أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة السلطة والفكر .















المزيد.....

مقامة السلطة والفكر .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


مقامة السلطة والفكر:

حَدَّثَنَا الأَدِيبُ الرَّاوِي , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ جِيلِ النَّاظِرِينَ إِلَى صَفَحَاتِ التَّارِيخِ , أَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الأَبْصَارِ مَشْهَدٌ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ رَمْزَاً , مِمَّا رَأَتْهُ عُيُونُ مَغَابِرِ مُوسْكُو , يَوْمَ حُمِلَ نَعْشُ الضَّمِيرِ الرُّوسِيِّ مَكْسِيم غُورْكِي عَلَى الأَكْتَافِ , فَوَاللهِ , لَمْ يَكُنْ مَنْ مَشَى خَلْفَهُ رَعَاعَ النَّاسِ , بَلْ كَانَ الزَّعِيمُ الأَوْحَدُ , جُوزِيفُ سْتَالِينُ , ذُو القَبْضَةِ مِنْ حَدِيدٍ , وَالَّذِي مَلَكَ نِصْفَ الأَرْضِ بِسَطْوَةِ السَّيْفِ وَحَدِّ البُنْدُقِيَّةِ , حَمَلَ سْتَالِينُ النَّعْشَ , لَا لِوَدَاعٍ عَادِيٍّ , وَلَا لِمُجَامَلَةٍ بَارِدَةٍ , بَلْ إِعْلَاناً رَمْزِيّاً , عَرَّفَ فِيهِ التَّارِيخَ , أَنَّ الكَلِمَةَ فِي لَحَظَاتِ المَحْكِ , لَا تَقِلُّ وَزْناً عَنْ السَّيْفِ , وَأَنَّ الأَدَبَ لَيْسَ زِينَةَ أَفْنِيَةٍ , بَلْ هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الوَطَنِ وَعَمَادُ شَرْعِيَّتِهِ , فَقَدْ أَدْرَكَ الطَّاغِيَةُ , رَغْمَ شِدَّةِ قَسْوَتِهِ , أَنَّ سُلْطَتَهُ لَا تَقُومُ بِالقُوَّةِ وَحْدَهَا , بَلْ بِنَسْجِ الأُسْطُورَةِ الَّتِي يُبْدِعُهَا الفِكْرُ, لِيَكُونَ لَهُ ذَاكِرَةٌ وَمَكَانَةٌ أَمَامَ مَحْكَمَةِ التَّارِيخِ.

ثُمَّ قَالَ : إِنَّ عَلاَقَةَ الفِكْرِ بِالسُّلْطَانِ, لَهِيَ أَخْطَرُ المَنَازِلِ وَأَصْعَبُهَا , فَالْفِكْرُ: هُوَ النَّاظِرُ فِي وَاقِعِ الأُمَمِ , وَالمُفَكِّرُ: هُوَ الشَّاهِدُ عَلَى أَحْوَالِهَا , فَإِذَا مَا افْتَقَرَتِ السُّلْطَةُ إِلَى شَرْعِيَّةٍ كَافِيَةٍ , أَوْ بَدَتْ عَلَيْهَا سِمَاتُ الاِسْتِبْدَادِ , نَظَرَتْ إِلَى الفِكْرِ عَلَى أَنَّهُ خَصِيمُهَا الأَوَّلُ , وَجَعَلَتْ مُهِمَّتَهَا الأَقْصَى : شِرَاءَ الذِّمَمِ , وَقَتْلَ اِسْتِقْلاَلِ الكَلِمَةِ , وَهَذَا لَعَمْرُكَ مَا شَهِدْنَاهُ فِي زَمَانِنَا هَذَا , حَيْثُ تَبِعَ الفِكْرُ السُّلْطَةَ , وَلَمْ يَقُدْهَا, فَالسُّلْطَانُ يَأْمُرُ, وَالعُلَمَاءُ يُبَارِكُونَ , وَالحَاكِمُ يَصْدُرُ, وَالقُضَاةُ يُشَرِّعُونَ , وَإِنْ خَرَجَ فَكْرٌ رَائِدٌ عَنِ القَافِلَةِ , رُمِيَ بِدَائِيَّاتِ العَمَالَةِ وَالخِيَانَةِ , أَوْ نُعِتَ بِصِفَةِ التَّطَرُّفِ وَالطُّفُولَةِ.

وَمَا سَاعَدَ عَلَى ذَلِكَ , إِلاَّ شَيْئَانِ مُرَّانِ : ألأول , بَلِيَّةُ الفَقْرِ, فَاحْتَارَ المُفَكِّرُ بَيْنَ الحَقِّ وَالرَّغِيفِ , فَآثَرَ العَيْشَ عَلَى الفِكْرِ, لِأَنَّ النَّاسَ يَعِيشُونَ أَوَّلاً , وَيُفَكِّرُونَ ثَانِياً , إِلاَّ رِجَالاً اِسْتِثْنَائِيِّينَ , والثاني , بِضَاعَةُ الوَظِيفَةِ: إِذْ ظَهَرَتْ فِئَةُ مُفَكِّرِ السُّلْطَةِ , وَدَاعِيَةِ النِّظَامِ , الَّذِي يَتَكَسَّبُ بِتَأْلِيهِ الزَّعِيمِ , وَتَبْشِيرِ فَلْسَفَتِهِ , وَتَبْرِيرِ زَلَّاتِهِ , حَتَّى أَصْبَحَ الفِكْرُ تِجَارَةً , وَغَدَا الكَلاَمُ كَمَا قَالُوا: (( زَيْفَ المُفْرَدَاتِ )) , فَوَاللهِ , لَقَدْ ضَاعَتِ الحَقِيقَةُ فِي زَحْمَةِ التَّبَعِيَّةِ , فَصَارَتِ الحَقِيقَةُ مَا تُقَرِّرُهُ السُّلْطَةُ , وَأَصْبَحَ الفِكْرُ صِيَاغَةً لَهَا , وَلَوْ حَدَثَ أَنْ نَطَقَ رَأْيٌ , مُخَالِفٌ لِهَوَى السُّلْطَةِ، فَمَصِيرُ صَاحِبِهِ الاِسْتِبْعَادُ وَالمُقَاوَمَةُ بِالقُوَّةِ, بَلْ إِنَّ الجَمَاهِيرَ لِفَرْطِ اِعْتِيَادِهَا عَلَى التَّبَعِيَّةِ , لَا تُصَدِّقُ المُفَكِّرَ حَتَّى لَوْ قَالَ الحَقَّ صَادِقاً , وَتُصَدِّقُ مَنْ اِنْتَقَدَ كَاذِباً , لِأَنَّهَا تَرَاهُ بَطَلاً رَائِداً فِي زَمَنِ المُرْتَزِقَةِ.

وَزَادَ الرَّاوِي , وَقَالَ : اِعْلَمْ أَنَّ أَشَدَّ مَا يُصِيبُ الأُمَّةَ بِالعَقْمِ وَالبَوَارِ, هُوَ الفَتْقُ العَظِيمُ الَّذِي يَحْدُثُ بَيْنَ العِبَارَةِ وَالحَقِيقَةِ, فَإِذَا مَا تَحَوَّلَ الفِكْرُ إِلَى مُجَرَّدِ أَدَاةِ صِيَاغَةٍ لِمَا أَمْلَتْهُ السُّلْطَةُ , وَتَبَدَّلَتِ الأَحْكَامُ وَالقَوَاعِدُ بِتَبَدُّلِ وُلاَةِ الأَمْرِ , لَمْ تَعُدْ لِلْحَقِيقَةِ حَقِيقَةٌ, فَيَعِيشُ القَوْمُ فِي دُوَامَةٍ مِنْ الضَّيَاعِ المَنْهَجِيِّ , حَيْثُ كُلُّ يَوْمٍ لَهُ ثَوْرَةٌ , وَكُلُّ شَهْرٍ لَهُ عِيدٌ جَدِيدٌ , وَكُلُّ فَتْرَةٍ لَهَا صَحْوَةٌ , وَهُمْ قَبْلَهَا كَانُوا غُفْلاً نِيَاماً, وَيَشْتَدُّ الزِّحَامُ عَلَى بَابِ السُّلْطَانِ , حَتَّى يَتَبَارَى عَارِضُو الخَدَمَاتِ , فَتَجْعَلُ السُّلْطَةُ اِخْتِيَارَهَا لِوَاحِدٍ مَنَّاً وَشَرَفاً , وَيَصْطَفُّ البَاقُونَ فِي قَوَائِمِ الاِنْتِظَارِ, كَأَنَّ الكَلِمَةَ بِضَاعَةٌ تُبَاعُ فِي سُوقِ النِّفَاقِ الوَاسِعَةِ.

