أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ .














المزيد.....

مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 10:36
المحور: الادب والفن
    


مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ .

قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ : بَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ مَسَاءٍ فِي مَجْلِسٍ مِنَ الْمَجَالِسِ , تَدُورُ فِيهِ الْأَحَادِيثُ دَوْرَ النَّفَسِ , وَتُعْرَضُ فِيهِ الْحِكَمُ عَرْضَ النَّفَائِسِ , إِذْ بِنَا نَلْمَحُ شَخْصًا قَدْ مَسَّتْهُ الْخُطُوبُ مَسّاً , وَلَا يَبْغِي مِنْ دُنْيَاهُ إِلَّا كِتْمَانَ السِّرِّ وَحِفْظَ الْأَمَانَةِ قَسّاً , فَدَنَوْتُ مِنْهُ بَلَا كَسَلٍ , وَهُمْهَمْتُ لَهُ بِكَلِمَاتٍ تَنْقُشُ عَلَى الصَّخْرِ بِلَا مَلَلٍ , فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا أَبَا الْفَتْحِ الْإِسْكَنْدَرِيَّ , ذَاكَ الشَّيْخَ الْأَرِيبَ , وَالْحَبْرَ الْكَثِيرَ التَّجْرِيبِ , فَقُلْتُ لَهُ : مَا لِي أَرَاكَ لَا تَأْمَنُ النَّاسَ عَلَى بَيْتٍ وَلَا دِرْهَمَا , وَتَرَى أَنْفُسَهُمْ أَشَدَّ ضَرَرًا وَأَعْظَمَ مَغْرَمَا ؟ فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ , وَقَالَ قَوْلًا أَنْسَانِي الْهَمَّ وَالْعَنَاءَ : يَا أَخِي , أُمَنَاءُ الْأَسْرَارِ أَقَلُّ وُجُودًا مِنْ أُمَنَاءِ الْأَمْوَالِ , وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ أَيْسَرُ مِنْ كِتْمَانِ الْأَسْرَارِ فِي كُلِّ حَالٍ , لِأَنَّ أَحْرَازَ الْأَمْوَالِ مَنِيعَةٌ بِالْأَبْوَابِ وَالْأَقْفَالِ , وَأَحْرَازُ الْأَسْرَارِ بَارِزَةٌ يَذِيعُهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ , وَيُشِيعُهَا كَلَامٌ سَابِقٌ , وَمِنْ عَجَائِبِ الْأُمُورِ أَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّمَا كَثُرَتْ خُزَّانُهَا كَانَتْ أَوْثَقَ لَهَا , أَمَّا الْأَسْرَارُ فَكُلَّمَا كَثُرَتْ خُزَّانُهَا كَانَتْ أَضْيَعَ لَهَا, فَالْوَاجِبُ كَتْمَانُ سِرِّ النَّفْسِ أَوَّلًا , فَسِرُّكَ أَسِيرُكَ مَا لَمْ يُقَلْ , فَإِنْ تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ أَنْتَ لَهُ أَسِيرَا , كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَوْلًا مُسْتَنِيرًا.

كتمان سر النفس (الوقاية الشخصية ) , تقسيم حفظ السر: حفظ اللسان عن إفشاء السر وهو ينقسم إلى قسمين: إفشاء سر النفس , وإفشاء سر الغير , وكلاهما مذموم , والأول أهون من الثاني , ومن وصية الحكيم لابنه : يا بني كن جوادًا بالمال في موضع الحق , ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق , فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر, والبخل بمكتوم السر, وان إفشاء سر المسلم خطر وشديد , لأنه أمانة وإفشاؤه خيانة , والخيانة من علامات المنافق , فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )) , وقال العباس لابنه عبدالله: إني أرى هذا الرجل يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدمك على الأشياخ , فاحفظ عني خمسًا: لا تفشين له سرًّا , ولا تغتبن عنده أحدًا , ولا تجرين عليه كذبًا , ولا تعصين له أمرًا , ولا يطلعن منك على خيانة, قال الشعبي: كل كلمة من هذه الخمس خير لي من ألف.
وفي محاسن الكاتمين وشواهد الحكمة عن مراتب أخلاق الشريف , قول المهلب : أدنى أخلاق الشريف كتمان السر, وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه , وقال بعضهم: (( ومستودعي سرًا تضمنت سِرَّه فأودعته من مُسْتَقَر الحشا قبــرًا , ولكنني أُخفيه عني كأننــي من الدهر يومًا ما أحطتُ به خُبرًا , وما السرُّ في قلبي كميت بحفرةٍ لأني أرى المدفون ينتظر النشـرا )) , وقال شمس الدين البدوي: (( إني كتمت حديث ليلى لم أبح يومًا بظاهـره ولا بخفيه , وحفظت عهد ودادها متمسكًا في حبها برشـاده أو غيه . ولها سرائر في الضمير طويتـها نسي الضمير بأنها في طيه )) .

