أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة شجن الأنهار في أدب أليف شافاك : عندما تتحدث قطرة الماء بلسان التاريخ .















المزيد.....

مقامة شجن الأنهار في أدب أليف شافاك : عندما تتحدث قطرة الماء بلسان التاريخ .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


تتحدث إليف شافاك عن سبب حاجتنا المستمرة للروايات , فتقول : (( نحن نعيش في عصرٍ تكثر فيه المعلومات , لكنّ المعرفة شحيحة , والحكمة أقلّ , هذا الفائض من المعلومات يُصيبنا بالغرور , ثمّ يُفقدنا الإحساس , علينا تغيير هذه المعادلة , والتركيز أكثر على المعرفة والحكمة , للمعرفة , نحتاج إلى الكتب , والصحافة المتأنية , والتحليلات المعمّقة , والفعاليات الثقافية , وللحكمة , نحتاج من بين أمور أخرى , إلى فنّ سرد القصص , نحتاج إلى الأسلوب المطوّل , وأنا لا أدعي ان الروائيين حكماء , بل على العكس تماماً , نحن فوضويون , لكنّ الرواية الطويلة تحوي بصيرة وتعاطفاً وذكاءً عاطفياً ورحمة , وهذا ما قصده ميلان كونديرا حين قال : حكمة الرواية تختلف تماما عن حكمة الفلسفة )) .

اليف شافاك , تم اختيارها رئيسة للجمعية الملكية للأدب في بريطانيا , روايتها الاخيرة (( هناك أنهار في السماء )) , تتناول موضوعا يشغل معظم سكان الكرة الارضية وهو المياه , لكنها ستركز على منطقة واحدة تعاني من الجفاف وهي بلاد الرافدين التي تصفها بانها بلاد شكلتها الأنهار , وفي الوقت نفسه تشكو فيها الأنهار, فدجلة والفرات في أدنى مستوياتهما في التاريخ , بعد أن كانا ذات يوم مهد الحضارة , في الوقت الذي تجف فيه أنهار الرافدين , لا تنفك تظهر من تحت شواطئها المتراجعة مستوطنات عمرها الف عام , من الصفحة الأولى إلى الأخيرة , تتلون هذه الرواية برمز الماء , تبدأ بقطرة مطر وتنتهي بقطرة من دجلة تصعد ببطأ لتتحول في عيني طفل الى انهار عظيمة في السماء لا تكف عن التدفق .

قصيدةٌ مفقودةٌ , ونهرَان عظيمان , وثلاث حيَوَاتٍ استثنائيَّة , تربط بينها كلَّها قطرةُ ماءٍ واحدة , فهناك في أطلال نينوى , كِسَرٌ من قصيدةٍ منسيَّةٍ منذ زمنٍ سحيق , مدفونةٌ تحت الرمال , يُولد طفلٌ وحيدُ عصرِه في لندن في القرن التاسع عشر , على حافَّةِ النهرِ الأسود القاتم , ولا فرصة لديه كي يهرب من الفقر سوى ذاكرته المذهلة , وحين يعمل آرثر في دار نشرٍ ومطبعة , ينفتح عالمُه بعيدًا عن العشوائيَّات , ويجد نفسه في رحلةٍ في ما وراء البحار بسبب كتابٍ واحد : نينوى وآثارها , وفي تركيا , صبيَّةٌ إيزيديَّةٌ تعيش بجوار دجلة , تنتظر تعميدها بماءٍ من الوادي المقدّس في العراق , أمَّا زليخة , عالمة الهيدرولوجيا , فتنتقل إلى العيش في بيتٍ عائمٍ في نهر التّمز , هربًا من حطام زيجتها , تأتينا الرواية ثريَّةً شاملةً في إنجازٍ سرديٍّ مبهر , عبر قرونٍ وقارَّاتٍ وثقافات , تتشابك فيها الأنهار والأمطار وقطرات الماء , (( الماء لا ينسى , لكنَّ النسيان شيمةُ البشر )) .

تبدأ الرواية بطرح سحري جذاب , إذ تتبع مسيرة حياة قطرة المطر, منذ تشكلها ثمَّ تجسدها وصولاً إلى تحولها لصور أخرى عبر القارات والقرون , وتنتقل الرواية بين ثلاثة ازمنة , تبدأ من قطرة ماء تنزل من السماء , لتستقر على شعر الملك اشور بانيبال الذي انشأ اضخم مكتبة في العالم , والذي انبثقت من بلاده ملحمة كلكامش أول ملحمة عن الطوفان , لتنتقل بنا الى لندن عام 1840 , فنجد انفسنا امام نهر التايمز الملوث بمياه الصرف الصحي , هناك يولد آرثر من أبٍ مدمنٍ على الكحول ووالدةٍ مريضةٍ نفسيا , كانت ذاكرته القوية هي فرصته الوحيدة للنجاة من الفقر الذي يطارد عائلته عندما أهلته موهبته للحصول على فرصة تدريب في دار نشرٍ , احيث تنفتح أمامه آفاقٌ واسعةٌ , هناك يلفت انتباهه كتاب بعنوان (( نينوى وآثارها )) للرحالة البريطاني أوستن لايارد , وعمليات التنقيب عن الآثار في منطقة النمرود , ان اسم نينوى يبدو لارثر اشبه بالحلم , من هناك اتت الثيران المجنحة , رآها عند المتحف البريطاني , ومنذ ذلك الحين أسرته .

بعدها تنتقل بنا اليف شافاك الى تركيا عام 2014 حيث الفتاة الإيزيدية نيرين التي تبلغ من العمر عشر سنوات , مصابة بمرض نادر سيؤدي بها قريباً إلى فقدان السمع , وقبل حدوث ذلك , عزمت جدتها على تعميدها في معبد عراقي مقدس , ولكن مع تصاعد نفوذ داعش وتدمير أراضي أجداد العائلة على ضفاف نهر دجلة , بات الوصول الى المعبد مستحيلاً , لنلتقي بعد ذلك عام 2018 بزليخة او الدكتورة زي كلارك كما يسميها زملائها في لندن , وهي عالمة في المياه , تعاني من مشاكل زوجية أدت بها الى الطلاق , فهي الآن تسكن وحيدة في منزل عائم على نهر التايمز , زليخة الفتاة اليتيمة التي رباها احد اقاربها الاثرياء , عانت الكثير من المصاعب حتى انها كانت قد اتخذت قرارا بإنهاء حياتها إلى أن غير كتاب غريب عنوانه (( نينوى ووآثارها )) كل شيء في حياتها .

تمزج الرواية بين قصص مختلفة تتبع ازمنة مختلفة , تربطها جميعا قطرة ماء تحمل سر الخلود , فالماء له ذاكرة , والأنهار بارعة في التذكر, النهران الأبرز في الرواية هما دجلة والتايمز , يتغذى كلاهما من روافد متعددة , وينطبق الأمر نفسه على هذه الرواية , التي تمزج بين قصص مختلفة تنبع من أزمنة وأماكن متباينة , هكذا , تاخذنا اليف شافاك في رحلة مع قطرة ماء وهي تمر بجميع العمليات الفيزيائية من تبخير وتكثيف وتجميد عبر القارات والقرون , لتجعلنا نقف وجهاً لوجه أمام ما فعله الإنسان بالمياة التي هي مصدر الحياة.

هناك نبض عاطفي يجري عبر كلام الشخصيات إذ يعلن أحد المحسنين الطيبين لآرثر: (( إنّ الكلمات مثل الطيور, فعندما تنشر الكتب فإنك تطلق سراح تلك الطيور المسجونة ولا تعرف أبداً من ستصل إليه هذه الكلمات , ومن ستستسلم قلوبهم لأغنيتها العذبة )) , وبينما تشرع نارين وجدتها في رحلة حج محفوفة بالمخاطر تقول : (( بعض الناس مضطربون كالأنهار , وربما ستكون النساء أيضا مثل تلك الأنهار , قادرات على إعادة التكيّف والتشكّل , مثلما يترك سمك الشبوط خلفه إكليلا من خطوط الماء , عندما يقفز إلى مكان آخر )) , وفي الجزء الاخير من الرواية التي وضعت له عنوان (( ملاحظة الى القارئ )) تبدو كصلواتٍ منبثقة من رحم الطبيعة , تكتب أليف شافاك : اغمض عيني وأرى طاليس المالطي جالساً على ضفاف نهر المياندر المتعرج , أتخيله هناك , يراقب الماء بإحساس من الدهشة والاحترام , دهشة التلميذ ووقار العارف الذي يلاحظ حركته وتجدده القلقين , ثم أتخيل قُطيرة صغيرة تبلل يد الفيلسوف , تلك القُطيرة نفسها التي ربما كانت في قهوتي هذا الصباح ، أو ربما في قهوتكم ، تربطنا جميعاً عبر حدود الزمان والجغرافية والهوية , لتنسج خيطاً خفياً يربط أرواحنا عبر فجوات الزمان ومتاهات الجغرافيا والهوية , إنها رحلة الماء التي لا تخبو , تذكرنا بأننا في هذا الوجود لسنا سوى روافد تلتقي في نهر الإنسانية الكبير .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَقَامَةُ لِنْكُولْن وكِينِيدِي : صَدَى القُرُونِ فِي مَقَام ...
- المقامة الكنغرية : في تقلّب أحوال (( القفّازة )) .
- مقامة رسائل العجب .
- مقامة الجمل في زمن الانكشاف : سقوط الحياء .
- مقامة ساجدة الموسوي : رفيقة الحرف وسادنة الضاد .
- مقامة في انتظار الفتح : مُطارحةُ وِجْدان بين سالكٍ تائهٍ وسا ...
- مقامة غزال الرجاء .
- مقامة بلقيس .
- مقامة الوجع .
- المقامة الباراسايكولوجية في غرام الأرواح المُنقِيَة .
- مقامة الخشوف .
- مقامة الحروفية : عماد الدين النسيمي المسلوخ حياً .
- مقامة عفونة العقل : حين يموت العقل قبل الجسد .
- مقامة الفتوحات العالية .
- ألمقامة ألقَلَنْدريَّة : خمر وشمع وفراشة وبلبل ووردة .
- مقامة ألأفاعيل .
- مقامة (تأبط شراً / تأبط حباً) .
- مقامة تقاسيم على ثرثرة المندلاوي الجميل .
- المقامة الباكسرومانية في جدل السلام والهيمنة.
- مقامة الأقصاء : من إفراد البعير المُعَبَّد إلى تفكيك المجتمع ...


المزيد.....




- فنان هندي يصنع تمثالًا لبابا نويل باستخدام 1.5 طنًا من التفا ...
- مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي
- وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما ...
- عرض فيلم وثائقي يكشف تفاصيل 11 يوما من معركة تحرير سوريا
- وفاة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- رحيل محمد بكري.. سينمائي حمل فلسطين إلى الشاشة وواجه الملاحق ...
- اللغة البرتغالية.. أداة لتنظيم الأداء الكروي في كأس أمم أفري ...
- بعد توقف قلبه أكثر من مرة.. وفاة الفنان المصري طارق الأمير ع ...
- نجوم يدعمون الممثل الأميركي تايلور تشيس بعد انتشار مقاطع فيد ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة شجن الأنهار في أدب أليف شافاك : عندما تتحدث قطرة الماء بلسان التاريخ .