أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً














المزيد.....

تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 09:30
المحور: الادب والفن
    


( يا حمد حبهم دغش شمتاني .. تعلّموا نسيانك ونسياني ) لم يكن صوتاً جميلاً بقدر ما كان دقيقاً. دقيقاً كجرحٍ يعرف مكانه ولا يخطئ. حين سمعت المقطع، لم أُغلق الصوت، بل أغلقتُ أعذاركم واحدةً واحدة. فهمتُ فجأة أن النسيان ليس غياباً للذاكرة، بل قراراً. تعلّموا نسيانك ونسياني. الجملة لا تتحرّك، لكنها تُحرّك كل شيء. تعود كل مرة وتضع إصبعها على المكان ذاته، حيث تركتمونا نُعيد ترتيب أنفسنا وحدنا. أنتم لم تنسوا لأن الوقت مرّ، نسيتم لأنكم استثمرتم في النسيان. هناك من يبني بيتاً، وهناك من يبني مسافة، وأنتم بنيتم مسافة كافية كي لا تسمعوا صوت الكسر.
الحبّ الذي قدّمتموه لم يكن خطأً عاطفياً، كان ترتيباً ذكياً للخروج. كلمات محسوبة، دفء بالقدر اللازم، ووعود تُقال لتأجيل الأسئلة لا للإجابة عنها. كل شيء كان يعمل لصالح لحظة واحدة: لحظة أن تمضوا بلا حساب.
الشماتة لم تكن في ضحكة، كانت في الهدوء. في نومٍ كامل، في صباحٍ بلا ثِقل، في يومٍ عادي بينما كنّا نحن نُقسّم اليوم إلى أنفاس كي نحتمله.
يا حمد، تعلّموا نسيانك لأن حضورك كان يطالبهم بأن يكونوا أفضل، وتعلّموا نسياني لأن الشاهد على الزيف يُربك القصة. والقصص التي تُربك، يُستغنى عنها.
الذاكرة لا تؤلم لأنها تتذكّر، تؤلم لأنها تُقارن. نحن نتذكّر ما قيل، ثم نقارن بما فُعل، والفجوة هي ما يقتل. نحن لم نكن نبحث عن كمال، كنّا نبحث عن اتساق. أن تقولوا ما تفعلون، وأن تفعلوا ما تقولون. لكنكم فضّلتم اقتصاداً عاطفياً أقل كلفة: أخذٌ كامل، ودفعٌ مؤجّل… إلى غير موعد.
أنتم لم تغادروا فجأة، غادرتم بالتدريج. قلّة اتصال، تأجيلات صغيرة، تعبٌ مُعلّب، محاورات نارية ، اتهامات باطلة . حتى صار الغياب منطقياً، وصار الألم مشكلة من تركتموه.
الذنب لا يظهر عند الرحيل، يظهر لاحقاً… حين يطلب الوعي فواتيره. لهذا يختنق النص، لأنه يُذكّر الفاتورة. في القراءة الأولى، قد يبدو الكلام قاسياً. في الثانية، ستبحثون عن استثناء لأنفسكم. في الثالثة، ستتذكّرون وجهاً لم تعتذروا له. في الرابعة، ستفهمون لماذا لا يُنسى هذا النص.
نحن لم نكن ضعفاء، كنّا مكشوفين. الفرق كبير. الضعف نقص، أما الانكشاف فثقة أسيء استخدامها. وأنتم استخدمتموها ثم أغلقتم الباب.
الذاكرة تعمل ببطء، لكنها تعمل. تُعيد المشهد نفسه بزوايا مختلفة: توقيت الرسائل، اللحظة التي تغيّر فيها كل شيء ولم ننتبه. كل زاوية تضيف ثقلاً جديداً.
أقول : النسيان السريع ليس قوة، إنه انسحاب مبكر من المسؤولية. القوة أن تبقى وتواجه، لا أن تنجو وتسمّي ذلك نضجاً. أنتم لم تتركوا أشخاصاً، تركتم أسئلة بلا إجابة. والأسئلة حين تُترك، تتحوّل إلى ليل طويل . ونحن لم نسهر لأننا نحب السهر، سهرنا لأن النوم كان يتطلّب تفسيراً.
( تعلّموا نسيانك ونسياني). لاحظوا كيف لا يطلب شيئاً، ولا يصرخ، ولا يهدّد. هو فقط يذكر الحقيقة… وهذا يكفي.
