أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة














المزيد.....

بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 17:14
المحور: الادب والفن
    


كنتِ ـ وما زلتِ ـ جميلةً في الروح والجسد، لا لأن الملامح قالت ذلك، بل لأن الحضور كان يسبقها. لم أُغبِن صفاتك يومًا، ولم أحتج إلى تبرير إعجابي بك؛ كنتِ طيبةً بقدر ما تسمح به الفطرة، ونقيّةً بقدر ما تحتمله التجربة. غير أن هذا الجمال، حين يُترك وحيدًا في مهبّ الانفعال، يتشوش، كمرآةٍ صافيةٍ لامسها الغضب فجأة فاختلطت صورها.
هذه المقالة ليست إدانة، ولا مرافعة دفاع، بل قراءة هادئة لسؤال موجع: كيف يمكن لردّة فعلٍ متسرّعة أن تُسقِط كل هذا الرصيد الإنساني في لحظة واحدة؟
الطيبة، حين لا تُدرَّب على الصبر، تتحول إلى هشاشة. والذكاء، حين لا يُسند بالحِلم، يصبح أداةً لقطع الجسور لا لبنائها. كنتِ مبهرَةً في الحوار عندما تصغين، وفي النقاش حين تمنحين المساحة للفهم، لكنكِ في اللحظة التي يستعجل فيها الانفعال الكلمة، تفقدين السيطرة على المعنى. هنا لا تُخطئ الفكرة وحدها، بل تُساء الظنون، ويُقرأ الكلام على غير مقصده، وتُحمَّل النوايا ما لم تقله.
ردود الأفعال المتسرعة لا تكشف عن قوة الشخصية كما يُخيّل لصاحبها، بل عن خوفٍ دفين من أن يُساء الفهم، أو أن يُنتقص من القيمة. إنها ردود أفعالٍ دفاعية، تسبق السؤال، وتستعجل الحكم، وتختصر الطريق على حساب الحقيقة. وما أخطر هذا الاختصار حين يكون الثمن صورة الإنسان في عيون من أحبّوه.
في الحوارات، لا نخسر لأننا نخطئ الرأي، بل لأننا نخطئ التوقيت. كلمة تُقال قبل أن يكتمل الفهم، موقف يُتخذ قبل أن تهدأ الفكرة، ظنٌّ يُطلق دون دليل… كل ذلك لا يهدم الحوار فقط، بل يهدم ما هو أعمق: الثقة. والثقة، حين تُخدش، لا تعود بسهولة مهما كانت النوايا صافية.
لهذا يتبدد ذاك البريق الذي كان يُرى فيكِ حبيبًا وصديقًا وزميلًا. لا لأنكِ تغيّرتِ جوهريًا، بل لأن صورتكِ تشوّهت بفعل سلوك لحظي. الناس لا تملك رفاهية الغوص في دوافعك الداخلية، هم يحاكمون ما يرونه ويسمعونه. وردّة الفعل، للأسف، أكثر ما يُرى وأكثر ما يُحفظ في الذاكرة.
التحليل الأصدق يقول إنكِ لا تفتقرين إلى الوعي، بل إلى التمهّل. لا ينقصكِ الفهم، بل الصمت المؤقت الذي يسمح له أن يكتمل. الصمت هنا ليس ضعفًا، بل حكمة مؤجلة. هو المسافة الضرورية بين الشعور والكلمة، بين الاستفزاز والرد، بين الظنّ والحقيقة.
كم من علاقاتٍ خسرتها كلمات قيلت في لحظة توتر، وكم من صورٍ جميلة تكسّرت لأن أحدهم لم يمنح نفسه دقيقة إضافية للتفكير. الإنسان لا يُقاس بما يشعر به، بل بما يفعله حين تشتعل مشاعره. وهنا، تحديدًا، يُختبر النضج.
أن تكوني جميلة في الروح والجسد نعمة، وأن تكوني ذكية ومحبوبة امتياز، لكن أن تحافظي على ذلك كله يتطلب شجاعةً من نوع آخر: شجاعة ضبط النفس. أن تؤجلي الرد، أن تسألي قبل أن تحكمي، أن تمنحي الحوار حقه من الفهم لا حقه من الانتصار.
في النهاية، لا شيء مؤلم أكثر من أن يخسر الإنسان مكانته لا لعيبٍ فيه، بل لردّة فعلٍ كان يمكن تداركها. الجمال لا يزول، لكنه يُحجب. والطيبة لا تموت، لكنها تُساء قراءتها. وما بين هذا وذاك، يقف الإنسان أمام مرآته، ليدرك أن أعظم انتصاراته ليست في الرد السريع، بل في الحكمة التي تجعله يختار متى يرد… ومتى يصمت.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً
- عدتِ متأخرة… فوجدتِ الخراب منظّماً
- عودة الشخص الآخر… عودة الحياة بطعم العتاب
- إمرأة من خيال
- همسة تصل… فتُزهر الروح
- الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف
- منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات المو ...
- الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل


المزيد.....




- فيلم -القصص- يحصد التانيت الذهبي في ختام أيام قرطاج السينمائ ...
- مدينة أهواز الإيرانية تحتضن مؤتمر اللغة العربية الـ5 + فيديو ...
- تكريمات عربية وحضور فلسطيني لافت في جوائز -أيام قرطاج السينم ...
- -الست- يوقظ الذاكرة ويشعل الجدل.. هل أنصف الفيلم أم كلثوم أم ...
- بعد 7 سنوات من اللجوء.. قبائل تتقاسم الأرض واللغة في شمال ال ...
- 4 نكهات للضحك.. أفضل الأفلام الكوميدية لعام 2025
- فيلم -القصص- المصري يفوز بالجائزة الذهبية لأيام قرطاج السينم ...
- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة