أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عماد الطيب - تأملات في بؤس المشهد الثقافي














المزيد.....

تأملات في بؤس المشهد الثقافي


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 13:50
المحور: قضايا ثقافية
    


ما كتبه الروائي الجزائري بشير مفتي على صفحته في فيسبوك لا يمكن قراءته بوصفه شكوى شخصية أو حالة عابرة، بل هو شهادة موجعة على واقع ثقافي مأزوم. كاتب أنجز ثلاث عشرة رواية، وثلاث مجموعات قصصية، وكتب عشرات المقالات والنصوص المختلفة، وتُرجمت بعض أعماله إلى الفرنسية، ويصدر في بداية العام رواية جديدة، ثم تمرّ هذه الرواية كأنها لم تُولد. لا قارئ يبدي رأيًا، ولا ناقد يختلف أو يقترب، ولا جهة ثقافية أو أكاديمية تدعو الكاتب للحديث عنها، ولا جامعة ترى في النص مادة للنقاش أو الدرس. هذا الصمت الكامل لا يمكن تفسيره إلا بوصفه علامة على خلل أعمق من مصير كتاب واحد.
المؤلم في هذه الواقعة ليس غياب الاحتفاء أو الترويج، بل غياب التفاعل ذاته. نحن لا نعيش زمن الصدامات الفكرية ولا زمن السجالات الأدبية الحادة، بل نعيش زمن اللامبالاة، والزمن الذي لا يحتج ولا يناقش ولا يختلف هو زمن يعلن موت الحس الثقافي. الرفض اعتراف ضمني بالقيمة، أما التجاهل فهو إلغاء تام، كأن الكاتب لم يكتب، وكأن النص لم يوجد. في هذا المناخ يصبح الصمت حكمًا نهائيًا، لا فرصة فيه للتراكم ولا للجدل ولا حتى للخطأ.
الثقافة في مجتمعاتنا لم تتراجع من حيث الإنتاج، فالكتب تصدر والروايات تُكتب والأسماء تتكاثر، لكن ما تراجع فعليًا هو المتلقي الحقيقي. ذلك القارئ الذي كان يرى في الكتاب حدثًا فكريًا، وفي الندوة مساحة للاختلاف، وفي الكاتب صوتًا يستحق الإصغاء. حلّ مكانه متلقٍ سريع، عابر، يستهلك العناوين كما يستهلك الأخبار، ويمنح إعجابًا عابرًا بدل رأي، ويهرب من النص الذي يتطلب جهدًا وتأملًا. هكذا تفككت العلاقة بين الكاتب والمجتمع، وبات الكاتب يكتب في فراغ، فيما انسحب الجمهور إلى شاشاته الصغيرة، وترك الثقافة وحيدة في قاعات شبه فارغة.
المؤسسات الثقافية بدورها لم تكن خارج هذا التراجع، بل كانت جزءًا منه. الصحافة الثقافية تخلّت عن دورها النقدي، واكتفت بلغة المجاملات أو الصمت المطبق. الجامعات انفصلت عن الأدب الحي، وفضّلت نصوصًا مؤرشفة ومكرورة على نصوص تكتب الآن وتعبّر عن قلق الحاضر. أما الندوات الثقافية، فتحولت في كثير من الأحيان إلى طقوس شكلية، تُعقد لتُصوَّر، وتُدار بخطاب خشبي، ويحضرها المتحدثون أنفسهم أكثر مما يحضرها القراء. وحين يغيب الجمهور الحقيقي، تغيب الأسئلة، وحين تغيب الأسئلة تفقد الثقافة سبب وجودها.
ما عبّر عنه بشير مفتي حين وصف زمننا بالبائس ليس مبالغة ولا انفعالًا عاطفيًا، بل توصيف دقيق لمرحلة يُحتفى فيها بالسطحي لأنه سهل، وبالضجيج لأنه لافت، وبالتفاهة لأنها لا تتطلب تفكيرًا. في هذا الزمن يُهمَّش الكاتب الجاد لأنه لا يجيد تسويق نفسه، ويُقصى النص العميق لأنه يطالب القارئ ببطء ووعي ومشاركة ذهنية. إنها بؤس ثقافي قبل أن يكون فقرًا ماديًا، بؤس في الذائقة، وفي الفضول، وفي الرغبة في الفهم.
قضية بشير مفتي ليست قضية كاتب لم يُنصف، بل قضية ثقافة فقدت جمهورها، أو ربما تخلّت عنه، فبادلها الغياب بالغياب. السؤال الحقيقي لم يعد لماذا لم تُناقش الرواية، بل هل ما زال هناك من يريد أن يناقش أصلًا. وحين يتحول الكاتب إلى شاهد على زمن لا يسمعه، فإن الخسارة لا تقع على فرد واحد، بل على مجتمع اختار، بصمت، أن يعيش خارج الثقافة، وأن يستبدل المعنى بما هو أسرع، وأسهل، وأكثر قابلية للنسيان.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل الطرق تؤدي اليك
- قربكِ يؤذيني
- الوعي كألمٍ ناعم
- بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة
- تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً
- عدتِ متأخرة… فوجدتِ الخراب منظّماً
- عودة الشخص الآخر… عودة الحياة بطعم العتاب
- إمرأة من خيال
- همسة تصل… فتُزهر الروح
- الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف
- منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات المو ...
- الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات
- الهاتف… اليد الثالثة التي أطاحت بشخصية الشباب
- ابن الحضارة لا يُهزم
- أصعب اشتياق
- أصدقاء مرّوا… فصاروا وطناً
- حب يفيض على صدر يخشى الندى
- المرأة الأخرى
- الإنسان الأخير في زمن الخراب الناعم


المزيد.....




- شاهد.. نيكي ميناج تشيد بترامب بظهور مفاجئ كضيفة شرف في مؤتمر ...
- مراسل CNN يفصل ما نعرفه للآن عن مقتل جنرال روسي بارز بموسكو. ...
- سرّ تحضير المسقعة اليونانية بالباذنجان.. أشهى ما حضّرته هذه ...
- مئات ينضمون إلى حملة تنظيف سنوية لنهاية العام في معابد كيوتو ...
- رسائل واشنطن وسلاح الفصائل: لحظة سياسية حساسة في بغداد
- الرقم 79432 يربح 4 ملايين يورو في يانصيب عيد الميلاد الإسبان ...
- تايلاند وكمبوديا تستعدان لاستئناف محادثات وقف إطلاق النار
- وثائقي -ردع العدوان- وأحمد الشرع: سرد أحداث معركة أم بناء شر ...
- وزيرا الخارجية والدفاع التركيان في دمشق.. واتفاق 10 آذار مع ...
- تدربا على أسلحة في الريف.. الشرطة تكشف دوافع مهاجمي سيدني


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عماد الطيب - تأملات في بؤس المشهد الثقافي