أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ترانيم الخريف .














المزيد.....

مقامة ترانيم الخريف .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:37
المحور: الادب والفن
    


مقامة ترانيم الخريف :

أول المطر , وأخر الياسمين ,مضى أيلول صندوق الروح الخشبي , فيه عناقات مؤجلة , و عناقيد حب قديمة , أغانٍ , و بنفسج جاف , و عَتب , عَتب , عَتبْ , فدع الخريف يمارس سحره عليك كما يمارسه على الاشجار, ففي داخلك أيضا أوراق بائدة , ٱن اوان سقوطها , وفي الشّتوة الأُولى أتذكر بِكَ رائحة الأرضِ , وكنسمةٍ رقيقةٍ , يحملني إليكَ عطر أيلول , وبالمطرُ الأولُ تنتعشُ في قلبي يمامةَ الرّوحِ , مثل رزقة سنويّة بقايا حبّات القمح يجرّها النمل , في حين تتسكع حجلان الجبل بفرح تحت رشّات المطر, فتنضوي نقنقة الحجلان وصوت المطر صلاةٌ جهريةٌ .

المطر الأول يغسل كلّ شيء عدا قلوب البشر , و للغياب وللضيوف , الحزن ظل ٌّ لا تُغيّبه الغيوم ُو لا أفول الشمس ِ, لا يمضي اذا عاد المساءُ , وليس يتعبه الوقوف , لونٌ لأيلولَ القديمِ , ولا جديدَ , وها أنا زرقاءُ أغنيتي , و قُبّعتي و معطفي الثقيلُ و ما ذرفتُ من الحروف , والحزن طيرٌ لا يهاجر ُ في الفصولِ , ولا يكُفٌ عن الرفيف , ويبيض في قُرَنِ الفؤاد , فوق مائدة الطعامِ , وفي شبابيكٍ تُطلُّ إلى المدى , وعلى الرصيف .

عرفنا بعد ان سارت بنا سنين العمر , ان الخريف هو مرحلة في حياتنا وفيه تتساقط أوراقنا نحن بني البشر ايضاً , بعد أن كنا أشجاراً نضرة بشباب العمر , وعرفنا منه تساقط الأصحاب , وابتعاد من كان بالأمس في الشباب , مثل الأوراق الهالكة , الساقطة من أغصانها و فروعها الهالكة , بعد ان رحل عنا الكثيرين , واليوم ومع تلبد الغيوم في السماء وتساقط قطرات الماء من السماء. مع رائحه المطر وهي تمتزج بتراب الارض لينبعث منها رائحة طيبة تشرح الصدور وانا ارمي بخطواتي في حديقة المنزل , وبقربي ذلك النبات من النعناع الاخضر ليكمل بعطره رائحة الارض , ما اجمل الطبيعة وما اجمل خيراتها وما اجمل اجوائها عندما تريد اسعادنا بظروفِها الجوية , ما اجمل متغيرات المناخ عندما ينتهي الصيف وهو يودعنا برايته الحمراء الملتهبة والمستمدة قوتها من شعاع الشمس , ومع انخفاض درجات الحرارة وانتقالنا الى فصل الخريف الذي زادت من جماليته قطرات المطر وتلبد الغيوم في السماء

أزيز الحصاد يسرحُ ويمرحُ في الحقولِ السّمراء , والبزّاقةُ الصّغيرةُ تزحفُ بسلام على الأعشاب الطرّيّة , ترى أين ذهبت حصّادة القطن التي كانت تستفزّها بوقاحةٍ أسراب البطّ البري , وأقحوانة المرج تعانق النّور لأوْل مرّة ؟ تحت عمودِ الإنارةِ خيوط المطر تتساقط كالبلور, والزخّاتٌ المتتاليةٌ تجعل معطف الفزّاعة يبدو جديدًا , وكلابُ الدار تبلُّ ريقها بحفنة مطر, وفي الانقوعة الصّغيرة , كنا أطفالا نلهوا بمرح , ونأخذ دشٌا جماعيٌا يفاجئنا المطر, والقلب تشحبُ فيه خشْخشةٌ , ويذبلُ إذا مر ّالخريف , ثمّ يهجره الحفيف .


وعلى الرصيف الحزن ذاكرةٌ مُعلقةٌ , أيلولُ عادَ و فيه ميعادٌ بلونٍ لن يفارقنا إذا مر ّالخريف , الحزن ظل ٌّ لا تُغيّبه الغيوم ُ, ولا أفول الشمس , لا يمضي اذا عاد المساءُو ليس يتعبه الوقوف , لونٌ لأيلولَ القديمِ , لا جديدَ , ها أنا زرقاءُ أغنيتي , وقُبّعتي , ومعطفي الثقيلُ , وما ذرفتُ من الحروف , لنرحب بكل رحابة صدر , وبكل بهجة وسرور بفصل الخريف , ونشكو له حرارة فصل الصيف القاسية , وتمنياتنا ان يكون فصل الشتاء مكمل لفصل الخريف بعيدا عن البرد القارص وليغرقنا فيضانات نحتاج اليها .

في الخارج , ينزل المطر برفق , مثل يد لطيفة على النافذة , وتلعب معه إيقاعات الحياة , ويسمع كل شيء , همسات الغرباء , وصرير الكؤوس , وحفيف الصحف ,كل صوت ينسج في ذهنه , وبتهوفن يحلم بالسمفونيات , بالأوتار المرتفعة والنحاسيات الجريئة , كما يمكن لارتفاع مفاجئ أن يرفع معنويات القلب , كما يمكن لنغمة هادئة أن تجلب الدموع , كل رشفة من القهوة , وكل قضمة من الكعكة , هي نغمة في تأليفه الرائع , ومذاق الإلهام , وهناك فتاة صغيرة على الطاولة المجاورة ترسم في دفتر ملاحظاتها , وعيونها متسعتان من الدهشة , فيبتسم , لأنه يعرف سحر الإبداع , والشرارة التي تشتعل من لحظات بسيطة , يلتقط نظرتها , وفي هذا الاتصال العابر, يولد لحن جديد.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .
- مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .
- مقامة (( لعم )) .
- مقامة الخطو وحيدا .
- مَقَامَةُ إِخْوَانِ الصَّفَا وَخِلَّانِ الوَفَا .
- مقامة رماد القدر.
- مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .
- مقامة مال السُّوَّال .
- مقامة معادن غريبة .
- مقامة الخذلان .
- مقامة حب كونفوشيوس .
- مقامة المهذب الرقيق .
- مقامة نباح المناهج وذبابها : أدب المقاومة الفكرية.
- مقامة أموت نظيفًا .
- مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.


المزيد.....




- وفاة أيقونة السينما الهندية دارميندرا عن 89 عاماً
- تحولات السينما العراقية في الجمعية العراقية لدعم الثقافة
- وفاة جيمي كليف أسطورة موسيقى -الريغي- عن عمر ناهز 81 عامًا
- فيلم -الملحد- يعرض في دور السينما المصرية بقرار قضائي مصري و ...
- -شرير هوليود-.. وفاة الممثل الألماني الشهير أودو كير
- محكمة الجنايات تفرج عن الممثلة الكويتية إلهام الفضالة دون ضم ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن 81 عاما
- نظرة داخل المتحف المصري الكبير
- -عالم سعيد العدوي-: كتاب موسوعي عن أبرز فناني الحداثة في مصر ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن عمر 81 سنة


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ترانيم الخريف .