في جناح عصفور
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح
- إعلانات ساذجة في زمن الفوضى الرقمية
- الكوكايين السلوكي: كيف نحمي جيلنا من الهاوية الرقمية؟-
- كل الغياب يعود الا انت
- دعينا نلتقي
- انتم الخراب الذي يمشي على قدمين
- رفض تاريخي آخر: لماذا تبتعد المرجعية عن لعبة الكراسي؟
- ماض لن يعود .. كوجه جميل غادره الضوء


المزيد.....




- -إحدى أعظم ألغاز الأدب-.. دراسة تستكشف سر وفاة جين أوستن عام ...
- مدير الإدارة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب: ضرورة الحفاظ ...
- متحف -غريفان- بباريس.. 250 تمثالا شمعيا لإضاءة صفحات التاريخ ...
- الممثل الأمريكي ديك فان دايك يكمل عامه الـ100 ويأمل في حياة ...
- 2025 بين الخوف والإثارة.. أبرز أفلام الرعب لهذا العام
- -سيتضح كل شيء في الوقت المناسب-.. هل تيموثي شالاميه هو مغني ...
- أهلًا بكم في المسرحية الإعلامية الكبرى
- الأفلام الفائزة بجوائز الدورة الـ5 من مهرجان -البحر الأحمر ا ...
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم أنتوني هوبكنز وإدريس إل ...
- الفيلم الكوري -مجنونة جدا-.. لعنة منتصف الليل تكشف الحقائق ا ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - حب يفيض على صدر يخشى الندى