أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الفتوحات العالية .















المزيد.....

مقامة الفتوحات العالية .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 12:32
المحور: الادب والفن
    


مقامة الفتوحات العالية :

أهدتني الست عالية محمد علي نسخة من ديوانها الشعري (( أشتري نعاسا )) , أي نعاس ؟ تقدس القائل : (( الناس نيام فأذا ماتوا أنتبهوا )) , فيَتَشابكُ الأَثرُ بِالمَأْثُورِ , وتَغْدُو المُرَاوَدةُ فِقْهًا شِعْرِيًّا في العُبورِ مِنَ الذَّاتِ إِلى الأُخْرَى , ومِنَ الأُخْرى إِلى التَّلاشي , كَأَنَّك الكَلِمةُ الأُولى الَّتي خُلِقتْ , والأَخيرَةُ الَّتي تُطْفِئُ النُّورَ , لِتُضيءَ بِالغيَابِ والقَصِيدَةٌ لا تُقَالُ , بَلْ تُسَالُ مِنَ الجِرَاحِ , ولا تُفْهمُ , بَلْ تُعَاشُ وتُرَتَّلُ , والاشْتِعَالُ بَدَايَةُ الِانْخِطَافِ , منه يَبْدَأُ لِّقَاءُ الِانْكِشافُ , لأحس بتَوتُّرٌ نَاعِمٌ , وعِطْرٌ , ولَمَعانٌ في الأَصَابِعِ , ودَهْشةٌ فِي اسْتِقْبالِ الضَّوْءِ , كَأَنَّ الحَبيبَ نَزَلَ مِنْ نَصٍّ صُوفيٍّ , أَوْ مِنْ مِرْآةٍ مُعَلَّقةٍ بَيْنَ المَاءِ والنَّارِ, ألان عرفت لماذا أختار الكاتب اللبناني جبور الدويهي , وهو روائي وأكاديمي لبناني عنوان (( الموت بين الأهل نعاس )) لمجموعته القصصية .

كانت مدارس بعقوبة توزّع المعرفة كما تُوزّع القصائد , وتحوّل الصفوف إلى بستان من الصور والتشبيهات , وتولد لدى طلابها حسهم الأدبي الذي يساعد على تقريب العالم إلى عقولهم , في تلك المدينة التي تُنبت الشعر كما تُنبت نخيلها مهدا احتضن فسيلة شاعرة النعاس السامقة بالحبر والقصيدة والمروءة , لم تكن الطفولة مجرد عبور هادئ في دروب المدارس , بل كانت تمهيدًا لصوت شعري سيظل يتردد في المجالس والأماسي , صوت ممزوج برائحة الأرض ولهجة التحضر وحنين المثقف إلى معنى الحياة , وعندما طرقت باب الشعر متأثرة بالقصيدة العربية في عنفوانها القديم , حيث كانت قوافي الفرزدق وجرير تتردد في المسامع , قبل أن يأسر تيار الحداثة في شعر السياب ومظفر النواب أبناء الجيل , , فكتبت القصيدة العمودية , وجربت الحر, ثم عادت إلى الشعر المنثور , حيث الوجدان العميق والمفردة التي تشبه الناس وتمشي بينهم .

(( يتهدج )) في اللغة العربية , يعني أن الصوت فيه تردد وتقطع أو ارتعاش , ويُستخدم لوصف الصوت الذي يرتعش ويتغير علواً وهبوطاً, و المعنى العام: تردد الصوت وتقطعه وارتعاشه, في حالة الصوت: يصف الصوت الذي لا يكون سلساً ومستقراً , بل يصاحبه اضطراب , مثال: (( صوتي يتهدج )) يعني أن الصوت يرتعش أو يتقطع , كما في حالة الخوف أو الحزن , فكيف بمن تتهدج روحه حين يقرأك ؟؟ نصوص هذا الديوان ليس قطعةً من البوح العاطفي أو التخييل الحسي فحسب , بل هو تمرين وجودي على استدعاء الذات وهي تنكسر وتتوهّج في آنٍ معًا , تقف (( الكينونة )) هنا في لحظة جُفول , لحظة تُفلت فيها من كل تعريفٍ صارم , ومن كل تموضعٍ لغويّ مستقر, لتتوزّع بين ما تتشرّبه الحواس , ووطنٍ يتفسّخ في الرموز, وتصوف غائبٍ في طقس الخلاص المفخّخ.

ليس أدلّ على الولوج إلى العالم الشعري لنخلتنا البعقوبية من شجرة حروفياتها السامقة , مُدخلات التركيب الدلالي والتشكيل الفني في تجربتها كشاعرة مجددة تأسّست على الحرف والنقطة , أصغر أنوية لغتنا العربية الجميلة , واتّخذت منهما جسوراً دلاليةً وجمالية , للتعبير عما يعتمل في ضميرها من مساءلاتٍ وجوديةٍ وهمومٍ ذاتيّة وجمعية , تشكّل بالمُجمل رؤيتها للعالم المحيط , وفي نصوصها أفادت من كتب التصوّف الإسلامي , متمثّلةً في كتب الفتوحات المكّية لابن عربي , وبعض شطحات الحلاج وكلماته في الطواسين وأشعاره , ومواقف النفري , وكتب أبي حيان التوحيدي , كما ان الشجاعة الأدبية والخروج عن المألوف في بناء النص الإبداعي والإنساني هي سمة ذات منحيين الاول هو امتلاك الوسيلة الأخطر في الدخول إلى وجدان المتلقي , والثاني هو دخول عوالم مميزة لا يلجها الكثير, و الحب والدين والسياسية هي أهم ثلاث عوالم يلجها الاديب الشجاع , والشاعرة هنا اخترقت تابو الحب مع الالتزام , وعدم الوصول للابتذال , وهذا ما يحسب لها حيث ناغت مشاعر الحب الشرقي المكبوت .

حينَ تقرأها , لا بُدّ أن تصيرَ فَرَاشَة تجذبها حديقة من زهور الكلمات التي تعجّ بورود قصائدها , فتحتار أيّ زهرة تقف عندها مليا لتتأمل جمالها وترتشف رحيقها , فهي تسعى لتأسيس حديقة شعريّة أو مدينة محبة كونيّة , هي المدينة الفاضلة للعشّاق الذين يلجأون لقصيدتها للإرتواء من جرعاتها العشقيّة , نصوصها النثريّة , ومضات شعريّة , لا يُجيدها إلاّ القلائل من الشعراء الحداثيين , وومضتها متكاملة الفكرة , يوحدّ بين جواهرها خيط المضمون , ومن سِمات الومضة السماويّة توظيف الإنزياحات الشّعريّة كالإنزياح اللفظي الذي يجعل القارئ يتمهّل ليتأمل التّعبير المبتكر ويلتقطُ أنفاسَ دهشتِهِ , تستدعي وتوظف حقل الأبجديّة , والحكايا , والأساطير والتُّراث والأمثال , فتثري حديقتها الشِّعريّة بقصائد متعدِّدة الملامح , تتلاعبَ أيضا بالمفهوم الزَّمني المُتعارف عليه , فالأمس مرَّ حسب المنطق البشري , والغد لم يأتِ بعد , إنّما هو جاء بالدَّلالات العكسيّة لتثري نصوصها فيدهش المتلقي , فيأتي بذهن صافٍ ليتذوّق قُدسية لغتها التي تعجُّ بمباغتات لغوية , صور شعريّة طازجة شهيّة , وألغام زرعتها في حدائقها الشعريّة لتردي القارئ شهيد الدّهشة.

انها تكتب للارتقاء بالذائقة الادبية التي تأسنت بفعل انحدارات مابعد الغزو , وتخاطب القاريء الذي يتوق دائمًا للمعنى بين السطور, وتكتشف من دون أن تدري , أن شاعرتنا البعقوبية طقس من طقوس البلاد, أو شيخة طريقة , ولها مريدون , لا معجبون , فخلال قصائدها وجهت الشاعرة أبياتاً شعرية , كانت أشبه بالرسائل المتنوعة , التي حملت أسلوباً شعرياً اتسم بالبلاغة , التي استطاعت من خلالها أن تتوجه بها إلى أصحاب الذائقة الشعرية , في مفردات عذبة , تخاطب الوجدان , ما جعل قصائد كتابها الجديد ذا لغة شعرية قوية , اتسمت بالحداثية , كعادة الشاعرة في أعمالها , التي تحمل لغتها شحنات ذات دلالة عميقة , تستطيع من خلالها الغوص في مستويات من عمق القول , على نحو ما تعكسه تجربتها الشعرية , وبلوغها لمستوى راقٍ من الإبداع , تخيّلاً وتصويرا وإيحاء.

في الختام دعوني أستعير ماكتبته أبنتها : (( انتِ تستحقين الاحتفاء بوجودك كل يوم وليس فقط في عيدكِ , العرب ليسوا سوى ظاهرة صوتية , عكاظ وذو المجاز , ومجنة , ودومة الجندل ,هي أسواق كان اجدادنا يبيعون فيها الكلام , وكان النابغة رئيس غرفة التجارة الذي يفاضل بين بضاعة حنجرة وأخرى , والمثير للضحك أنه حين أفنى الرجال عمرا في تدبيج قصائدهم قضى النابغة بأن أشعر العرب أمرأة , اسمحوا لي ان احتفي بامرأة تستحق كل ثانية من عمرها وساماً لشجاعتها وصبرها في وجه الحياة , تنهل ابداعاً مستمراً ولا تعرف الفشل , قيمتها عالية كإسمها وهمتها , كل عام وانجازك يتجاوز جغرافيا القلوب ويحفر تاريخ التألق في عمق الزمان , والدتي الحبيبة .. صديقتي وفخري .. امرأة لكل العصور والامكنة.. ادامك الله ملاذا لقلبي وسروراً لعيني )) .

تحية لشاعرة البوح , جميلة العقل والروح , مبروك لك ولقرائك هذا ألأصدار .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألمقامة ألقَلَنْدريَّة : خمر وشمع وفراشة وبلبل ووردة .
- مقامة ألأفاعيل .
- مقامة (تأبط شراً / تأبط حباً) .
- مقامة تقاسيم على ثرثرة المندلاوي الجميل .
- المقامة الباكسرومانية في جدل السلام والهيمنة.
- مقامة الأقصاء : من إفراد البعير المُعَبَّد إلى تفكيك المجتمع ...
- مقامة الميمر: عذوبة اللحن وغموض الأصل .
- مَقامَةُ عَلْوَةِ النَّجَفِيّ والوَفَاءِ الهَالِكِ .
- مقامة مأزق فارس الملل : اللومُ عادةُ مَن لا يُغامرون , فلسفة ...
- مقامة تأجيل الصدمة .
- ألمقامة الاستغنائية .
- مقامة غجرية : وُضوءُ الغَجَر وسُكْرُالوَجْد ...قُبْلةُ المَو ...
- مقامة الشجاعة : اذا حلت المقادير بطلت التدابير.
- مقامة الحلم الطويل .
- المقامة الإسماعيلية في فضائل السلالة الخليلية .
- مقامة جشع الورثة وسوء خاتمة التركة.
- مقامة الخلجات .
- مقامة حميد يا مصايب الله : صرخة الهور والحب الضائع .
- مقامة رحى الخزاف .
- مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ ...


المزيد.....




- عام من -التكويع-.. قراءة في مواقف الفنانين السوريين بعد سقوط ...
- مهرجان البحر الاحمر يشارك 1000 دار عرض في العالم بعرض فيلم ...
- -البعض لا يتغيرون مهما حاولت-.. تدوينة للفنان محمد صبحي بعد ...
- زينة زجاجية بلغارية من إبداع فنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
- إطلاق مؤشر الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي
- مهرجان كرامة السينمائي يعيد قضية الطفلة هند رجب إلى الواجهة ...
- هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة
- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الفتوحات العالية .