العقل ينسى التفاصيل، لكن الجسد لا ينسى الإحساس. لهذا يعود الاختناق عند القراءة، حتى لو حاولتم عقلنة كل شيء. نحن لم نطلب اعتذاراً عظيماً، طلبنا إشارة. علامة صغيرة تقول: نحن نعلم أننا آلمناكم. لكن الصمت كان جوابكم الأكثر اكتمالاً. أنتم تحبّون القصص ذات النهاية المفتوحة، لأنها لا تُدين أحداً. أما نحن، فعلّقنا في منتصف الحكاية، لا نهاية ولا بداية جديدة، فقط انتظار.
المجتمع يصف الناسي بالقوي، والذاكر بالضعيف. لكن الحقيقة معكوسة. الذاكرة شجاعة، والنسيان… راحة مؤقتة. نحن لم ننهَر، تعلّمنا التماسك القسري. تعلّمنا أن نبتسم دون أن نُشرح، وأن نُجيب: ( أننا بخير) دون أن نُفصّل.
اقرأوا هذا النص بعد أسبوع. ستشعرون بثِقل مختلف. اقرأوه بعد شهر، ستعرفون لماذا لا يهدأ. لأنه لا يتهم، بل يذكّر. أنتم اخترتم النجاة، وهذا حقّكم. لكن النجاة التي تُبنى على كسر الآخرين تترك أثراً، حتى لو تأخّر.
الذنب لا يطلب الاعتراف، يطلب المواجهة. وهذا النص… مواجهة. لا نريد اعتذاركم الآن. ليس لأننا أقوى، بل لأن الوقت تعلّم كيف يتجاوزنا. الاعتذار المتأخر لا يعيد ترتيب الليل، ولا يخفّف وطأة الأسئلة. نحن بخير؟ لا. نحن فقط اعتدنا الثِقل. صار جزءاً من المشي، من الكلام، من الصمت.
سنمضي، لكن بذاكرة أثقل مما ينبغي. سنمضي ونحن نعرف أن بعض القلوب لا تكسر لأنها شريرة، بل لأنها اختارت الطريق الأسهل.
إذا شعرتِ بالحزن وأنتِ تنهين القراءة، فهذا ليس لأن النص حزين. بل لأنك تذكّرتِ شخصاً كان يمكن إنقاذه بكلمة، ولم تُقل. وهذا كل ما في الأمر.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدتِ متأخرة… فوجدتِ الخراب منظّماً
- عودة الشخص الآخر… عودة الحياة بطعم العتاب
- إمرأة من خيال
- همسة تصل… فتُزهر الروح
- الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف
- منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات المو ...
- الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم
- الاعلام الحربي الناعم
- عبث العطاء في عالم بلا جذور
- وهم المكانة وحقيقة الآخر
- عراقٌ مُعَطَّل
- حين تمطر… يغرق الوطن في قطرة


المزيد.....




- موضة شرقية بروح أوروبيّة معاصرة.. إطلالات نانسي عجرم في كليب ...
- في يومها العالمي: اللغة العربية بين التطوير وخطر التراجع
- -الست-.. فيلم يقترب من أم كلثوم ويتردد في فهمها
- 5-نصوص هايكو :بقلم الشاعر محمد عقدة.دمنهور.مصر.
- الشاعر تامر أنور ضيف منصة نادى ادب قصرثقافة دمنهور ومناقشة آ ...
- بعد التوبة.. حاكم ولاية تينيسي يصدر عفوًا عن نجم موسيقى الري ...
- أفغانستان تودع ثالث سينما تاريخية بعد إزالتها من قبل طالبان. ...
- الممثلة الأممية: عدم الثقة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة ي ...
- نقطةُ ضوءٍ من التماعات بدر شاكر السيَّاب
- ماذا قال تركي آل الشيخ عن فيلم -الست-؟


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً