عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 01:05
المحور:
الادب والفن
في عودتها الأخيرة لم تقل شيئًا صريحًا، لكنها تركت كلماتها تمشي على أطرافها، كأنها تخاف أن توقظ قلبي النائم على فكرةٍ واحدة. فهمتُ المغزى من الصمت، من تلك الجملة التي لم تُكتَب، ومن النظرة التي قالت أكثر مما يحتمل الكلام. أرادتني صديقًا… وكأن الصداقة يمكن أن تُلبَس فوق قلبٍ كان يومًا وطنًا كاملًا.
كان طلبها مهذبًا، إنسانيًا، خاليًا من القسوة الظاهرة، لكنه اخترقني كحقيقة باردة. كيف لي أن أُقنع قلبي بأن يتقن دور الصديق، وهو لم يتعلّم معكِ إلا لغة العشق؟ كنتُ معكِ بعنوانٍ واحد لا يقبل التأويل، لا يحتمل الحياد، ولا يعرف المناطق الرمادية. كنتُ حضورًا كاملًا أو غيابًا نظيفًا، ولم أكن يومًا بارعًا في أنصاف المشاعر.
الصداقة بعد الحب ليست ارتقاءً أخلاقيًا كما يُقال، بل امتحان قاسٍ للذاكرة. هي جلوسٌ على حافة ما كنّا، دون أن يُسمَح لنا بالوقوع. هي أن أراكِ ولا أمدّ يدي، أن أسمع صوتك ولا أسمح لقلبي أن يركض نحوه. الصداقة معكِ تعني أن أتعلم الكذب على نفسي يوميًا، وأن أوقّع هدنة مع وجعي دون أن أؤمن بها.
أنا لا أرفض الصداقة لأنني لا أقدّرها، بل لأنني أعرف نفسي جيدًا. أعرف أن قلبي لا يعرف التمثيل، ولا يجيد تقليص المسافات بعد أن اتسعت فيه. أعرف أن كل “كيف حالكِ؟” ستكون فخًا، وكل ضحكةٍ بيننا ستستدعي تاريخًا كاملًا من اللهفة، وأنني سأخون صداقتنا ألف مرة بصمتي.
لم أكن يومًا رجل الخيارات السهلة. أحببتكِ بوضوح، وكنتُ معكِ فكرة كاملة لا هامشًا. لذلك يبدو هذا الطلب، رغم رِقّته، كأنه دعوة أن أعيش منقوصًا، أن أكون أقل مما كنت، وأن أضع قلبي في قفصٍ جميل اسمه الصداقة، بينما روحه ما زالت تطلب التحليق.
ربما كان الأصدق أن أرحل دون ضجيج، أن أترك لكِ صورة رجلٍ عرف ماذا يريد، ولم يساوم عليه. فبعض العلاقات لا تُنقَذ بالصداقة، وبعض القلوب لا تُشفى بالقرب. أنا لم أخسركِ لأنني لم أوافق، بل خسرتُ نفسي لو قبلت.
ومع ذلك، أترك الباب مواربًا للنور لا للحنين، وأمضي بقلبٍ أخفّ مما كان، كمن غسل وجعه بماء الصدق. سأحملكِ ذكرى دافئة لا تُؤلم، وامتنانًا هادئًا لما كان جميلًا ثم اكتمل. فبعض النهايات لا تُغلق لتُنسى، بل تُغلَق لتتنفّس… وحين أتنفّس أخيرًا، أعرف أنني اخترت الحياة.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