أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .














المزيد.....

مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .

يعتبرالمعماري العراقي رفعة الجادرجي , أحد أبرز رواد فن العمارة في العراق , ولا تزال أعماله العمرانية تزين بغداد بتصميماتها الفريدة التي تمثل رؤية فكرية عميقة , لم يكن الجادرجي يرى العمارة مجرد مكان للسكن أو التخزين , بل كانت بالنسبة له أداة حوار اجتماعي تعبر عن الهوية ووعي الذات , حيث عُرف الجادرجي بتعريفه الفريد للعمارة كفن حي , يشبه الإيماءات البدنية التي يقوم بها الراقص أو الخطيب , وكان يعتقد أن العمارة مثل الرسم والنحت والموسيقى , وهي وسيلة للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر , بالإضافة إلى ذلك , ربط الجادرجي بين إنجاب الأطفال وفن العمارة , حيث قرر هو وزوجته بلقيس شرارة عدم الإنجاب , معتقدين أن زيادة البشر تضر بكوكب الأرض وأعماله المعمارية , قال إن زيادة السكان تؤدي إلى تدمير الأرض , وأكد أن العراق يمكن أن يعيش برفاهية إذا لم يتجاوز عدد سكانه 4 ملايين.

أنّ ابو العلاء المعري رهين المحبسين , قبل قرون غابرة , ذات حزن : هذا جَناه أبي عليّ وما جنيتُ على أحدْ , ومؤخرا أثار اللغَط الفنّان المصري عبّاس أبو الحسن حين كتب مهاجماً من ينجب الأطفال ويجلبهم إلى هذا العالم التعيس المريض , وقبل أبي الحسن وأبي العلاء , كان هناك دعاة من هذا الطِراز في عمق الزمن القديم , لكن رغبة الحياة والاستمرار لم تلتفت لهذه الدعاوى , واستمرّت الحياة بعنفوانها , بيْد أن هجوم الفنّان المصري على بيئة الحياة في الكوكب اليوم , مرتبطٌ بخوفه على الأطفال والمراهقين , زهرات الحياة الجديدة , ففي هذا العصر الرقمي العديم الأخلاق , الجشع على تجميع الأتباع والمتابعين , تتعاظم الخشية على النشء , أكثر من غيرهم , فهم القسم الأكبر من رُواد هذه الأسواق الرقمية , أسواق المتاجرة بخصوصيات ومشاعر البشر.

مارغريت سانجر , من الشخصيات البارزة في التاريخ التي تبنت أفكاراً تتعلق بعدم الإنجاب , أو روجت لها ودعت إلى تحديد النسل من منطلق فلسفي وعلمي , وكذلك الفلاسفة المعاصرون الذين أسسوا لمفهوم اللاإنجابية مثل ديفيد بيناتار و ستيوارت راشيلز الذين يعتبرون أن عدم الإنجاب هو الخيار الأخلاقي الأفضل , وهم يؤمنون أن إنجاب الأطفال ينطوي على معاناة وآلام لا يمكن تبريرها, ويجادلون بأن التوقف عن الإنجاب يمكن أن يحرر الموارد لإنقاذ الآخرين الذين يعيشون بالفعل , أو لرعاية الحيوانات الأخرى , وعلى الرغم من أنهم لا يمثلون تياراً تاريخياً بالمعنى التقليدي , إلا أنهم يمثلون مجموعة فكرية حديثة أثرت في النقاش حول الإنجاب , وهناك بعض المفكرين مثل المهاتما غاندي لم يتبنى فكرة عدم الإنجاب , بل دعا إلى العزوبية وضبط النفس.

يعتبر ديفيد بيناتار أكثر فيلسوف تشاؤمًا بخصوص الأنجاب في العالم , فهو (( مناهض للإنجاب )) ويعتقد أن الحياة سيئة للغاية ومؤلمة للغاية , لدرجة أن البشر يجب أن يتوقفوا عن إنجاب الأطفال لأسباب تتعلق بالرحمة , (( بينما يبذل الناس الطيبون قصارى جهدهم لتجنيب أطفالهم المعاناة، يبدو أن قلة منهم يلاحظون أن الطريقة الوحيدة (والمضمونة) لمنع كل معاناة أطفالهم هي عدم جلب هؤلاء الأطفال إلى الوجود في المقام الأول )) , كما كتب في كتاب صدر عام 2006 بعنوان (( من الأفضل ألا تكون أبدًا : ضرر المجيء إلى الوجود )) , فمن وجهة نظره , فإن التكاثر قاسٍ وغير مسؤول بطبيعته , ليس فقط لأن مصيرًا مروعًا يمكن أن يصيب أي شخص , ولكن لأن الحياة نفسها (( مشبعة بالشر)) , ولهذا السبب جزئيًا , يعتقد أن العالم سيكون مكانًا أفضل إذا اختفت الحياة الواعية تمامًا .

وفي عالم الديجيتال , او العالم الرقمي , أعلنت وزارة الداخلية العراقية مؤخراً , القبض على مراهق عمره 14 عاماً بعد تمكّنه من إقناع 30 شخصاً بالانتحار , من خلال التواصل معهم عبر لعبة (( روبلوكس )) , وكشفت الوزارة أن المراهق أدار 16 شبكة عبر هذه اللعبة , واستدرج ضحاياه لإقناعهم بالانتحار بطرق مختلفة , جميعها شملت تعذيبهم لأنفسهم والحيوانات , وأعلنت شركة (( كاراكتر إيه آي )) المتخصّصة في روبوتات الدردشة , أعلنت حظر نفاذ القصّر إلى روبوتاتها , إثر حالات انتحار لمراهقين , وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2024 , رفعت أمٌّ دعوى قضائية ضد هذه الشركة , بتهمة المساهمة , غير المباشرة , في انتحار ابنها البالغ 14 عاماً.

وبعد هذه القتامة الكئيبة كلها , وبعدما أطلقت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية الشهر الماضي تحقيقاً واسع النطاق في الشركات التي تنشئ روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي , لمعرفة كيفية قياسها للآثار السلبية على الأطفال والمراهقين , تبين ان هناك خطرٌ آخر في أحشاء هذه الألعاب الرقمية , حيث احترفت الحسابات الداعشية (( الديجيتال )) الجديدة , تجنيد الصِغار عبر هذه المنصّات , حيث يعرفون كيف يخاطبون هؤلاء الصِغار , لمن يظنُّ أن (( داعش )) محصورة فقط بـ(( موديل )) أبي بكر البغدادي وأبي محمد العدناني , ومثلما جلبت هذه الفضاءات المتعة للصغار , والحلّ للآباء والأمّهات في إشغال أولادهم بهذه المُلهيات , حتى يتفرّغوا هم للفراغ نفسه , أعني تقليب شاشات (( التيك توك )) و (( السناب شات )) وغيرها, وعليه يصبح من غير العملي المطالبة بمنع كل هذه الألعاب القاتلة في الغرف المظلمة , لكن من عدم المسؤولية , ترك الأمور كما هي , لأن هذا يعني أن الوالدين غير مؤهلين لإنجاب الأطفال , بوضوح .

(( وتظلُّ الأرحامُ تَدفعُ قابيلاً فيُردي ببغيهِ هابيلا )) .


صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الهدم: جرافات تهاجم ذاكرة العراق الثقافية .
- مقامة ابن باديس والتنوير: الأذهان أولاً , ثم الأوطان .
- مقامة الفصام .
- مقامة العطارين : أسرار عمرها 4600 عام .
- مَقَامَةُ حِكَايَاتِ النَّمْلِ .
- مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .
- مقامة السلطة والفكر .
- مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .


المزيد.....




- إطلاق ملتقى تورنتو الدولي لفن اليوميات وفلسطين ضيفة الشرف
- افتتاح المتحف المصري الكبير بعد عقدين من الزمن في أرضٍ لا يُ ...
- ماذا حدث عندما ظهر هذا النجم الهوليوودي فجأة بحفل زفاف مستوح ...
- (غموض الأبواب والإشارات السوداء)
- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...
- سميرة توفيق في أبوظبي: الفن الأصيل ورمز الوفاء للمبدعين العر ...
- -الخارجية- ترحب بانضمام الخليل إلى شبكة اليونسكو للمدن الإبد ...
- جمعية الصحفيين والكتاب العرب في إسبانيا تمنح ‏جائزتها السنوي ...
- فيلم -Scream 7- ومسلسل -Stranger Things 5- يعدان بجرعة مضاعف ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .