أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عماد الطيب - منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات الموازنة














المزيد.....

منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات الموازنة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 00:08
المحور: قضايا ثقافية
    


في كل عام، ومع ضجيج البيانات الحكومية عن “الدعم” و“الرعاية” و“الاهتمام بالطاقات الإبداعية”، تطفو إلى السطح منحة الصحفيين والفنانين والمثقفين، لا بوصفها اعترافًا بقيمة الثقافة، بل كدليل فاضح على حجم الاستخفاف بها. منحة هزيلة، تُصرف على استحياء، وتُقدَّم وكأنها مكرمة كبرى، بينما هي في حقيقتها إهانة مقنَّعة لوعي بلدٍ صنع الحضارة بالكلمة والريشة والنغمة. إهانة حين تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يطالبون هؤلاء المثقفين بأطلاقها وكأنها منحة حقيقية تساهم في رفع مستواهم المعيشي .
السؤال الذي لا تريد الحكومة سماعه: هل قيمة المثقف العراقي، بكل ما حمله من وعي واحتجاج وتنوير وتضحيات، تُختزل بمبلغ لا يسد رمق شهر، ولا يقي من عوز، ولا يحفظ كرامة؟ وهل وزن الثقافة العراقية، بتاريخها الممتد من ألواح الطين إلى القصيدة الحديثة، يُقاس بهذا الرقم التافه الذي لا يساوي ما يُنفق في وليمة سياسية أو مؤتمر بروتوكولي؟
ما يحدث ليس دعمًا للثقافة، بل تسليع فجّ لها. تُحوَّل الثقافة إلى بند ثانوي في الموازنة، وإلى عبء يجب التخلص منه بأقل الخسائر، وكأن المثقف سلعة موسمية تُشترى مرة في السنة لإسكات الضمير العام، لا عقلًا حيًّا يجب الاستثمار فيه. هكذا يُختزل الكاتب إلى رقم، والشاعر إلى توقيع، والفنان إلى ملف، والصحفي إلى اسم في قائمة انتظار، بينما تُفتح خزائن الدولة على مصاريعها لقطاعات لا تنتج سوى الضجيج والفساد.
الأكثر قسوة في المشهد أن هذه المنحة تُمنَح بنبرة منٍّ لا تخلو من إذلال. إجراءات معقّدة، لجان، معاملات، ووعود مؤجلة، وكأن المثقف متهم يجب أن يثبت استحقاقه للفتات. في بلد تُصرف فيه المليارات بلا مساءلة، يُطالب المثقف بتبرير حاجته إلى مبلغ لا يساوي عيش كريم في شهر وهي منحة سنوية لـ12 شهر .
إنها رسالة سياسية واضحة: الثقافة ليست أولوية. الكلمة ليست قوة. الوعي ليس استثمارًا. وهذا أخطر ما في الأمر. فالدول التي تحترم نفسها لا تدعم المثقفين بالصدقات، بل تضعهم في صلب مشروعها الوطني. تدرك أن الصحفي يحمي الحقيقة، وأن الفنان يصون الذائقة، وأن الكاتب يبني الوعي، وأن الشاعر يحرس الروح. أما حين تُهان هذه الفئات، فذلك إعلان صريح عن خوف السلطة من الوعي لا حرصها عليه.
المفارقة الفاجعة أن المثقف العراقي، رغم كل هذا الإهمال، ظل واقفًا. كتب تحت القصف، وغنّى في العتمة، وصوّر الجمال وسط الخراب، ودافع عن الناس حين صمتت المؤسسات. ومع ذلك، تُكافئه الدولة بمنحة لا تحفظ كرامة ولا تؤمّن حياة. أي ميزان هذا الذي تُقاس فيه الثقافة بهذا البؤس؟ وأي دولة تلك التي تظن أن الإبداع يُشترى بسعر رخيص؟
إن منحة بهذه القيمة ليست دعمًا، بل إدانة. إدانة لسياسة ترى في المثقف عبئًا لا شريكًا، وفي الثقافة ترفًا لا ضرورة. وإذا كانت الحكومة جادّة في حديثها عن بناء دولة، فلتبدأ من هنا: من إعادة الاعتبار للمثقف، لا بمنحه صدقة سنوية، بل بضمان عيش كريم، وتشريع عادل، ورؤية تعتبر الثقافة أمنًا وطنيًا لا بندًا هامشيًا.
أما الاستمرار بهذا النهج، فهو اعتراف غير معلن بأن الدولة اختارت أن تكون بلا ذاكرة، بلا وعي، وبلا روح. وحينها، لن تكون قيمة المنحة هي الفضيحة الوحيدة، بل قيمة الدولة نفسها.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل
- حين تمطر… يغرق الوطن في قطرة
- لستُ بخير
- مسافات الآمان
- شيوخٌ تقتل النخوة
- حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير
- الحرية في جناح عصفور
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح


المزيد.....




- واشنطن تفرض حظر سفر على رعايا خمس دول يشمل السوريين والفلسطي ...
- طارق السكتيوي.. سليل عائلة كروية قاد منتخب المغرب إلى الألقا ...
- المدرب جمال السلامي.. من ملاعب المغرب إلى قيادة المنتخب الأر ...
- تصاعد معارك كردفان وسط انتشار الأوبئة وتوثيق مقتل 100 مدني ب ...
- دعوات أممية لإدخال المساعدات إلى غزة وإدانات أوروبية عنف الم ...
- بتهمة جديدة.. ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجددا
- يعملون بدون عقود دائمة أو تأمين.. ماذا قالت البيانات الرسمية ...
- ترامب يعلن خطوبة نجله الأكبر على بيتينا أندرسون.. من تكون سي ...
- القضاء الفرنسي يطالب بتغريم -لافارج- مليار يورو بتهمة تمويل ...
- مسؤول أميركي: على طرفي النزاع بالسودان قبول هدنة -دون شروط- ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عماد الطيب - منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات الموازنة