وَأَتَمَّ الرَّاوِي قَوْلَهُ: إِنَّ هَذِهِ العَلاَقَةَ غَيْرَ المُتَوَازِنَةِ جَعَلَتْ قُوَّةَ السُّلْطَةِ تَقُومُ تَعْوِيضَاً نَفْسِيَّاً عَنْ ضَعْفِ الشَّرْعِيَّةِ وَالرَّأْيِ القَوِيمِ, وَلِذَا , فَإِنَّ السُّلْطَةَ لاَ تُقَاوِمُ الفِكْرَ بِالفِكْرِ , وَلاَ الرَّأْيَ بِالرَّأْيِ , فَيَكُونُ الجَزَاءُ لِلْمُخَالِفِ هُوَ الاِسْتِبْعَادُ وَالقُوَّةُ المُضَادَّةُ , فَتَأْخُذُ السُّلْطَةُ جَانِباً مِنْ المُنَازَعَاتِ الفِكْرِيَّةِ الدَّائِرَةِ , فَتَنْتَصِرُ لِفَرِيقٍ عَلَى فَرِيقٍ , وَتُؤَيِّدُ رَأْياً ضِدَّ الآخَرِ, حَتَّى تَتَحَوَّلَ الدَّوْلَةُ إِلَى خَادِمٍ لِلْحِزْبِ, وَهَكَذَا يَمُوتُ الحِوَارُ الفِكْرِيُّ الَّذِي هُوَ السَّبِيلُ الوَحِيدُ لِإِمَاتَةِ الأَفْكَارِ البَاطِلَةِ وَإِحْيَاءِ الحَقِّ مِنْهَا , وَحِينَئِذٍ , لَا يَجِدُ الفِكْرُ المُنَاهِضُ سَبِيلاً إِلَّا أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ التَّخَفِّي وَالكَلاَمِ المُوَارِبِ , أَوْ طَرِيقَ الاِنْفِجَارِ وَثَوْرَاتِ الاِحْتِجَاجِ , فَتَعُودُ السُّلْطَةُ لِتُفَسِّرَ هَذِهِ الحَرَكَاتِ كُلَّهَا عَلَى أَنَّهَا نَسِيجُ مُؤَامَرَةٍ خَارِجِيَّةٍ، مُتَجَاهِلَةً العِلَلَ الدَّاخِلِيَّةَ الَّتِي صَنَعَتْهَا تِلْكَ التَّبَعِيَّةُ الدَّائِمَةُ.

فَيَا قَوْمِي, إِنَّ قُوَّةَ الرَّأْيِ لَهِيَ القُوَّةُ الوَحِيدَةُ الَّتِي تَخْشَاهَا السُّلْطَةُ , إِذْ قَدْ تَكُونُ قُوَّتُهَا تَعْوِيضَاً نَفْسِيَّاً عَنِ الضَّعْفِ , وَتَسَتُّراً عَلَى فَقْدَانِ الشَّرْعِيَّةِ, وَمَا دَامَ الأَمْرُ كَذَلِكَ , فَطَرِيقَانِ لِلْفِكْرِ: إِمَّا التَّخَفِّي فِي الهَمَسَاتِ وَالإِشَاعَاتِ , وَإِمَّا الاِنْفِجَارُ فَجْأَةً فِي ثَوْرَاتِ الشَّبَابِ , فَتَعُودُ السُّلْطَةُ لِمُعَالَجَةِ الأَمْرِ بِـ القَانُونِ وَالاستِفْتَاءَاتِ , مُسْتَدْعِيَةً كُلَّ عِلَّةٍ خَارِجِيَّةٍ , دُونَ الاِقْتِرَابِ مِنْ العِلَّةِ الدَّاخِلِيَّةِ.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .
- المقامة الإسلاسية .
- مقامة ترانيم الخريف .
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .
- مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .
- مقامة (( لعم )) .


المزيد.....




- ايران تحرز ميداليتين ذهبيتين في الفنون القتالية ببطولة آسيا ...
- فلسفة الذكاء الاصطناعي.. الوعي بين الفكرة والآلة
- أحمد مالك أول مصري يفوز بجائزة أفضل ممثل في -الجونة السينمائ ...
- حيدر التميمي عن الاستشراق والترجمة في فهم الفكر العقدي الإسل ...
- توقف عن التسويف فورا.. 12 كتابا تكشف علاقة الانضباط بالنجاح ...
- فيلم -ضع يدك على روحك وامشِ- يفوز بجائزة في ختام الدورة الـ8 ...
- هل انتهت أزمة الفيلم المصري؟ مشاركة لافتة للسينما المصرية في ...
- صدر حديثا ؛ من سرق الكتب ؟ قصة للأطفال للأديبة ماجدة دراوشه
- صدر حديثا ؛ أنا قوي أنا واثق أنا جريء للأديبة الدكتورة ميساء ...
- صدر حديثا ؛ شظايا الذات - تأملات إنسانية للكاتبة تسنيم عواود ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة السلطة والفكر .