أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد الطيب - الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟














المزيد.....

الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 09:11
المحور: كتابات ساخرة
    


كان يتقدّم نحوه بعصبية، يلوّح بيده كأنّه يطرد ظِلًّا ثقيلاً يلتصق بصدره، ثم صرخ في وجهه: "يا حمار!"… لحظة واحدة كانت كافية لأدرك أن الشتيمة ليست موجهة إلى الرجل بقدر ما هي طعنة جديدة في ظهر ذلك الحيوان الصبور الذي لم يخطئ يومًا، لكنه صار منذ قرون الواجهة الرسمية لغضب البشر. واسمه ابرز الأسماء يطلق في الشتيمة ومعه اسم الكلب . توقفتُ أتأمل المفارقة: لماذا يختار الإنسان في كل بقاع العالم الحمار والكلب بالذات كي يقذف بهما الآخرين؟ لماذا تُستخدم أسماء أكثر الكائنات إخلاصًا وصبرًا كرموز للإهانة؟
ربما لأن الإنسان يشتم ما يعرفه أكثر مما يشتم ما يجهله. فالحمار والكلب كانا جزءًا من يومياته، من بيته، من طرقه وحقوله، فدخل اسماهما لغته اليومية، ثم انحدرا من الشراكة إلى الشتيمة. ومع ذلك، حين تجرّد الكلمات من ضجيجها، سنجد أن الحمار والكلب لا يستحقان هذا المصير اللغوي، بل يمتلكان من الامتيازات ما يجعل كثيرًا من البشر مدينين لهما بالتواضع والاحترام.
الحمار مثلًا ليس غبيًا كما يقال، بل هو حذر، وهذا الحذر يُترجم في أذهان الناس على أنه عناد. يقف في منتصف الطريق رافضًا التقدّم، لا لأنه لا يفهم، بل لأنه يرى ما لا يراه البشر، ويشم رائحة الخطر قبل أن يقترب. ولو كان غبيًا حقًا لما عاش آلاف السنين مرافقًا الإنسان عبر الصحارى والجوع والحقول القاسية. الحمار كائن يمتلك فضيلة الصبر بدرجة أسطورية، يتشارك قوته بلا شكوى، يحمل أثقال البشر بلا اعتراض، ويواصل المسير حتى عندما يتوقف الإنسان عن الإيمان بقدرته على التحمل.
ومع ذلك، تحوّلت هذه الفضائل إلى سخرية، وكأن الإنسان حين يعجز عن فهم قيمة الصبر يختار أن يهين صاحبه بدلًا من أن يتعلم منه. فالكائن الأكثر احتمالًا صار رمزًا للغباء، والكائن الأكثر صبرًا صار مرادفًا للبلادة، وهذه ليست إهانة للحمار، بل اعتراف غير مباشر بعجز الإنسان عن اللحاق بفضيلته. ومعرفة ماهيته .
أمّا الكلب، فهذا الكائن الذي يفهم ملامح الوجه ونبرة الصوت، ويتعلّق بصاحبه تعلّقًا عاطفيًا لا تحمله أيّ حيوانات أخرى، فقد تحمّل أيضًا نصيبه من التحريف اللغوي. الكلب الذي يفدي صاحبه بروحه، ويحرس، ويقاتل، ويغار، ويحزن، ويشتاق، ويعود حتى بعد الأذى، صار في بعض الثقافات شتيمة جاهزة. إنه تناقض صارخ: نستخدم اسم الحيوان الأكثر وفاءً لنسُبّ به الأكثر خيانة، ونسمي الغادر باسمه، رغم أن الكلب بعيد عن الخيانة كبعد السماء عن الطين. وفي حقيقته ينعكس الوفاء اكثر من أي مخلوق حتى الانسان .
لماذا إذًا يصرّ البشر على استخدام اسم الحمار رمزًا للغباء، واسم الكلب رمزًا للإهانة؟ لأن الإنسان غالبًا يسقط على الحيوانات ما بداخله؛ يرى البطء فيقول غباء، ويرى الحذر فيقول عناد، يرى الوفاء فيستصغره لأنه يذكره بما فقده، فيحاول تحجيم قيمته عبر تحويله إلى كلمة غضب.
الحمار يعكس بطئنا وضعفنا أمام الانتظار، لذلك نسخر منه. والكلب يعكس وفاءً نفتقده في علاقاتنا، لذلك نحقّره كي نخفف ثقل المقارنة. والحقيقة أن الحمار صبور أكثر مما يتحمّل كثير من الناس مكالمة هاتف قصيرة، وأن الكلب وفيّ أكثر من أصدقاء يغيّرون صداقتهم بتغير الفصول.
إنها مفارقة لغوية ونفسية وثقافية: الأمم التي تُهين أكثر الحيوانات صبرًا وأوفاها لا تفضح الحيوانات، بل تفضح نفسها. فحين يشتم أحدهم آخر قائلًا: "يا حمار!" ربما كان عليه أن يدرك أنه يمدحه دون أن يشعر، أو على الأقل يشتمه باسمٍ لا يحمل كل هذا الشرف.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل
- حين تمطر… يغرق الوطن في قطرة
- لستُ بخير
- مسافات الآمان
- شيوخٌ تقتل النخوة
- حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير
- الحرية في جناح عصفور
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح
- إعلانات ساذجة في زمن الفوضى الرقمية


المزيد.....




- نجم مسلسل -General Hospital-.. رحيل الممثل أنتوني جيري عن عم ...
- تعليق ترامب على مقتل المخرج روب راينر يثير الغضب
- تجسد الشخصيات للمرة التانية على التوالي .. هل فيلم الست حقق ...
- صور مذهلة تكشف عن العوالم الخفية داخل الآلات الموسيقية
- الوقف السني يدين الشاعر علي نعيم: أي إساءة تُطال الصحابة تسه ...
- مقتل المخرج الأمريكي روب راينر وزوجته بلوس أنجلس واتهام الاب ...
- اعتقال ابن الممثل والمخرج الناقد لترامب روب راينر بتهمة قتل ...
- - سقوط الأفكار- يزجّ بشاعرة شابة إلى الساحة الأدبية الموصلية ...
- جامعة حلب تحتفل باليوم العالمي لعائلة اللغة التركية
- فيلم وثائقي فرنسي-ألماني يقدم قراءة نقدية حادة للواقع المصري ...


المزيد.....

- لو كانت الكرافات حمراء / د. خالد زغريت
- سهرة على كأس متة مع المهاتما غاندي وعنزته / د. خالد زغريت
- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد الطيب - الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