ضوابط إفشاء السر ( الاستثناءات( : قصة الوليد بن عتبة وأبيه (عدم تدليل اللسان ) يُروى أن معاوية أسر إلى الوليد بن عتبة حديثًا , فقال أبوه: لا تحدثني به يا بني , فإن من كتم سره كان الخيار إليه , ومن أفشاه كان الخيار عليه , ولكن أحب ألا تدلل لسانك بأحاديث السر , قال الوليد : فأتيت معاوية فأخبرته , فقال : يا وليد أعتقك أبوك من رق الخطأ , ولقد أجاز بعض العلماء إفشاء سر الرجل بعد موته , (ذكر قصة سر النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها بعد وفاته ) , والحق إن إفشاء سر الرجل بعد موته فيه تفصيل , فأحيانًا يكون مباحًا وقد يُستحب ذكره , ولو كرهه صاحب السر, كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة , وأحيانًا يجب كحق عليه تعذَّر القيام به , فيذكره لمن يتسنى له القيام به , وأحيانًا يُكرَهُ وقد يَحْرُمُ , مثل ما كان به ضرر بصاحب السر , أو بعشيرته من بعده .

فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو الْفَتْحِ مِنْ مَقَامَتِهِ الْغَرَّاءِ , وَجَادَ بِمَا فِي صَدْرِهِ مِنْ عِلْمٍ سَوَاءَ , هَبَطَ عَلَى الْقُلُوبِ بَرْدُ الْيَقِينِ , وَعَلِمَ الْجَمِيعُ أَنَّ الْقَوْلَ الْحَقَّ مَتِينٌ , ثُمَّ سَكَتَ سَكْتَةَ الْمُدْرِكِ الْفَطِينِ , وَقَالَ : فَاحْفَظُوا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ هَذِهِ الْوَصَايَا وَالْآدَابَ , وَاجْعَلُوا أَلْسِنَتَكُمْ عَلَى أَسْرَارِ إِخْوَانِكُمْ حِرَابًا وَأَبْوَابًا , وَاسْتَوْدِعُوا السِّرَّ قَبْرًا لَا يُنْبَشُ , وَلَا تَدَعُوا أَحَدًا بِمَا بَاحَ لَكُمْ يَعْتَرِشُ , فَإِنْ كَتَمَ الْوَلِيدُ سِرَّ مُعَاوِيَةَ , فَلْيَكُنْ لَكَ فِي ذَلِكَ أُسْوَةٌ شَافِيَةٌ , وَإِيَّاكُمْ وَإِفْشَاءَ مَا يُضِرُّ بِصَاحِبِهِ حَيًّا كَانَ أَوْ هَالِكَا , فَهِيَ مِنْ سُوءِ الصَّنِيعَةِ وَشَرِّ الْمَهَالِكَا , وَاذْكُرُوا دَوْمًا : أَنَّ أَدْنَى أَخْلَاقِ الشَّرِيفِ كِتْمَانُ السِّرِّ, وَأَعْلَى أَخْلَاقِهِ نِسْيَانُ مَا أُسِرَّ إِلَيْهِ , ثُمَّ قَامَ أَبُو الْفَتْحِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ وَانْصَرَفَ , وَخَلَّفَنِي فِي الْأَمْرِ بَيْنَ حِكْمَةٍ وَشَرَفٍ , وَقَدْ تَلَقَّفْتُ أَنَا , عِيسَى بْنُ هِشَامٍ , مَقَامَتَهُ هَذِهِ تَلَقُّفًا , رَاجِيًا لِمَنْ قَرَأَهَا أَنْ يَكُونَ بِالْخَيْرِ مُلْتَفّاً , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة أبانا .
- مقامة العبر .
- مقامة تجليات قلق الورّاق .
- مقامة ام الكعك .
- مقامة غنائية .
- مقامة الرجاء الشطرنجية : في وصفِ لعبةِ التَّشظّي .
- مَقَامَةُ لَبَنِ العُصْفُورِ.
- مقامة الأنتخابات .
- مقامة لمحات من ذلك الزمان : أحداث ورجاء .
- مقامة الخبب : في رحلة العمر والأدب .
- مقامة القيمر الأسمر.
- مقامة الفلْس الدّوّانِقِي : نوادر البخلاء ومآثرهم .
- مقامةُ الأفندي تحسين في بَتانِ بغدادَ وبَطِّها .
- الغطرسة : الداء والجلاء .
- مقامة العبارة الضيقة : ما أوسع رؤيتها ؟
- مَقَامَةُ الْأَحْفَادِ وَمَتَاعِبِ الْأَجْدَادِ .
- مقامة شذرات من السيرة الذاتية .
- مقامة نجاة الصغيرة : ( الضوء المسموع ) , وهمسٌ يغوص في أعماق ...
- المقامة البغدادية في تَلَوُّنِ الأوطانِ وبكاءِ الأحياءِ .
- مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .


المزيد.....




- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...
- محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
- مصر: رصد حالات مصابة بالحمى القلاعية بين الماشية.. و-الزراعة ...
- موسم الدرعية يطلق برنامج -هَل القصور- في حيّ الطريف
- المدينة والضوء الداخلي: تأملات في شعر مروان ياسين الدليمي
- مكان لا يشبهنا كثيراً
- لقطات تكشف عن مشاهد القتال في فيلم -خالد بن الوليد- المرتقب ...
- طهران تشهد عرضاً موسيقياً فخماً من مسرحية أوليفر تويست + فيد ...
- يحيى الفخراني يفتتح -أيام قرطاج المسرحية- بعرض -الملك لير-
- ألمانيا تعيد كنوزا إثيوبية بعد قرن


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ .